عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    27-Nov-2024

دجل على مستقبلنا لا جدل*ابراهيم عبدالمجيد القيسي

 الدستور

في طفولتنا كنا أشقياء قليلا، وكنا نمارس اللعب ببراءة، وكانت بيئتنا وظروفنا، قاسيتين، وكنت من بين الأطفال كثيري الحركة مقارنة بكثير من أقراني، وميولي تتقصى اللذة الآتية من الأصعب، فألعابي وردود أفعالي وحتى مشاعري، كلها تتجاوز حدود أقراني من الصعوبة وربما الخطورة، وكذلك بعد النظر (فيما يراه وينظر إليه طفل)، ليس هذا هو المهم، بل إن المهم أنني كنت أتعاطف مع تواضع بعض أقراني وأصدقائي، وكنت أحاول منعهم من مشاركتي مغامراتي حتى لا يتضرروا، حتى «هوشاتي»، كنت أقصيهم عن المشاركة بها ولا حتى حجّازين، لكنني ومع مرور الوقت أصبحت أفهم كيف يتصرف الضعفاء، ويبررون ضعفهم، وقلة حيلتهم، أو ربما تطيّرهم من النتائج السيئة، أو خوفهم من أهلهم أو من غيرهم، ومن هذه الحالة بالضبط أصبحت لدي إن شئتم «فراسة»، في تمييز الناس ومدى صدقهم ولياقتهم واقتناعهم بما يفعلون، وبعدها أصبحت أميز الكاذب والضعيف، وأهم من ذلك أصبحت أتصور وأتوقع شخصيته «المريض»، وهو الشخص الذي خلق ضعيفا، ومع مرور الوقت أشغل نفسه بتبرير الضعف، ثم وجد ضعفه إنما هو «سرّ تفرده»، وأنه بتغيير بعض القواعد، قد يكون موهبته وفرصته، فأصبح يوظف هذا الضعف لابتزاز تعاطف الأقوياء، ثم لتحصيل مكاسب من ضعفاء أو أقوياء، وانصقلت طفولته بميول غير طبيعية، أورثته مع مرور الوقت طريقة في التفكير والتحصيل، تشبه بل هي أساس سلوك المجرمين من مختلف الأحجام..
أقول كل هذا للقراء الأعزاء، لأنني أشعر بمسؤولية تجاه نفسي وأهلي وبالطبع هؤلاء هم في الحقيقة، بلدي ووطني وشعبي، فما نتمناه لأبنائنا وأهلنا هو ما نتمناه لوطننا وشعبنا لا سيما في مثل هذا البلد وهذه الظروف، وبناء على هذا الشعور لا يمكنني إلا أن أتحدث في هذه الزاوية إلا بما أعتقد بانه ينفع ويحمي البلاد والعباد، ولا أعتقد بأننا مررنا سابقا بمثل هذا المنعطف التاريخي السياسي الخطير، بناء على حجم فهمنا للعالم اليوم وعدد سكان بلدنا، وحجم الخطر الدولي والإقليمي الذي يحيط بنا، بل ويستهدف مستقبل بلدنا وشعبنا.
لا أحب أن يكون كلام صديقي صحيحا، وهو زميل كاتب له كل التقدير، حين قال (لأ، هم يريدون تسليم البلاد والسماح للمخطط الاسرائيلي الأمريكي بالمرور)، ويجب (أن نقوم بواجبنا مهما كانت النتائج)، بل إنني قلت إنني أصبحت أفكر بالوطن ومستقبله وحال أهله، أكثر مما أفكر بأبنائي ومستقبلهم، فأنا مقتنع بأن «الأعداء المجرمين يفكرون فقط بمصالحهم، وقد ينتهزون فرصة يعتبرونها سانحة، مثمرة، ويحققون من خلالها هدفا كان في مخططهم يحتاج عقودا وجهودا عدوانية كبيرة لتحقيقه، فأجابني الصديق بنقائه المعهود ..(والله إني مقتنع بل أرى هذه المناظر المتوحشة التي تجري بحق البشر والحجر والقانون والأخلاق تحدث عندنا، قريبا!!!).. طبعا لن أقول بأنني غضبت من هذه النظرة السوداوية فقط، بل إنني صعقت، فصديقي ذو رأي وموضوعي ولا يعبر عن مثل هذه الظنون من فراغ، بل لها ما يبررها بالنسبة (لاطلاعه)، ولم يزعجني في معلومته سوى «الوقت القصير لحدوث مثل هذه المآسي لا قدر الله».
نقاشي مع صديقي مثمر، ولو بثته إحدى الشاشات لكان نوعيا صريحا مباشرا وطنيا صادقا، لا تجرؤ حتى الأحزاب على طرحه بهذه الطريقة، وعلى الرغم من «اعتزالي» شخصيا، وإلى حد كبير عن المتابعة السقيمة لأخبار الجرائم والحروب والديبلوماسيات، والتضليل والتطمينات، التي تنطوي على تنفيذ استراتيجيات نفسية لحروب معنوية نفسية، تقتل الضعفاء والجهلاء دون حروب، وتفرغ عقولهم وتبرمجها للتفكير حسب ما يريد هؤلاء.. إلا أنني أجبت على أسئلة الصديق، التي لا أجيب عليها حين يطرحها الناس مؤخرا، بل إنني في كتاباتي دوما أنحاز للدولة والوطن والناس، وألجأ للغة الديبلوماسية مؤخرا، سيما وأننا أصبحنا نشعر بمسافات طويلة، بيننا وبين مراكز التفكير  في بلادي، وأصبحت أشعر بأن كل مشاعرنا وأفكارنا ومواضيعنا العامة التي نكتب عنها ونحاول توجيه دولتنا لمسارها، غدت في أذهان البعض «أفكارا وأنماط تفكير خشبية، رجعية، هدّامة، لا تخدم تطويرا ولا تحديثا ولا تخدم المسرح وظروفه، ولا تتفق مع تجهيزاته».. يعني بهذه النظرة «كمان شوية بنصير أعداء للبلد والخير، ولن يشفع لنا لا صدقنا ولا طهرنا ولا صمودنا على خطاب دولة وعدم انتهازيتنا للفرص الكثيرة..(هذا ليس موضوعنا على أي حال او للدقة لم يحن وقت الحديث عنه ففيه جانب شخصي).
أنا أطلت عليكم بلا شك؛ لكنني سأعود للحديث عن أولئك الضعفاء الذين عرفناهم واكتشفنا وجودهم في حياتنا منذ الطفولة، لا سيما من أصبح يعتبر ضعفه هو سر قوته، وأن مكاسبه الشخصية هي غاية وجوده في الدنيا، اريد أن أقول لهم «الأردن خط موت ونار فوق شدة الإحمرار، ولن نغامر أو نتآمر عليه، فهو بيتنا وفيه وطننا ومستقبل ابنائنا، ولن أقول بأنه مجرد شوكة في عيون وحلوق العدا، بل هو الجحيم بعينه، فالأردنيون الأطهار الأخيار «أهل الديار»، يموتون اليوم ودائما للدفاع عن فلسطين وغيرها، فهل سيتراجع هؤلاء عن هذا الوفاء والنقاء والشجاعة والإقدام وفعل المستحيل لحماية بيوتهم وبلدهم ومستقبلهم...).
حتى المرضى الذين ذكرتهم، مع المتربصين والمستفيدين والبياعين، قالها الملك ولا شيء غيرها وافهموها كما شئتم (لن نغامر بالأردن).