الغد
نعم، هناك مشروع إصلاح سياسي يحاول لملمة عثراته وإعادة تأهيل ذاته من جديد، وهذا جيد.
وهناك مشروع إصلاح اقتصادي مواز يبدو أنه عنوان هذه الحكومة والسير فيه واقعي بلا وعود ويرتكز على الإصلاح لا اجتراح المعجزات المستحيلة.
وهناك مشروع إصلاح إداري هو الأكثر مشقة لأن مسننات البيروقراطية كبرت واهترأت وعملية تفكيك الترهل ليست سهلة خصوصا مع وجود طبقة مصالح راسخة وضخمة.
لكن المشروع الإصلاحي الأكثر قلقا وبدونه لن يتم أي إصلاح مما ورد أعلاه أو لم يرد هو المشروع التعليمي والنهوض بالتعليم الحكومي في الأردن.
فعليا، لايمكن صناعة وعي سياسي حزبي مدرك لمفهوم الدولة والمواطنة بدون تعليم حقيقي قائم على العلوم الطبيعية والمعرفة الإنسانية، والواقع اليوم في نظامنا التعليمي يتحدث عن عكس ذلك، ومخرجات المدارس التي تتلقفها الجامعات لا توحي بخير. مما ينعكس أيضا على مخرجات الجامعات التي صار الأردنيون يتحدثون عنها من حملة الألقاب العلمية الفارغة من أي محتوى.
مشروع الإصلاح الاقتصادي يعني في آخر مداه تحسين المعيشة للأردنيين، والواقع التعليمي الحكومي والخاص يعكس ذلك التفاوت الطبقي المرعب والمتزايد، فكل أردني يحلم بالهروب من المدارس الحكومية ليضع أبناؤه وبناته في مدارس خاصة، حتى لو غرق بالقروض والديون أو لجأ إلى أي وسيلة تنجيه من كابوس التعليم الحكومي، وفي المدارس الخاصة نشأت طبقات متعددة حسب القدرة المالية للمواطنين، فهناك مدارس خاصة درجة رابعة أفضل من الحكومية بقليل من ناحية المباني لكن التعليم فيها خاضع لمزاجية إداراتها (ولك ان تتخيل حجم الثغرة في تشويه الوعي)، ومدارس درجة ثالثة أفضل نسبيا، ومدارس درجتين ثانية وأولى أقساطها تحتاج ثراء واسعا وتعليمها ممتاز إلى حد كبير.
ما يتحدث به الجميع أيضا أن غالبية المدارس الخاصة (الأولى والثانية) أيضا تتحكم بتوجيه الوعي لطلابها، وهنا نتحدث عن الوعي السياسي والاجتماعي البعيد عن مفهوم الدولة الأردنية نفسه.
في المشروع الإصلاحي الإداري، فهذا الجهاز البيروقراطي المتضخم والذي بدأت عملية ترشيقه الصعبة ما يزال يحتاج إلى من يملؤه ضمن حاجة مؤسسات الدولة دائما، والوظيفة العامة لم تعد حلما او طموحا بل خيارا أخيرا للأقل حظا مما يعني ضرورة حضور عملية تكاملية بين قطاع التعليم والجهاز الحكومي وحاجاته الحقيقية للتطوير والترقي.
أؤمن جدا بالعملية الإصلاحية التعليمية التي تجري على قدم وساق وبخلايا عمل متعددة وبهدوء وثقة، لكن تلك العملية تعرضت لهزة عنيفة من جهة التمويل بعد توقف برامج وكالة المساعدات الأميركية، وبرأيي الشخصي لا بد من خطة إنقاذ تمويلية لمشروع التربية والتعليم ليستمر العمل فيه والنهوض بكل الإصلاح المطلوب في الدولة الأردنية.