عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    14-Jan-2019

أدباء: لا يحتمل المشهد الإبداعي ترويج الغثاء

 الراي- إبراهيم السواعير

«الملاحق» أسهمت في «التطبيل» لأعمال قليلة الأهمية وضعيفة، لمصالح ضيقة، ونجومية خادعة
 
ما هي مخاطر وجود الناقد العابر للأجناس الأدبية والفنية والمعرفية؟!.. خصوصاً وقد كثر وجود النقاد "تحت الطلب" الذين هم محل حظوة وحضور لدى الهيئات الثقافية والندوات، وهؤلاء ربما يجاوزون الحقائق ويتغطون بالمجاملات وتبرير وجود الإبداع، وربما بعدم المعرفة أيضا، وما مدى ما يشكلونه من خطر وهم يقومون بشرعنة الأدباء والفنانين سريعا دون وجه حق؟!
 
كيف يمكن أن تأخذ الصحف والمؤسسات الإعلامية في صفحاتها الثقافية، وبرامجها ذات العلاقة، موقفا من الناقد الرديء، أو غير المتخصص، أو المشكوك بسمعته النقدية؟!.. كيف ينعكس النقد السيء، أو المجامل على جيلٍ إبداعي غير حقيقي؟!
 
أسئلة طرحتها "الرأي" على نقاد وأدباء، هم أبناء المشهد الثقافي بحلوه ومرّه، فكانت هذه اللقاءات:
 
نجومية خادعة
 
يستهل القاص الأديب مخلد بركات ساخراً من حال الناقد العابر للأجناس الأدبية والفنية بقوله: يمكن تسميته" أبو العريف" أو جاحظ العصر الحديث، الموسوعي،.. هم قلة قليلة، ينبرون وبخاصة في الصحف للتطبيل والتزمير والتهليل لأعمال شعرية وسردية قليلة الأهمية الإبداعية، ربما لمصالح آنية ضيقة، أو بحثا عن النجومية الخادعة، أو حينما يقفون وراء "المايك" في الأمسيات المنتشرة كالضباب، ليست العبقرية في أن نتحدث في كل شيء، المعقول هو التخصصية والإبحار في جنس أدبي بعينه، جالست بعضهم في أكثر من محفل، ينبري لكل تفصيلة في الأدب والنقد والفكر، لا يغادر كبيرة ولا صغيرة إلا وأحصاها، في استعراض دونكوشوتي، للأسف هناك أعمال أردنية في منتهى الجمال والعمق لم ينتبه إليها هؤلاء الموسوعيون، وراحت أنظارهم صوب الرداءة التي تناسب مزاجهم، في التشكيل يتحدث ناقدا، في الشعر في السرد في الفلك في التاريخ، وحين تجادلهم تخرج مغلوبا، لقد أسهموا في هذا التخبط والهباء، ومن المؤسف أن لهم منصات إلكترونية ومريدون. "أبو العريف" عليه أن يعيد ترميم مكتبته، يجالسها قليلا، يقرأ بكثافة، على الأقل في حقل معين كي يبدع فيه، ويتغلغل في تجاويفه ومساربه، كالبحار يلتقط المحارات الثمينات، ويخفف من الزهو أمام "فلاشات" أجهزة الخلوي، لتزين صوره الفيس بوك الذي أسهم في انتشار أعشاب النصوص الضارة.
 
أديبات ضعيفات
 
وحول الناقد الذي يجاوز الحقائق ويتغطّى بالمجاملات، يقول بركات: بعض هؤلاء النقاد تجده في كل محفل، في العديد من الهئيات الضعيفة أصلا، ينبري ويقف خلف المايك مشرحا ومستعرضا عضلاته، هذا الأمر أضر بالأدب الأردني، وسوّق لأنصاف الموهوبات والموهوبين، وخلط الحابل بالنابل، النقد اجتراح للنصوص، غربلة واعية مستبصرة على حد تعبير ميخائيل نعيمة، لاستخراج القمح من الزوان، ليس عملا اعتباطيا أو استرضائيا، وليس بحثا عن بطولة في زمن الهزائم، فعلا هم شرعنوا أدباء على مقاسهم، أو أديبات ضعيفات الأدوات الفنية، لأسباب لا يعلمها إلا الراسخون في العلم، كل حين يزرعون شجرة جديدة لا تقوى على نسيم، فتميل ملامسة الأرض، فيظهر خواؤها، بلا ثمر أو جذر يقيها عاديات السنين، لا نعمم هنا، هناك نقاد لهم كل الاحترام ولهم سير إبداعية متميزة وشكلوا مدارس في النقد، وبلغت شهرتهم الآفاق والمحافل العربية، وهم بريئون من دم على قميص، أو حكاية أُنيطت بذئب كان خلف التلال البعيدة.
 
فوضى نقدية
 
ويؤكد القاص بركات دور جمعية النقاد الأردنيين في إعادة انحرافات بعض النقد إلى جادة الصواب، وتأطير عملها وتنشيطه، وأن لا تقف متفرجة على هذه الفوضى النقدية، متمنياً عليها عقد مؤتمر نقدي كبير يحتفي بالمنجز الأردني في الشعر والسرد، بمشاركة قوية وفاعلة، وأن يُبحث على هامشه النقد المحابي أو المساير، أو الهش، أسبابه ونتائجه، وطرق الوقاية منه، واستبداله بالنقد الحقيقي، وآليات ذلك، ويقول: في الجمعية نقاد كبار لهم كل التقدير، ولكن ربما أصاب الجمعية شيء من وعكة صحية طارئة، منعها من النهوض والنشاط المرتقب والمتوقع منها كحارسة للنص الجميل والإبداع الراقي، الجمعية ممكن أن تفعل الكثير، وهي قادرة إن تخلصت من كسل خفيف أو شح في مواردها المالية، أو انشغال مبرر لبعض أعضائها، في التدريس الجامعي ومشاغل الدنيا، ربما عليها دور رقابي للحد من التخبط النقدي الاسترضائي، لتعود تضيء ذاتها من الداخل، فيعم ضؤها بعد ذلك، عميقا وكاشفا للمشهد الثقافي.
 
ترويج الغثاء
 
أما موقف الصحافة الثقافية من الناقد الرديء، فيؤكد بركات دورها: أولا بعدم نشر مقالته النقدية، لإيصال رسالة له مفادها "كف عن هذه الهرطقات"، لا يحتمل المشهد الإبداعي ترويج الغثاء، لأننا اتخمنا به قراءة واستماعاً في المحافل المنتشرة هنا وهناك، في اكتظاظ زمني، ولأن اعوجاج الزمان ينوء به السداد كما قال عرار العظيم، وثانيا بمصارحته وتقديم النصح بأن الحقيقة لا بد أن تبين، وأن المغنطة للنص الرديء من السهل كشفها، والحقيقة هو واجب يقع على جميع المؤسسات الثقافية بتضييق دوائر انتشار مثل هؤلاء الملمعين للرداءة، بعقد الندوات والمؤتمرات التي تحد من خطورة النقد السريع المحابي، من ناقد لا يعتد به، وربما قرأ في حياته كتابا أو كتابين في النقد، أستغرب من ناقد لم يطلع على عيون النقد التراثي العربي، وعلى المدارس النقدية الحديثة، وعلى مختلف صنوف الأ دب العربي والعالمي، كيف ينبري ليمارس هذا الدور في فقاعة كبيرة، سرعان ما تذوب.
 
روتينية بلهاء
 
ويرى بركات أنّ النقد السيء أو المجامل هو من أسهم في خلق هذه الحالة من الفوضى، وطباعة الكتب الأدبية بشكل يومي، ليغرق الذوق في روتينية بلهاء، حفلات التوقيع موضة عصرية، تقريبا كل يوم هناك حفل توقيع لديوان شعر، أو مجموعة قصصية أو رواية، بلا ضوابط، دور النشر والمطابع تعمل على مدار الساعة، هناك بعض الأعمال ما هي إلا خربشات بلا معنى أو قيمة، ربما واحد من الأسباب هو الدعم المعنوي من نقاد مجاملين، يهولون مثل هذه الأعمال، وبعتبرونها سرديات عظيمة لم تكتب في تاريخ البشرية، وأكثر الضحايا هم من فئة الشباب والفتيان، المعادلة الثلاثية المعروفة( المؤلف، النص، القارىء) اختلت، تحتاج إلى سؤال الطلب لأستاذ الكيمياء القديم" زن المعادلة التالية"، نحتاج إلى ميزان، والميزان هنا هو النقد العقلاني العلمي، غير الانطباعي، المدروس، الذي ينتهج المعرفة والإبداعية وتأثير النصوص، لا صاحب النصوص، وجماله وأناقته، وهامش الربح.
 
نقاد عابرون
 
الشاعر يوسف عبدالعزيز يرى أنّه ومنذ بداية السبعينيات في القرن العشرين، يعاني النّقد الأدبي والفني والمعرفي في العالم العربي، من أزمة كبيرة، فمثل هذا النّقد لا يواكب الأعمال الأدبية والفنية، بدراسات وازنة وسابرة، بقدر ما يمرّ عليها مرور الكرام من خلال ملاحظات أوّلية، ومجاملة في أغلب الأحيان.
 
ويضيف عبدالعزيز: ولنقل إنّ النّقّاد المتخصّصين في هذه المجالات قليلون، وذلك مقابل (النّقّاد العابرين) الذين نحن بصددهم، والذين يكتبون في جميع الأجناس الأدبية والفنية والمعرفية، فالناقد العابر هو كاتب انطباعي في أغلب الأحوال يقدّم عن النص المكتوب عرضاً موجزاً، ومجموعة من الآراء التي يمكن لها أن تكون عامّة، وتلامس السطح الخارجي للنصّ، دون أن تدخل في ثناياه وتستبطن أعماقه. إنّ النتيجة الكامنة وراء هذا التّصرّف سوف تنعكس على الطرفين: الكاتب والجمهور.
 
تضخيم الصورة
 
بالنسبة للكاتب الذي جرى الاحتفاء به من قِبَل الناقد العابر، فسوف يستفيد استفادة كبيرة، في تضخيم صورته ومكانته الإبداعية المزعومة من جهة، وفي التّورّط بطرح أعمال هابطة جديدة. أمّا بالنسبة للجمهور فسوف يتمّ تشويه ذائقته بالأعمال المنقودة، خاصةً أنه لم يعد يميّز بين الجيّد والرديء. نتيجة أخرى بالإضافة إلى كل ما ذكرنا، يقول عبدالعزيز، أنّ الخاسر الأكبر ربّما سيكون الأعمال الجيدة التي ستبقى مركونة في الظلّ، خاصة إذا ما عرفنا أنّ أصحابها لا يتوسّلون أحداً ليروّج لهم تلك الأعمال.
 
الموهبة وقناة النقد
 
وحول كثرة وجود النقاد تحت الطلب، يقول: في الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين، كانت الأعمال الإبداعية المطروحة في حقول الشعر والسرد والتشكيل قليلة، إذا ما قورنت بالأعمال الإبداعية المنتجة الآن. والأمر نفسه ينطبق على النّقّاد. وعلى الرغم من قلة عدد النّقاد في المرحلة الأولى إلا أنهم كانوا يتابعون ما يكتب أو ينشر بعين فاحصة. لنذكر هنا أيضاً الصعوبة البالغة في الظهور، التي كان يعاني منها الشاعر الجديد على سبيل المثال، فمن أجل أن يكرّس نفسه كشاعر معروف، كان ينبغي له أن يتمتّع بموهبة حقيقية، وأن يمرّ بقناة النّقد. الآن الأمر اختلف، فحس�'بُ الشاعر الجديد أن يقوم بنسج مجموعة جيدة من العلاقات، وأن يطرح ما لديه، ليتم تالياً الاحتفاء به وتبجيله، بغض النّظر عن السّوية الفنية التي تتمتع أو لا تتمتّع بها نصوصه. طالما أنّ الناقد العابر واقف في انتظار اشارته.
 
فلا بدّ لنا من القول، إنّ الأمر لو ظل متعلّقاً بالصحف والمجلات لظلّت النتيجة خفيفة الوطأ، لكنّ الذي حدث أنّ أبواب الإنترنت من مواقع إلكترونية، وصفحات للتواصل الاجتماعي، قد انفتحت أمام طراز آخر من النقّاد العابرين، وهم هنا القرّاء والمتابعون العاديّون. وهكذا فقد قلّت الشروط التي ينبغي أن تتوفّر في الناقد العابر، فقلّ النّقاد العابرون، لأنّ الذي أصبح ينقد هم القرّاء.
 
جمعية النقاد
 
ويرى عبدالعزيز أنّ جمعية النّقّاد الأردنيين هي جمعية لها مكانة خاصّة عند الأدباء والمبدعين، سواء داخل الأردن أو خارجه. أمّا أعضاؤها فلهم مساهماتهم الجيدة في تقديم متابعات نقدية عالية المستوى، لكنّ المشكلة لا تتعلّق بهم بقدر ما تتعلّق بوضع ثقافي عام مشظّى وموضوع على الرّف. الثقافة في عرف الحكومات المتعاقبة لا تحظى للأسف باهتمام يذكر. يتضح ذلك من الميزانيات المالية الشحيحة المخصصة للثقافة (ميزانية وزارة الثقافة الآن لا تتعدى أربعة ملايين دينار)، أمّا (رابطة الكتّاب الأردنيين التي تمثّل الجسم الثقافي الأردني ففقيرة جداً، ولا تتعدّى ميزانيتها بضعة آلاف من الدنانير).
 
قد يقول قائل: وما علاقة الميزانيات بالنّقاد؟ هنا نجيبه فنقول إنّه لا يمكن لنا أن نصنع ثقافة دون رأس مال. ولو كانت هناك ميزانيات معقولة وخطط وبرامج تنمية ثقافية حقيقية، لتمكّنت كلّ من الوزارة والرابطة من إنجاز الكثير للشّأن الثقافي، وبالتالي لرأينا إنتاجاً ثقافيا ونقديّاً أفضل بكثير عمّا هو عليه الآن.
 
ولو عدنا إلى جمعية النّقّاد لوجدنا أيضاً شُحّاً في ميزانيّتها، وحسب علمي، يقول عبدالعزيز، أنّها لا تتلقّى مساعدات من أحد، وهذا الأمر سينعكس على أنشطتها وإصداراتها. فلو كان لديها ميزانية معقولة لأصدرت مجلّة، وسلسلة من كتب النّقد.
 
سوية الملاحق
 
وحول دور الصحافة الثقافية، يقول عبدالعزيز: منذ أواسط السبعينيات من القرن الماضي، حتى أواخر العقد الأوّل من القرن الحالي، يمكن أن نقول بفخر إنّ الصحف الأردنية بالإضافة إلى مجلة أفكار، قد لعبت دوراً كبيراً في تفعيل الحركة الثقافية وإغنائها، من خلال نشر النصوص الإبداعية للكتّاب الأردنيين والعرب. لقد كانت الملاحق الثقافية ذات سوّية جيدة، قدّمت المبدعين إلى جمهور القرّاء بكلّ جمالية. الآن للأسف تقلّصت المساحة الممنوحة للثقافة، وغاب عن الصحف الكثير من الكتّاب.
 
لا بد من القول إنّ الصّحف والمجلات هي الأخرى تمر بأزمات مالية، وذلك بسبب التّحوّل العام الذي أدّى إلى انتقالها، من المستوى الورقي إلى المستوى الإلكتروني، وكذلك بسبب غياب العناية بها ومساعدتها لتخرج من أزمتها.
 
نتيجة لما ذكرناه، ولأنّ الصحف أوقفت المكافآت المالية للمبدعين، فقد عزف عدد كبير من الكتّاب والنّقّاد عن الكتابة فيها. طبعاً المسألة لا تتعلّق بالنوايا الحسنة عند هذه الصحيفة أو تلك، من أجل ألا تنشر نصوصاً نقدية أو أدبية هابطة، فالمسألة تتعلّق بتوفّر المال في الدرجة الأولى.
 
النقد المغلوط
 
ويختم يوسف عبدالعزيز بقوله: لا بدّ أنّ تكون هناك نتائج سيئة على الجمهور، جرّاء النّقد العابر الرّديء، حيث سيجري ضخّ هذا الجمهور بآراء نقدية مغلوطة، ممّا يُحدِث بلبلة لديه، تتصل بوجهة النظر التي يتّخذها إزاء النصوص الإبداعية. وبهذا الشكل ستتعرّض ذائقة هذا الجمهور للعطب، فلا يستطيع تالياً التمييز بين النص الجيد والنص الرديء.
 
النتيجة الأخرى تتعلّق بالكتّاب الذين يجري نقد نصوصهم، حيث ستنطلي عليهم الحيلة، فيصابون بنوع من الشعور بالعظمة. وهذا إن حدث سيورطهم في نشر المزيد من الأعمال الإبداعية الهابطة.
 
صلاحيات المؤتمرات
 
وللخروج من هذا الوضع النّقدي المريض، يرى عبدالعزيز أنّه لا بدّ من معالجة الوضع الثقافي العام، والانتقال به من المستوى المتشرذم وشبه المعطّل والغائب، إلى مستوى حيوي ونابض وفاعل. من أجل ذلك، يرى أن يتم عقد عدد من المؤتمرات الثقافية الجامعة، يشارك فيها الكتّاب والمثقفون والخبراء، لصوغ برنامج ثقافي شامل يمس جميع جوانب الثقافة، وجميع مؤسساتها الرسمية والأهلية، وأن تكون لهذه المؤتمرات الصلاحيات اللازمة، لفرض أجندتها الجديدة. ودون ذلك سنبقى نراوح في المكان.
 
النقد الانطباعي
 
يكاد الشاعر عواد عارف الهلال يجزم بأن ليس هنالك نقد بمسماه الفني، وتبعا لذلك يؤكد بأن الناقد المحترف غير موجود، وما نلمسه لا يعدو أن يكون انطباعا وليس احترافا، فالنقد الجاد ليس ما يطالعنا به الأدعياء بهذا المفصل الهام من مفاصل الثقافة الذين ينبرون إما من تلقاء أنفسهم ليجدوا لذواتهم مكانا، أو بتكليف من أصدقائهم، أو برجاء من أصحاب الإصدارات ليكتبوا عنهم ظنا منهم أن ذلك قد يرفع من سوية أعمالهم لتحصل لهم الشهرة التي بغالب الظن لا تأتي بهذه الطريقة المبتذلة.
 
وحول معنى النقد يقول الهلال: ما أراه أن النقد ليس اجتزاء أجزاء من النص موضوع الدراسة، وأخذه بالتفسير لا بالتأويل، بل أعتقد أن ممارسة النقد تقوم على مطابقة النص مع وقائعه، ومواءمته مع بيئته لينعكس عن كاتبه توظيفا فكريا وأدبيا وأخلاقيا يحمل في طياته ما هو أبعد من السرد أو التدوين، أو الكتابة لغاية الكتابة فحسب كما هو حال معظم الإصدارات الحديثة التي تخلو من العمق الفكري، أو الرسالة الأدبية الهادفة.
 
ناقد رديء ونص سيء
 
فلا الناقد على قناعة بما يتكلف قولا بعيدا عن أصول النقد، ولا صاحب النص متيقن من صدق الناقد، والحالتان متكلفتان بعيدتان عن الحرفة، مجافيتان للحقيقة، نائيتان عن المنطق، والهدف من النقد لكلا الطرفين الترويج الإعلامي الذي لن يرتقي لا بالناقد ولا بالكاتب طالما أن النقد وموضوعه دون المستوى الاحترافي للإبداع.
 
مكانة الناقد
 
وحول "نقاد تحت الطلب" يأسف الهلال بقوله: الملاحظ في هذا الجانب، أن النقد يتجه اتجاها واحدا، فلا تراه يخرج عن كيل المديح والثناء، وإظهار ما يرفع من سوية النص دون الالتفات إلى مكامن الضعف الذي لا يخلو منه أي عمل مهما كان محكما، واتباع هذا الأسلوب باعتقادي لأجل الإبقاء على مكانة الناقد من ناحية، وللضعف المهني والاحترافي لدى ذات الناقد من ناحية أخرى، أو لعدم الجرأة من ناحية ثالثة، وكلها أسباب توهن مسمى النقد، وتجعل الاسم افتراضيا أكثر من كونه حقيقيا.
 
مجاملات باهتة
 
ويصرّح: أكاد أزعم، أن نقد النقاد لم يتجاوز أشخاصا بعينهم، فكان التزلف بأثواب المجاملات الباهتة هو الشكل الأبرز في الحركة النقدية المدعاة، والذي أدركه بأن الناقد الحصيف، والذي يمتلك الجرأة الأدبية، ومتمكن من رؤيته الثقافية لا يتوقف عند أشخاص بعينهم، فلا يتجاوزهم إلى غيرهم، ولا يلتزم أسلوبا لا يبارحه، ولا ينتظر من الكاتب أن يأتيه بنتاجه ليطرح رأيه فيه. فالعمل النقدي الهادف مواز للعمل الإبداعي الجاد، وعلى الناقد تتبع الإصدارات في مجال نقده، وعليه أن يأخذها بالدراسة دون تكليف، لأنّ ما يصدر عنه من دراسات نقدية هي حصيلة له في الجانب الثقافي، تواكب الأعمال الإبداعية لدى الأدباء، فالشاعر والروائي والقاص والباحث كل له مضماره، ويجب أن يكون للناقد مضماره أيضا.
 
ويتابع: والذي يؤسف له، أن كثيرا من الأشخاص يعتمدون على شهاداتهم الأكاديمية، فيحثون الخطى في مسالك النقد المتشعبة، لينصبوا أنفسهم قيِّمين على الأعمال الإبداعية بتكليف من بعض الكتَّاب، وكان الأجدر بهم -إن كان لديهم الحس النقدي- أن يتجهوا للنقد من تلقاء أنفسهم، فيمارسونه برغبتهم لا برغبة من يطلب منهم، لاعتقادي بأن النقد حالة كما حالة الإبداع، فهي خوض في غمار، وليست قراءة انطباع.
 
صحافة غير بريئة
 
ويرى الهلال أن الصحف أسهمت إسهاما غير بريء في ترسيخ أسماء بعض النقاد، كما أسهمت من قبل في ترسيخ أسماء بعض الكتاب، فنشرت في الحالتين أسماء ولم تنشر نقدا ولا إبداعا، وحجبت نقداً وإبداعاً لأسماء أخرى لعدم رسوخها بسبب غض الطرف عنها لأن أصحابها ليسوا من ذوي الحظوة عند القائمين على النشر، وكلها مساوئ أفضت إلى بعضها فأوجدت أدبا ركيكا، ونتاجا ضعيفا، فساد الأسوأ.
 
فما يجري في العديد من وسائل الإعلام الثقافية ومنذ ما لا يقل عن عقدين، أن الأشخاص العاملين في هذه الحقول التزموا الجانب الوظيفي ولم ينتهجوا المسلك المهني والاحترافي، وكثير منهم رجح العلاقات مع الأشخاص على العلاقة مع الأدب، فصار ما يرد للصحافة من مواضيع يتم التعامل معها بأسماء مرسليها وليس مع الأسباب الداعية أو الرافضة لنشرها.
 
فتستطيع الصحافة الآن أن تبدأ من جديد، فتمتهن العمل الصحفي ببعده الثقافي الحقيقي لتعيد الأمور إلى نصابها.
 
علاقات شخصية
 
ولا يشك الهلال بأن النقد المجامل، كما الترويج الإعلامي المتكئ على العلاقات الشخصية، كلاهما أديا دورا في الإسفاف الثقافي، فترسخت أسماء تجرأ أصحابها على الثقافة الرصينة، فتعددت الإصدارات التي في حقيقتها تسيء إلى الثقافة الأدبية، فلاقت نقدا يراه البعض جاذبا، فلم يجد المتسائلون جوابا لهذا العبث فاندفعوا بعيدا عن التهريج، غير أن آخرين سلكوا الدرب ذاتها تشبها بالأسماء التي لمعت بحسب ظنهم، فنتجت ثقافة هجينة، ونشأ جيل يظن أن هذه هي الثقافة، لتتلقفهم الهيئات الثقافية الطارئة لملء الفراغ عندها.
 
ولم يكتف أبناء الجيل الناشئ بأن أصبحوا في عداد (المثقفين)، بل أخذتهم العزة بالإثم، فصاروا يتطاولون على الثقافة الجادة ليهدموا صروحها ليخلو المكان لعبثهم.