في ذكرى ميلاد المصطفى.. رحمة العالمين والقانون الدولي*خلدون ذيب النعيمي
الدستور
وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين.. كان هذا العنوان العريض الرئيسي الذي ذكره الخالق عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم مؤكداً ان الرحمة هي منطلق الرسالة الاسلامية وهي هدفها، ومن هنا كانت الرحمة هي الغلاف الرئيسي التي شكلت فيه مختلف جوانب حياة النبي الكريم ومواقفه المختلفة سواء مع اصحابه ومنهجه في ابلاغ رسالة ربه بل تعدى ذلك لتعامله مع اعداءه وقت الحرب والحيوانات و البيئة ككل سواء في السلم او القتال.
فرحمة الاسلام في حياة نبيه ابتدأت مع مولده وعتق عمه اللدود ابو لهب لجاريته حين بشرته بمولد ابن اخيه، ورحمته بمساعدة تلك العجوز التي لا تعرفه بحملها وكافأته بالتحذير من سحر محمد..!! فتبسم لها بعد ان عرفها بنفسه فشفق عليها حتى لا يحرجها، ورحمته تمثلت بقوة حين استأذنته الملائكة بطبق الاخشبين على مكة والطائف بعدما لاقى من اهلهما ما لاقى من الخذلان فدعى ربه لهما الهداية، وحتى وهو بين اصحابه بعد الهجرة عندما اشتد عود الاسلام كانت الرحمة تتناسب طردياً مع قوته فحاله مع الاعرابي الذي شد ثوبه طالباً بفظة وغلظة ان يعطيه من مال الله، فهو ليس من ماله او مال ابيه كما يقول.!!فلم يثره غضب اصحابه لأجله بل تبسم بوجه الاعرابي واعطاه ما يريد.
وحتى اصحابه وخلفاءه ساروا على نهجه فالوصية الخالدة للصديق رضي الله عنه بعدم قتل أمرأه وطقل او من احتمى بصومعة وعدم قطع الشجر هي عنوان ما زال يدرس كنهج للرحمة في التاريخ الانساني في المراكز الحقوقية الدولية، وهي الرحمة التي لأجلها قال المستشرق غوستاف لوبون لم يعرف العالم فاتحاً أرحم من العرب، بل كان من ثمارها ان اندونيسيا هذا العملاق الاسيوي بمسلميها التي يتجاوز عددهم العرب ككل فتحت بالرحمة والصدق والامان وليس بالسيف والامثلة هنا أكثر ان تحصى.
والناظر حالياً الى كثرة القوانين الدولية التي تتناول الرحمة بالانسان وحفظ حقوقه يكتشف الفرق جيداً بين ان يكون التشريع والقانون متأصلاً بالنفس بمعنى بدأت النفس به او هو بمثابة ديكوراً للمدنية الحديثة يسوده الازدواجية بالمعايير بما يخص المصالح او الشعب المتضرر، فهو يبدو قاسياً مؤلماً منافياً للإنسانية في أوكرانيا بينما يعتبر بمثابة الحق بالدفاع عن النفس في غزة وعموم فلسطين، وهو الوتر الذي لم تعزف عليه فقط الدوائر السياسية الغربية بل حتى اعلامهم في تبنيه الدائم لسردية سياسيه وحليفتهم المدللة اسرائيل على مدى تاريخ سنوات القضية الفلسطينية، والذي بحمد الله انفضح في السنوات الاخيرة امام مواطنه الغربي فاصبح يعي حقائق المثل الحقوقية والانسانية الغربية التي تلتزم الصمت المزري امام تل ابيب.
واما الزبد فيذهب جفاءاً.. فما يحدث في تاريخ الانسانية وقت الصراعات هي المحك الاصيل للرحمة الصادقة والتي لا تستطيع قوى الاعلام المزدوج المعايير ان تخفيه بتدليسها ونفاقها، فالعالم والتاريخ سيتذكر جيداً مقولة وزير حرب اسرائيل غالانت بأنه «لا نحارب بشراً بل حيوانات بشرية» وإقتراح وزير التراث عميحاي الياهو بإلقاء قنبلة نووية على غزة فضلاً عن قيام رئيس اسرائيل يتسحاق هيرتسوغ بكتابة عبارة «نعتمد عليكم» على إحدى القذائف المرسلة التي سيتم اسقاطها على غزة في إشارة منه لثقته بالقدرة التدميرية لجيشه، وسيتذكر ايضاً وبقوة النفاق الدولي فيما يجري في غزة وخذلانه لحقوق الانسان هناك كما تذكر هذا العالم بتاريخه مقولة ذلك النبي العربي الأمي الذي لام احد اصحابه عندما اخذ فرخ يمامة عن عشه فجعلت أمه تطير وتبحث عنه بصوتها المميز فقال « من فجع هذه بولدها ردوا ولدها اليها».