عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    27-Jul-2024

الإطار القانوني لأرشفة الوثائق الوطنية*د. حمزه العكاليك

 الغد

تمثل السجلات التاريخية لأمة ما حجر الزاوية في هويتها. حيث تحافظ مراكز التوثيق والأرشفة والمكتبات الوطنية على هذه السجلات، وتحفظ سرد الماضي للأجيال القادمة. ومع ذلك، في عصر الرقمنة، تواجه الوثائق المادية مخاطر التدهور والقيود على إمكانية الوصول إليها. ويوفر التحويل الرقمي حلا، لكن الإطار القانوني لهذا التحول أمر بالغ الأهمية لضمان الأصالة وإمكانية الوصول والحفظ على المدى الطويل.
 
 
ويُعد الإطار القانوني ضروريا وذلك لضمان المسؤولية والشفافية من أجل تحديد مسؤوليات مختلف الجهات المُشاركة في عملية الرقمنة، وضمان اتباع أفضل الممارسات والمعايير الدولية، إضافة إلى حماية الحقوق من خلال تحديد أصحاب حقوق النشر والملكية الفكرية، وضمان احترام خصوصية الأفراد المذكورين في الوثائق.
كما تكمن أهمية هذا الإطار في الوصول العادل للوثائق من خلال ضمان إمكانية الوصول إلى الأرشيفات الرقمية لجميع المواطنين، فضلا عن حفظها على المدى الطويل من خلال ضمان استدامة الأرشيفات الرقمية وحمايتها من التلف أو الضياع، مع تطوير إستراتيجيات الحفظ الرقمي الفعالة.
ويتطلب تحديد النطاق القانوني وضع  معايير واضحة لهذا الإطار يجب مراعاتها لتحويل الوثائق إلى نسخ رقمية، ويتمثل المعيار الأول في القبول القانوني للنسخ الرقمية، حيث يعد القبول القانوني للنسخ الرقمية حجر الزاوية لضمان موثوقية وأصالة المعلومات المؤرخة رقميا. ويُشكل ذلك تحديا قانونيا مهما يتطلب إطارا قانونيا مُحكما ينظم عملية التحويل الرقمي ويُحدد معايير قبول النسخ الرقمية كبدائل قانونية للمستندات الأصلية.
حيث يعتبر الوزن القانوني للنسخ الرقمية مصدر قلق بالغا. ويجب أن يقوم  الإطار القانوني على عدد من الشروط، وفي مقدمتها شرط  المصادقة التي تحقق  ضمان صحة النسخ الرقمية، حيث أن ذلك يتطلب وجود آليات مُحكمة للتحقق من صحة النسخ الرقمية وضمان تطابقها مع المستندات الأصلية.
وتشمل هذه الآليات التوقيع الرقمي وتستخدم التوقيعات الرقمية لِربط النسخة الرقمية بالوثيقة الأصلية والتأكد من عدم العبث بها. وتعمل بمثابة بصمة إلكترونية تُتيح التحقق من هوية مالك الوثيقة ومنع أي عمليات تزوير أو تعديل. ويمكن استخدام تقنيات التشفير لربط النسخة الرقمية بالمستند الأصلي ومنع التزوير أو التلاعب، إضافة إلى آلية العلامات الزمنية والتي تسجل العلامات الزمنية تاريخ ووقت إنشاء النسخة الرقمية، ممّا يُساعد على تتبع سلسلة الحفظة وضمان عدم التلاعب بالوثيقة عبر الزمن، إلى جانب آلية سجلات المراجعة: حيث تُوثّق سجلات المراجعة جميع التعديلات والتغييرات التي تم إجراؤها على النسخة الرقمية، ممّا يُتيح تتبع مسار الوثيقة وتحديد المسؤول عن أي تعديلات.
أما الشرط الثاني الذي يقوم عليه الإطار القانوني لرقمنة الوثائق يتمثل في اتباع أفضل الممارسات العالمية وذلك لضمان الاستخدام على المدى الطويل ويتم ذلك من خلال معايير دقيقة لعملية التحويل الرقمي لضمان جودة النسخ الرقمية واستخدامها على المدى الطويل ، ومن هذه المعايير دقة المسح الضوئي وتمكنها من التقاط جميع تفاصيل الوثيقة الأصلية بدقة، بما في ذلك النصوص والصور والرسومات، إضافة إلى معيار صيغ الملفات حيث تكون هذه مُستقرة ومُتوافقة مع التقنيات المُستقبلية لضمان إمكانية الوصول لها على المدى الطويل، وايضا معيار إنشاء البيانات الوصفية من خلال توفير معلومات وصفية عن محتوى الوثيقة وتاريخها ومالكها، مما يُسهل عملية البحث والاسترجاع.
ويتمثل الشرط الثالث الذي يقوم عليه الإطار الوطني لرقمنة في إدارة الوثائق الأصلية( الاحتفاظ والتخلص)، ويركز هذا الشرط على تحديد  مصير الوثائق الأصلية بعد تحويلها إلى صيغة رقمية، أما من خلال الاحتفاظ الدائم بالنسخ الأصلية لأسباب تاريخية أو ثقافية أو قانونية، أو من خلال الأرشفة الآمنة إذ يمكن يتم أرشفة الوثائق الأصلية بشكل آمن في ظروف مُتحكّم بها لضمان حمايتها من التلف أو الضياع، مع إتاحة إمكانية الوصول إليها في حالات محددة، أو عبر التخلص المُنظم: منها يتم التخلص من الوثائق الأصلية بطريقة مُنظمة وآمنة بعد التأكد من عدم وجود حاجة إليها لأغراض قانونية أو تاريخية.
وبالعودة إلى المعايير التي يقوم عليها الاطار القانوني لرقمنة الوثائق، يتمثل المعيار الثاني في حقوق النشر والملكية الفكرية وفي عملية رقمنة الوثائق الوطنية، حيث تُعد المحفوظات الوطنية كنزا غنيا بالتاريخ والثقافة، لكنّها تواجه تحديات كبيرة في عصر الرقمنة، خاصة فيما يتعلق بحقوق النشر والملكية الفكرية.
وغالبا ما تحتفظ الارشيفات الوطنية بوثائق ذات حقوق ملكية معقدة ويجب أن يتناول الإطار القانوني فيما يتعلق بحقوق النشر والملكية الفكرية ما يلي تحديد أصحاب حقوق التأليف والنشر، حيث لهما أهمية كبيرة في عملية رقمنة الوثائق الوطنية وارشفتها فيما يتعلق بأمور تعقيد الملكية: وتعدد المالكين وتغيرات الملكية مع مرور الوقت، عدا عن المخاطر القانونية، إذ قد يواجه الأرشيف الوطني مخاطر قانونية إذ تم رقمنة وثيقة دون الحصول على إذن مالك حقوق النشر على سبيل المثال، قد تكون وثيقة حكومية تحتوي على نصوص قانونية منشورة تتطلب إذنا من الجهة الحكومية وكذلك من المؤلف الأصلي للقانون.
ولا بد من التركيز على إيجاد حلول لمعالجة تحديات حقوق النشر من خلال البحث الدقيق عن الملكية، وهنا يجب على الأرشيف الوطني إجراء بحث دقيق لتحديد مالك حقوق النشر لكل وثيقة قبل رقمنتها، إضافة إلى الاتصال بأصحاب حقوق النشر، فمن الواجب على القائمين على الأرشيف التواصل مع أصحاب حقوق النشر المعروفين للحصول على إذنهم لرقمنة الوثائق،علاوة على تطبيق إستراتيجيات الاستخدام العادل من خلال تطبيق إستراتيجيات الاستخدام العادل لرقمنة الوثائق دون الحاجة إلى الحصول على إذن من مالك حقوق النشر في بعض الحالات، وأخيرا استخدام تراخيص المشاع الإبداعي (Creative Commons) لمنح الجمهور حقوقا محددة لاستخدام الوثائق الرقمية، مع الحفاظ على حقوق الملكية الفكرية لمالك حقوق النشر.
أما المعيار الثالث الذي يقوم عليها الاطار القانوني لرقمنة الوثائق هو أمن البيانات والخصوصية، حيث تُعد الأرشيفات الرقمية ثروة وطنية لا تقدر بثمن، تجسد تاريخ وثقافة الأمة. لكنّها، في الوقت ذاته، عرضة للتهديدات الإلكترونية التي تُهدد سلامة البيانات وخصوصية الأفراد.
وتعتبر الأرشيفات الرقمية عرضة للتهديدات الإلكترونية. وعليه يجب أن يتناول الإطار القانوني في هذا الصدد ما يلي ، إجراءات أمن البيانات حيث لا بد من تنفيذ بروتوكولات قوية للأمن الإلكتروني لحماية الوثائق الرقمية من الوصول غير المصرح به أو التعديل. وقد يتضمن ذلك التشفير وأدوات التحكم في الوصول ومراجعات الأمن المنتظمة.
كما يجب تناول مخاوف الخصوصية، فلا بد من معالجة قضايا الخصوصية للأفراد المذكورين في الوثائق التاريخية، خاصة بالنسبة للمعلومات الحساسة، وقد يتضمن ذلك تحرير التفاصيل الشخصية أو تحديد قيود الوصول للوثائق الحساسة، علاوة على تناول عناصر تَحكم الوصول الى الوثائق من خلال  إنشاء نظام وصول متعدد المستويات بناءً على أدوار المستخدم وحساسية المستند.
كما تعبر تأمين البيانات والخصوصية ضرورة ملحة في إطار رقمنة الوثائق الوطنية، وذلك لعدة  أسباب ومنها الحفاظ على التراث الوطني، وحماية المعلومات الحساسة، وضمان الثقة العامة.
ويُعدّ التحويل الرقمي للوثائق الوطنية أداة قوية للحفاظ على التراث الوطني وتعزيز إمكانية الوصول إلى المعلومات. حيث تُقدم رقمنة الوثائق الوطنية فرصا هائلة للحفاظ على التراث وتعزيز البحث العلمي والثقافي.
ولكن، لضمان نجاح هذه العملية، يجب وضع إطار قانوني مُحكم يتناول جميع الجوانب المُتعلقة بالأصالة، والوصول، والحفظ على المدى الطويل، وهذا بالمجمل يتطلب تعاون بين مختلف الجهات لبناء ارشيف وطني رقمي مستدام، وكذلك تثقيف المجتمع وتوعيته بأهمية الرقمنة، فضلا عن تدريب وتطوير مهارات القائمين على عملية الأرشفة، ولا بد من التأكيد انه معا، يمكننا بناء أرشيف رقمي وطني مُستدام يُحافظ على هوية وتاريخ الأمة للأجيال القادمة.