عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    19-Jan-2019

الأبناء من ذوي الإعاقة.. مرارة الحیاة تکافحها إنسانیة الآباء
ربى الریاحي
عمان-الغد-  بكل حنان العالم ودفئھ، یحتضن أبو كرم وعائلتھ المكونة من ثلاثة أفراد ابنھم الصغیر،
والمنتمي لفئة ذوي الإعاقة العقلیة منذ الولادة، بالإضافة إلى تشوه خلقي أبى أن یلازمھ بقیة عمره.
مشاعر الحب والرحمة والاھتمام التي یشعرون بھا تجاھھ جعلتھم ینظرون إلیھ بفخر وإنصاف، مقررین بذلك الانتصار على ثقافة الخجل والتستر خلف جدران صماء لا تعترف بالإنسانیة، وبقلوب بریئة لیس لھا ذنب سوى أنھا وجدت في عالم لا یرحم المختلف. قربھم منھ وحرصھم الشدید على أن یكون كغیره بعیدا تماما عن قسوة التھمیش والإقصاء من الأسباب التي منحتھ حق الخروج إلى الحیاة والاعتراف بھ كإنسان.
وكانت النتیجة تحرره من قید الإعاقة، وذلك الحصار الذي یبدد رغبتھ في أن یعانق الحیاة محبا فرحا واثقا. ھو، ولأنھ ینتمي لأسرة واعیة وعطوفة قادرة على أن ترسم على وجھھ الملائكي ملامح السعادة، لكونھ مصدر بھجتھم وقوتھم، یعیش الیوم واقعھ كما یجب ویقتسم معھم كل اللحظات الجمیلة.
كما تخصص عائلة أبو كرم لطفلھا أوقاتا للتنزه في الأماكن العامة بقصد الترفیھ، وإعطائھ المساحة لكي یلعب، تاركین لھ حریة اختیار الأطعمة التي یریدھا، كما أنھم یتشاركون معھ في الحفاظ على مظھره الخارجي وأناقتھ، وذلك من خلال شراء أجمل الملابس لھ. ویبین أبو كرم أنھ في البدایة كان یقرأ علامات الاستغراب والخوف على وجوه الناس المتواجدین في المحال التجاریة، والأماكن المخصصة باللعب، لكنھ مع مرور الوقت أخذ یلحظ أن تلك العلامات القاسیة المؤلمة تلاشت وحلت مكانھا نظرات الاحترام والتقبل، وربما أیضا المودة.
إلى متى سیبقى بریق الصورة الاجتماعیة یلقي بظلالھ على قلوب آباء تحتاج لأن تطلق صراح إنسانیتھا، وتحتكم إلى تلك الرحمة والمحبة من أجل أبناء یریدون الحیاة، ویرفضون الخضوع لثقافة الخجل والحرمان. ھؤلاء الآباء ھم وحدھم القادرون على تغییر حیاة أبنائھم، ومن ثم على تغییر المجتمع بأكملھ، وفرض قوانین جدیدة من شأنھا أن تكون أكثر حبا وحنانا ودفئا وتقلل من معاناة ذوي الإعاقة وأسرھم. فھم وبمنأى عن قسوة بعض الأشخاص علیھم أن یجاھروا بإنسانیتھم ویثوروا على كل فكر یدین ذوي الإعاقة ویسمح بسلبھم حقوقھم.
إیمان كامل أم لابن یعاني من متلازمة داون، تقول إن خوفھا علیھ وإصرارھا على حمایتھ من سخریة بعض الأشخاص ھاجسان یرغمانھا على سجنھ والاستسلام لتلك الانتقادات المحبطة والمھینة.
وتضیف ”كم ھو مرھق وموجع أن ینحي الآباء مشاعرھم جانبا، ویتخلوا عن حق مھم من حقوق أبنائھم من أجل أن یبعدوھم عن حیاة قررت ألا تحتوي ھمومھم وآلامھم، بل تضاعفھا وتنفیھم خارجھا مھمشین“.
وتتابع ”كثیرا ما فكرت في اصطحابھ إلى الأماكن الترفیھیة والسماح لھ باللعب مع أقرانھ“، لكنھا في كل مرة كانت تتراجع معطیة تلك المشاھد التي تعكس بواقعیة ازدراء البعض لابنھا واتخاذه وسیلة لتسلیتھم وإضحاكھم كامل الصلاحیة في السیطرة علیھا، وعدم الدفاع عن نفسھا
أمام اتھامات الكثیرین ممن حولھا بأنھا أم قاسیة ذات قلب متحجر لا یعرف الحب والحنان لھا طریقا. وتبین أنھا أیضا تنصاع بدون إرادة منھا لقرار زوجھا الذي اختار أن یتجرد من مشاعر الأبوة ویتنكر لوجود ھذا الابن. خجلھ منھ واعتباره وصمة عار علیھ من الأسباب التي تدفعھ لإخفائھ عن كل الأعین ومعاملتھ بقسوة، وكأنھ المسؤول عن وضعھ. الأخصائي الاجتماعي محمد جریبیع، یرى أن الأشخاص من ذوي الإعاقة لھم كامل الحق في أن ینخرطوا في المجتمع ویعیشوا الحیاة كباقي أقرانھم.
ویضیف ”أن خروجھم إلى الأماكن العامة وإشراكھم في أبسط التفاصیل وأكثرھا سعادة یشعرانھم بمحبة من حولھم، ویمكنانھم من التغلب على صعوبات كثیرة تحاصرھم“.
ویؤكد ”على الأھل ضمان ھذا الحق المھم لأبنائھم وحمایتھ من محاولات البعض بانتھاكھ والتعدي علیھ من خلال نظرات الاستغراب والإدانة تلك التي ترسخ ثقافة الخجل والخوف والتذمر وتجبر الأھل على اللجوء لإخفاء ابنھم لمجرد أنھ من ذوي الإعاقة أو أن شكلھ الخارجي وحركاتھ تشعرھم بالخجل وبأن صورتھم الاجتماعیة قد اھتزت وفقدوا ھیبتھم بین الناس“.
ویتابع ”ھناك عائلات في المجتمع ما تزال تربط الإعاقة بوصمة العار وبالوراثة، لھذا السبب تخشى من التواجد مع أبنائھا من ذوي الإعاقة في أماكن عامة حرصا على مستقبل بناتھا“، مؤكدا أن احتكام الآباء لإنسانیتھم والتعامل مع ابنھم من ذوي الإعاقة بحب واحترام وعدل یسھم وبشكل كبیر في علاجھ وتحسین وضعھ، كما أن ذلك یمنعھم من الانجراف وراء كلام البعض وسطحیة تفكیرھم.
ویلفت إلى أن تصرف الأھل مع وضع ابنھم بطریقة طبیعیة واھتمامھم باصطحابھ إلى المناسبات الاجتماعیة وأماكن الترفیھ خطوة أولى في تغییر نظرة المجتمع وكسر حاجز النمطیة بالاقتراب من أبناء ھذه الفئة أكثر ومساواتھم بمن حولھم، والتقاط الصور معھم قاصدین من وراء ذلك كلھ الانتصار على شعور الإحراج وتلك المخاوف الناتجة عن عقد مجتمعیة أوجدھا الجھل وقلة الوعي.
ویذھب الأخصائي النفسي الدكتور موسى مطارنة، إلى أن الحل في مساواة الأشخاص من ذوي
الإعاقة بغیرھم والسماح لھم بممارسة الحیاة بثقة وحب، یكمن بید آباء اختبروا وجود ابن لھم من ذوي الإعاقة، وبالتالي أصبح لزاما علیھم أن یتجاوزوا كل التشوھات التي من شأنھا أن تغیر موازین إنسانیتھم وتفقدھم القدرة على احتضان ذلك الابن ورعایتھ رعایة صحیحة تكفل لھ احترامھ وسعادتھ واستقراره.
ویضیف ”فھمھم لكل احتیاجاتھ والعمل من أجل تلبیتھا یترتب علیھ خلوھم من تلك الأفكار المریضة التي تدین ذوي الإعاقة وتؤلمھم وإدراكھم لدورھم الكبیر في تحسین نفسیة ھذا الابن وإدخال البھجة والسرور إلى قلبھ، ویتحقق ذلك كلھ عندما یؤمن الآباء بحقوق أبنائھم من ذوي الإعاقة ویسعون بكل قوتھم إلى انتزاعھا من المجتمع“.
ویشیر إلى أن الاعتراف بھم كأشخاص من حقھم أن یعیشوا، ھو في واقع الأمر تمھید لإزالة كل الحواجز التي من شأنھا أن تضیق الخناق على ھذه الفئة وتحرمھا من الخروج إلى الأماكن العامة بقصد الترفیھ والاندماج، مبینا أن تقبل الأھل لابنھم من ذوي الإعاقة وإمداده بالدفء والحنان حقیقة تفرض على المحیطین بھ احترامھ والتعامل معھ كإنسان بعیدا عن أي تصنیفات أو فوارق.
ویؤكد أھمیة مشاركة الابن ذي الإعاقة في النشاطات العائلیة، فھي نقطة مھمة جدا تساعده على
أن یكون أكثر تحدیا وقوة في مواجھة صعوبات الحیاة.