عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    17-Nov-2018

مصادر التراث النقدي والبلاغي عند العرب
الرأي -
د. وليد محمود خالص *
 
هذا كتاب صغير الحجم، كبير الفائدة. نهد فيه مؤلفه د.جهاد المجالي إلى جمع مصادر التراث النقدي والبلاغي عند العرب، وهو عمل لم يسبقه إليه باحث في هذين الفنّيين، فقدّم بعمله هذا مصادرهما المطبوعة، مرتّبة على وفق وفيات مؤلفيها، فابتدأ بـبشر بن المعتمر المتوفى سنة 210 للهجرة، وانتهى عند أبي العباس، محمد بن يعقوب المغربي، المتوفى سنة 1128 للهجرة. وبين هذين التاريخين المتباعدين، عشرات من علماء النقد والبلاغة الذين تركوا كتباً في هذين المجالين، ممّا يشير إلى غزارة في التأليف، وتلوّن في المشارب، وتأثر بما طرأ على الثقافة العربية-الإسلامية من تغيّر، ونضج. فكأنّ الكتاب أشبه بالمعرض الأمين لذلك التغيّر، في ما لو أحسن الناظر النظر فيه، وتأمّل بإمعان هوامش المؤلف الكثيرة، والدقيقة.
 
ينهج المجالي، إذن، نهجاً مستقيماً، حين يعمد إلى التاريخ، يرتّب بموجبه ظهور تلك الكتب. ولا تقتصر مهمّة التاريخ هنا على الجمع والرصد حسب، بل تومئ تلك المهمّة إلى التطور الذي أصاب الكتابة النقدية والبلاغية من خلال التنوّع في المواضيع، والعمق في المباحث، والاختلاف في منازع أولئك النقّاد، والبلاغيين، واهتماماتهم، ولا ننسى العناوين المتكاثرة التي حملتها تلك الكتب، فهي عتبات النصوص، ومفاتيحها.
 
ولا يكتفي المؤلف بذاك الذي سبق، بل يضيف إلى عمله الشّاق الذي لا يعرف قيمته أو يقدّر مكانته إلّا من خاض في لجج تلك الكتب، قارئاً، ومفتّشاً، وباحثاً، أموراً لا يمكن للكتاب أن يأخذ سمته النهائي، ووزنه العلمي إلّا بها، وهي أربعة. أمّا أولها فهو التّفتيش الجاد عن طبعات الكتاب الواحد، تلك التي صدر بها، ذاكراً أقدمها، وما تلاها، في ما بعد، من طبعات، ومعيّناً محقّقيها، أو ناشريها، وسنوات صدورها وأماكنها. فيذكر، مثلاً، اثنتي عشرة طبعة لكتاب محمد بن سلاّم الجمحي «طبقات الشعراء»، وستّ طبعات لكتاب ابن طباطبا العلوي «عيار الشعر»، وخمس طبعات لرسالة ابن شهيد الأندلسي «التوابع والزوابع»، وهكذا. وهذا جهد كبير، وتتبّع نادر، كشف سقيم الطبعات من جيّدها، وخصوصاً أنّ الهوامش تحفل بأمثال تلك الإشارات، لما هو محقّق تحقيقاً علمياً، ولما هو تجاري، غايته الربح أو الشهرة الزائفة.
 
وكأنّ الأمر الثاني متّصل اتّصالاً وثيقا بماً سبق. وتكمن أهميته في انتشار ظاهرة، هي أقرب إلى الداء الذي ابتُلي به كثير من الباحثين، وحتى من الأكاديميين، حين يعتمدون في درسهم على ما تصل إليه أيديهم من طبعات لكتاب ما، بلا بذل جهد، أو تفتيش عن الطبعة المحقّقة تحقيقاً علمياً، وأكاد أقول «الجهل» بتلك الطبعات فأحجم. وبعد صدور هذا الكتاب لم يبقَ عذر لأيّ باحث في التراث النقدي والبلاغي، إن هو اعتمد على طبعة سقيمة، تجارية، في عمله، فهو لم يبذل ما يفرضه المنهج العلمي من ضرورة الظفر بالطبعة الجيدة، فالطريق لاحب، والحقّ أبلج، ولم يبق سوى بذل الجهد للوصول إلى ما هو علميّ النشر من الطبعات.
 
ويتمثّل الأمر الثالث في تلك الهوامش التي ألمحنا إليها في ما سبق، وهي تشير إلى تتبّع دقيق، وشجاعة فائقة. أما التتبّع، فنراه في تلك التفلية الدؤوب لتلك المصادر، معتمداً فيها على خبرته الطويلة، وعيشه المستمر معها، إن من حيث التدريس، أو التأليف. فحين يذكر نشرة محمد عبد القادر أحمد لكتاب «فحولة الشعراء» للأصمعي، يكتب في الهامش: «نشره محمد عبد القادر أحمد، ناسباً الكتاب لأبي حاتم السجستاني (راوية الأصمعي)، بدلاً من الأصمعي، دون الاستناد إلى دليل ملموس، أو الاتكاء على سند علمي صحيح» (ص22). ويكتب هامشاً طويلاً، مليئاً بالفوائد، زاد على صفحتين عن كتاب «جمهرة أشعار العرب» لأبي زيد القرشي، تناول فيه الاختلاف الكبير الذي دار حول شخصية «أبي زيد»، واشتجار الآراء حوله، ناسباً تلك الآراء إلى أصحابها، مع مصادرها (ص46، وما بعدها). كما يكتب هامشاً طويلاً عن «علم البديع»، ويراه «أسّ البلاغة العربية، وأهميته لا تقلّ بحال عن أهمية علم البيان، وعلم المعاني» (ص134)، ويستمرّ ليتحدث عمّن ألّف فيه من العلماء، ومتوقّفاً عند ابن حجّة الحموي في كتابه «خزانة الأدب»، وطبعاته المختلفة. ويكتب هامشاً طويلاً، ذا فائدة كبيرة، يتعلّق بعنوان كتاب الجاحظ الشهير «البيان والتبيين»، أهو بيائين، أم بياء واحدة في كلمة «التبيين»، فالمجالي يعلم حاقّ العلم أنّ هذا الاختلاف في العنوان، يترتّب عليه اختلاف مصطلحيّ مهمّ، يحيل إلى الكتاب نفسه (ص28). وممّا يجب أن يضاف إلى نقطة التتبّع هذه، هو ما أفاض به المؤلف من سرد مركّز لتراجم بعض العلماء العرب ممّن ألّف قسماً من تلك المصادر، وبعض المستشرقين الذين نشروا الكثير منها، مثل «توري» (ص21)، و»يوسف هل» (ص 23)، و»دي خوية» (ص32)، و»فريتس كرنكوف» (ص36)، و»وليم رايت» (ص38)، و»الناشئ» (ص41)، و»مهلهل بن يموت» (ص52)، و»الخطيب التبريزي» (ص101)، وغيرهم، وهي تراجم لم يكن القصد منها سوى التعريف بأولئك الأعلام، وخصوصاً من غير المشهورين، فأضاف فائدة أخرى، رأى أنّ الكتاب بحاجة اليها.
 
أما الشجاعة التي تحلّى بها المجالي، ووصفناها بأنها فائقة، فتظهر في رصده الدقيق بعض ما قام به من يسمّون أنفسهم المحقّقين والتحقيق العلمي منهم براء، أو بعض أولئك الذين ملأوا عملهم ثناء على أنفسهم، وتبخيساً لأعمال غيرهم، وتنفّجاً يبتعد عنه أهل العلم. وهذه الشجاعة هي ممّا يُحسب للكتاب، وصاحبه، إذ لم تمنعه مكانة «المحقّق» العالية، أو مركزه الاجتماعي، من قولة الحقّ التي يجب أن تقال، ولكن بأسلوب علمي، منهجي، متوازن. وهذا هو المطلوب من الباحثين المنهجيين، كي توضع الأمور في نصابها العلمي، فيأخذ كل طرف ما يستحقّه بلا إفراط في الثناء، أو تفريط بحقّ من يستحق الاشادة. وتكتسب هذه الشجاعة أهمية خاصة هنا، حين نلمس سقوط المناخ الثقافي العربي في وهدة المصالح المتبادلة، والعلاقات القائمة على الانتفاع المشترك، والكتابة عمّن يعرف من يكتب عنه، وإهمال من لا يعرفه، لتصبح العبرة بالمكتوب عنه، لا بكتابه، أو عمله، ولا نزيد.
 
ولذلك يصرّح المؤلف منذ افتتاح كتابه أنّه اجتهد «في عرض أسماء هؤلاء المحقّقين جميعاً قبالة المؤلفات التي حقّقوها مجرّدةً من الألقاب العلمية، أو غيرها من الألقاب، متوخّياً الانسجام في هذا الجانب، خاصّة وأنّ بعض هؤلاء المحقّقين اقترنت أسماؤهم بألقاب أخرى، مثل (الشيخ) أو (العلاّمة)، أو كليهما، أو (الأستاذ) أو (الأستاذ الشيخ) وغيرها، بطريقة أو بأخرى، يتقنّعون بهذا اللقب لتلميع أسمائهم علمياً من ناحية، ولتسويق ما يدّعون تحقيقه من كتب، خاصة عند المبتدئين من طلبة العلم، والمهتمّين من غير أهل الخبرة والاختصاص، فكان لا بدّ من هذه الخطوة، من وجهة نظري، كي يتمّ تقييم عمل المحقّق، أيّ محقّق، من خلال إنجازه العلمي في هذا المجال، دون أن يكون لهذا اللقب أيّ دور في هذا التقييم» (ص13-14).
 
وهذه خطوة منهجية صارمة، بل مباركة، حين نراها تنتظم الكتاب كلّه، فنرى المؤلف يتعقّب محمود شاكر محقّق كتاب «طبقات الشعراء» لابن سلاّم الجمحي في نقده اللاذع للمستشرق «يوسف هل» الذي نشر كتاب «الطبقات» قبل محمود شاكر، و»بذل في تحقيقه مجهوداً عظيماً، خليقاً بكلّ تقدير، على الرغم من سوء المخطوطة التي اعتمد عليها، وما بها من تحريفات، ومناقص» (ص24)، ومع هذا لم يسلم من التنقّص الذي وجّهه إليه محمود شاكر، فـ»يوسف هل» عند شاكر «خلط خلطاً كثيراً، يحسن الإتيان بأمثاله، هو وذووه» (طبقات ابن سلاّم، 1/ 52)، و»كلّ ما جاء به يوسف هل خبط، وخلط، وأشياء أخرى» (الطبقات، 1/54)، وهو «مسكين» (الطبقات، 1/ 58)، وفضّلت نقل كلام شاكر من مقدمة كتاب «الطبقات» بتحقيقه؛ للتوثيق. ونال محمود شاكر في تلك المقدّمة من باحثين، وعلماء، غير «يوسف هل»، لا يتّسع المقال لنقل ما كتبه. ولهذا نجد المجالي يعلّق بقوله: «ولكنّ الذي حدث بعد ذلك، هو أن أصدر محمود شاكر طبعة ثانية، خلط فيها بين النص، كما نشره (هل)، وبين ما سمّاه أوراقاً كتبها في مطلع شبابه، من نسخة كانت عند الخانجي الكتبي، فجاءت طبعة ملفّقة لم تستند إلى أساس نقدي، فضلاً عن (تصحيحاته) التحكّمية، الاعتباطية، على عادته فيما ينشر» (ص24-25). ويعلّق على نشرة محمد عبد المنعم خفاجي لكتاب (قواعد الشعر) لثعلب، بقوله: «أعاد خفاجي نشره عام 1948، فوقع في سلسلة من الأخطاء، والخلط، والاضطراب. بيّنها رمضان عبد التواب في مقدمة طبعته للكتاب سنة 1966، ولم يقوّم خفاجي في طبعته الثانية للكتاب التي صدرت سنة 1996، تلك الأخطاء، والملاحظات التي أشار اليها عبد التواب في مقدمة تحقيقه للكتاب، وهو ممّا لا يسكت عنه، خاصّة وأنّ تلك الأخطاء يعتدّ بها، وتسيء للنص المحقّق، ومنها ما هو واضح، ويستهجن الوقوع فيه» (ص40).
 
ويعلّق المجالي على ما صنعه عرفان مطرجي من تغييره عنوان كتاب ابن المعتز (البديع) ليجعله «البديع في البديع»، بقوله: «وممّا يستغرب أنّه غيّر عنوان الكتاب المعهود من (البديع) إلى (البديع في البديع)، دون أن يقدّم سنداً، أو دليلاً يبيح له ذلك» (ص42)، ويضيف: «وقد اعتمد فيما دعاه (تحقيقاً وشرحاً) لهذا الكتاب على نسخة أغناطيوس كراتشكوفسكي التي نشرت عام 1925، وعلى النسخة المعدّلة، والمصحّحة، كما يقول، التي نشرها محمد عبد المنعم خفاجي عام 1945» (ص42).
 
ويكتب السيد أحمد صقر عن تحقيقه كتاب «الموازنة» للآمدي، ما نصّه: «أحمد الله سبحانه وتعالى إذ قدّر لي أن أكون أول طابع لكتاب (الموازنة)... ولا ريب في أنّ ظهور كتاب (الموازنة) في هذه الطبعة الكاملة سيرفع من قدر الآمدي» (ص62-63)، فيعلّق المجالي بإنصاف منهجي على ما سبق بقوله: «وهكذا، فهو يزعم أنّه أول من طبع هذا الكتاب، على الرغم من طبعاته العديدة التي سبقت طبعته للكتاب، وهي خمس طبعات.... وجهد السيد أحمد صقر في هذا الكتاب جهد محمود، مشكور، وغير منكور، إلّا أنّ هذا الجهد لا يبيح له بحال تجاهل طبعات الكتاب السابقة، وجهود من سبقوه فيها، وأن يمرّ عنها مرور المعرض، المستهين، فيدّعي أنّه أول من حقّق الكتاب، أو أول من طبعه. ونضيف بأنّه لو ادّعى كل محقّق ممّن حقّقوا بأخرة مصادر التراث ما ادّعاه صقر، وزعموا أنّ طبعهم أو تحقيقهم لتلك المصادر، بدأ، وانتهى بهم، لضاعت جهود السابقين، ممّن حازوا قصب السبق، وبسطوا الطريق لمن جاء بعدهم... ولم يكتف صقر بذلك، بل ادّعى الكمال لطبعته هذه... فالسيد صقر يعلم أنّ الكمال لله وحده، وأنّ النقص من طبع البشر في كل زمان، مهما بلغت درجة علمهم... بل ندهش من ادّعاء صقر الكمال لطبعته، وهي طبعة ناقصة، لم تكتمل بجزئها الثالث. إذ كان، رحمه الله، قد وعد بتحقيق الجزء الثالث منه، ولكنّه لم يفعل، إلى أن جاء عبد الله حمد محارب، فسدّ هذا النقص، وأتمّ طبعته بتحقيقه لجزئه الثالث» (ص62-63).
 
ويقف المجالي عند مقدّمة طبعة النبوي شعلان لكتاب «العمدة» لابن رشيق القيرواني، وهي التي أوسع فيها من تقدّمه من محقّقي «العمدة»، نقداً لاذعاً، وتنقّصاً كبيرين، فنراه يعلّق بقوله: «...وقد فارق شعلان لغة العلماء التي يجدر أن يتحلّى بها من هو في مقامه. وكأنّ ما قام به قد بلغ حدّ الكمال، وسلم من كل خطأ، وتقصير. وهو قد يكون محقّاً في كثير ممّا أظهره من أخطاء قرقزان، وقبله محمد محيي الدين عبد الحميد (لهما طبعتان لكتاب «العمدة»)، ونتّفق معه فيه، ولكن ما لا نتّفق معه فيه، هو لغته المفارقة للحدّ الأدنى من اللياقة الأدبية. تلك اللغة المشبعة بخطاب التعالي، والهزء، والسخرية، والانتقاص من قدر الآخر، والتي بلغت حدّ الإسفاف» (ص94).
 
هذه الشجاعة التي رأينا شواهد منها في ما سبق، هي أظهر مزايا هذا الكتاب، بالإضافة إلى مزاياه الأخرى؛ لأنّها صرّحت ولم تجمجم، وأفصحت ولم تخاتل، ووقعت ولم تحمٍ، وقالت في الوقت الملائم للقول، فأفادت الجمهرة الواسعة من شداة الباحثين في هذا المضمار من جهة، ونبّهت المحقّقين الذين يتصدّون لتحقيق الكتب العربية القديمة إلى أنّ هناك أخلاقاً، وأعرافاً، وقوانين، تحكم هذا العمل الجليل، من أظهر آياته، التواضع، والاعتراف بجهود الآخرين السابقة من جهة أخرى.
 
وينسجم الأمر الرابع مع ما سبق، من حيث الانصاف المنهجي الذي لمسناه على قدر عالٍ عند المؤلف، وذلك حين يبيّن بتفصيل ما قدّمه بعض المستشرقين من خدمات لا تنكر في تحقيق الكثير من كتب التراث النقدي والبلاغي العربية، ونشرها. وهو أمر جدير بالاهتمام، ذاك لأنّنا لاحظنا تنكّراً لأعمال المستشرقين، ومحاولة وضعهم جميعا في سلّة واحدة، كأنّهم ينطقون بلسان واحد، ويضمرون نيّات متشابهة، ولهم مقاصد خفيّة في تحقيق النصوص العربية، أو التأليف في مفاصل التراث العربي، ذات الغنى الواسع، مع أنّهم، وكما تنطق تراجمهم، ذوو اهتمامات مختلفة، ومشارب متباينة، وأهداف متباعدة. ومنهم من أخلص للعلم، وبذل مهجته في سبيله، ومنهم من ارتبط بجهة معيّنة في بلده، وكانت له مقاصد يحسن السكوت عليها. فلا يمكن، والحال هذا، أن يحشروا في تلك السلّة الضيقة، أو الحيّز الحرج، فهذا افتئات على العلم، وتجنّ على منجزهم الكبير.
 
لذلك يعمد المجالي إلى إعطاء كل ذي حقّ حقّه من حيث التنويه، والإشادة على مقتضى الإنصاف المنهجي الذي عُرف به في ثنايا كتابه كلّه. يكتب: «وقد بذل (يوسف هل) في تحقيقه (طبقات ابن سلاّم) جهداً فائقاً، يقتضي كلّ ثناء وتقدير، على الرغم من سوء المخطوط الذي اعتمد عليه» (ص23)، ويقول عن المستشرق «دي خوية» إنّه «مستشرق هولندي كبير... نشر ديوان مسلم بن الوليد... إلّا أنّ اهتمامه كان منصبّاً على الجغرافيا العربية، فحقّق النص العربي لكتاب (فتوح البلدان) للبلاذري، لكنّ أعظم أعماله كان إشرافه، ومشاركته في تحقيق تاريخ الطبري» (ص32)، ويكتب عن المستشرق فريتس كرنكوف أنّه «من أصل ألماني... واهتمّ بتحقيق المخطوطات النادرة. وقد كلّفته دائرة المعارف العثمانية بنشر عدد كبير من أمهات الكتب، فحقّقها على أفضل وجه» (ص36. وتنظر الصفحات 39 و 101، وغيرها). وغير أولئك المستشرقين كثير، وفّاهم المجالي ما يستحقونه من ذكر ما قدّموه للتراث العربي، بلا تزيّد من جهة، وبلا تنكّر من جهة أخرى.
 
هذه هي الأمور الأربعة التي بسطنا الحديث عنها، في ما سبق. ولا تفوتنا الإشارة إلى الفهرس الهجائي الذي صنعه المجالي، وجعله في آخر الكتاب، ليسهّل على القارئ الرجوع إلى المصدر المقصود، في ما لو جهل سنة وفاة مؤلفه، وذلك على وفق التنظيم التاريخي لوفيات المؤلفين الذي رتّب الكتاب عليه، كما ذكرنا سابقاً.
 
وحسناً فعلت وزارة الثقافة الأردنية حين تولّت طبع هذا الكتاب الذي صدر عنها سنة 2018، فهو جدير بالنشر، قمين بالقراءة، لتعمّ فائدته، فتشمل المختصّ أولاً، والمثقف ثانياً، والمهتم بأمثال هذه الكتب ثالثاً؛ لما حوى من رصد دقيق لمجمل ما نشر من التراث النقدي والبلاغي عند العرب، وما يزال كثير من هذا التراث النفيس حبيس المخطوطات، ينتظر التحقيق، والنشر. وحسب د.جهاد المجالي أنّه تابع، ورصد، ووثّق، وقدّم ما ينفع الناس الذي سيمكث في الأرض أمداً بعيداً.
 
• باحث، عضو مجمع اللغة العربية بالقاهرة