الدستور- يمكن أن نعزو بروز ظاهرة التعصب الحزبي في فلسطين إلى وجود مجموعة من العوامل، منها حالة الانقسام السياسي الداخلي، التي ولدت نتيجة لإنقلاب حركة حماس على السلطة في قطاع غزة عام 2007، والتي تمثل سبباً مباشراً لحالة التشويش التي تصيب المشهد الثقافي بسبب الحالة الفصائلية والحزبية المستشرية.
إضافة الى دور الاحتلال الإسرائيلي وضعف مكونات النظام السياسي الفلسطيني، وتراجع دور مؤسسات المجتمع المدني.
فشهدنا نتيجة لذلك تضخم الذات والجهل والتخلف المعرفي، حيث أن الجهل بالآخر، وعدم توسيع المدارك بمعرفته يدعوه إلى التعصب ضده، ويؤدي إلى التعصب لهذا الشيخ أو الفصيل أو لهذه الجماعة.
لعبت وسائل الاعلام المحسوبة على فتح وحماس دوراً سلبياً، إذ يسجل عليها اللجوء إلى لغة التحريض والكراهية، وتنمية التعصب المبني على رفض الآخر. وأصبحت هذه الوسائل تمثل مجالات لبث الدعايات الحزبية من خلال تسييسها وتجييرها لخدمة الأهداف الذاتية.
فالإعلام التعصبي أصبح عنواناً ووسيلة للفصائل المتناحرة تعبر من خلالها عن ذاتيتها وعصبيتها.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن درجة التعصب لدى حركة حماس أعلى، كونها حركة ايديولوجية شمولية، وواقع أنها قامت بانقلاب دموي في العام 2007 موقعة خسائر بشرية ومادية كبيرة، يلزمها بأن تكون أكثر تنازلاً ومرونةً من فتح، على قاعدة المصلحة الوطنية أولاً.
لا يمكن إنكار التعصب الحزبي داخل حركة فتح، ولكن هناك شواهد عديدة تدلل على أن التعصب الحزبي داخل الحركة نسبي وليس سمة عامة.
فقد خاضت حركة فتح وعلى رأسها الرئيس محمود عباس أبو مازن، معركة انتصرت بها في الأمم المتحدة، منعت تجريم الإدارة الأميركية لحركة حماس واعتبارها «إرهابية».
إضافة إلى الالتفاف الفتحاوي القاعدي حول القيادي في حركة حماس حسن يوسف وإطلاق حملة تضامن واسعة معه، عبر وسائل التواصل الاجتماعي تحت اسم «كلنا ولادك» دعماً ومؤازرة له على خلفية سقوط نجل آخر له في مستنقع العمالة لصالح إسرائيل.
مطلوب من الأجهزة الإعلامية في حركة فتح إتباع سياسة إعلامية تقوم على ثقافة أم الولد، لأن ذلك سيعمل على وقف الاحتكام إلى قانون العصبية الحزبية.
أما فيما يخص بقية الفصائل الفلسطينية، وبالأخص اليسارية منها، فإن مسؤوليتها الآن هي تحجيم الخسائر وليس البكاء عليها أو المزايدة بها، لأن ذلك يجعلها شريكة في الاحتكام إلى قانون العصبية.
لا بد لجميع الفصائل الفلسطينية من وقفة نقد ذاتي، تستقدم فيها التجارب التي مرت بها من خلال الوقوف على الأخطاء والتجاوزات، التي لم تسفر عن أية نتائج يمكن أن تحقق المصلحة الفلسطينية.
مسؤولية كبيرة تقع على عاتق الكل الفلسطيني، بإلغاء قانون العصبية الحزبية، وسن قانون العصبية الوطنية، الذي ينص على وجوب حب العقيدة الوطنية الفلسطينية، وأن التعصب في حبها يجب أن يكون حتى الموت، واما الحياد في ذلك فإنه خيانة.
- كاتب وباحث فلسطيني.