عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    15-Jul-2024

كيف ستؤثّر محاولة اغتيال الضيف على مستقبل الحرب ومداولات الصفقة؟

 تُوجّه جهاتٌ معارضة في إسرائيل، خاصة من عائلات المحتجزين، إصبع الاتهام لرئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو بمحاولة جديدة لتعطيل مداولات الصفقة، من خلال محاولة اغتيال قائد “كتائب القسّام” محمد الضيف بقنبلة تزن ثمانية أطنان.

 
 
 
رغم أن توقيت الجريمة الإسرائيلية الجديدة تزامناً مع انطلاق مداولات الصفقة يحفّز على الترجيح أنها محاولة لتعطيلها من قبل نتنياهو، بيد أن الدافع الجوهري خلف هذه العملية الإجرامية، التي قتلت وأصابت مئات الغزيين، يرتبط بتوفّر معلومة ذهبية بالنسبة للاحتلال، ومطامع نتنياهو بصورة انتصار تساعده على تغيير وعي الإسرائيليين، على الأقل، وتبقيه في سدة الحكم، وفي التاريخ، وبعيداً عن الإدانة بالفساد والسجن.
 
 
من المرجّح أن الاستخبارات العسكرية للاحتلال قد حازت على معلومة حول تحرّكات ومكان تواجد الضيف، فسارع نتنياهو للمصادقة على محاولة اغتياله، حتى لو أدى ذلك لمذبحة كبرى، بخلاف مزاعمه بأنه صادَقَ عليها بعد التأكّد من خلوّ المكان من المدنيين. وهذا متوقع وطبيعي من حكومة سعت، وما تزال، لإيقاع نكبة حقيقية داخل القطاع، ويبحث رئيسها عن صورة انتصار في حرب فاشلة، رغم التدمير والتهجير والقتل، هي الأطول منذ 1948، بعدما دخلت شهرها العاشر.
 
 
 الطمع بصورة انتصار في مثل هذه الجريمة الكبرى ينبع من هوية المستهدف فيها، محمد الضيف، الذي بات أيقونة مشحونة برمزية فلسطينية كبيرة، والاغتيال مرشّح لأن ينتشل معنويات الجانب الإسرائيلي، ويضربها في الجانب الفلسطيني.
للتذكير؛ محمد الضيف مولود عام 1965 في خان يونس، مدينة السنوار أيضاً، نشط ضمن الكتلة الطلابية الإسلامية في الجامعة، في مطلع شبابه، بالانتفاضة الأولى، والتحق تالياً بـ “كتائب القسّام”، وتزعّمَها بعد استشهاد يحيى عيّاش، في منتصف تسعينيات القرن المنصرم، وصار دماغها الإستراتيجي، وتنسب له مشاريع الأنفاق والصواريخ و”طوفان الأقصى”، وغيرها من مبادرات، ضاعَفَت قوة المقاومة في غزة، وجعلتها تصمد في وجه الاحتلال، رغم الحروب المتوحشّة المتتالية.
 
 
وهذا يفسّر محاولات إسرائيل اغتيال محمد المصري، الملقب بالضيف، سبع مرات، لكن دون جدوى، فقد عمل خفية، والتزم السرّية، وتنقّل من مكان لمكان، ومن هنا استمد لقبه.
 
 
هناك أيضاً الشهوة الإسرائيلية المفتوحة للانتقام من قيادي حمساوي نال من صورة وهيبة إسرائيل عدة مرات، وهذه الشهوة المتوحشة تنعكس اليوم في عناوين ومضامين الصحف العبرية.
 
 
بشكل عام، وكما هو متوقع، عبّرت أوساطٌ إسرائيلية واسعة عن الشماتة، وتمنّي نفسها بأن يكون الضيف فعلاً استشهد، لكونه القائد العسكري لـ “القسام”، وبسبب مشاعر الإحباط والغضب من فشل الحرب في تحقيق أهدافها، ومن أثمانها الباهظة، حتى على الجانب الإسرائيلي. ويضاف لذلك حسابات نتنياهو، الذي طالما فاخَرَ بأنه “تشرتشل” الإسرائيلي، تحول لـ “تشمبرلن” بعيون” معظم الإسرائيليين، صاحب “الأنا” المتضخمة الجريحة، الراغبة بأي صورة ترفعه من الحضيض، وتحسّن صورته المهشمّة.
 
 
كسب النقاط
 
 
منذ البداية، وفور الكشف عن تنفيذ العملية الإجرامية، سارعَ مكتب نتنياهو للقول إنه سيجري مشاورات مع القيادة العسكرية والسياسية، وإنه سيعقد مؤتمراً صحفياً، وهذا يندرج ضمن مآربه وأطماعه بصورة انتصار، من خلال المبالغة في رسم ملامحها، واستغلالها لصبّ المياه على طاحونته الدعائية.
 
 
وهذا فعلاً ما قام به في المؤتمر الصحفي، إذ سعى لكسب النقاط بالتباهي الشخصي بالعملية، وتوظيفها كـ “دليل” على صحة مزاعمه التقليدية، بأن الضغط العسكري فقط كفيلٌ بتحقيق أهداف الحرب، فقد قال إن تصفية القيادات تؤدي لتصفية “حماس” واستعادة المخطوفين، ولذا سارعت “حماس” لنفي استشهاد الضيف، والسخرية من نتنياهو نفسه.
 
 
وتلبية واحتفالاً بشهوة الانتقام الكبيرة، وتأييداً لـطريق نتنياهو، الراغب بإطالة أمد الحرب، لحساباته المتنوعة المختلفة عن حسابات الدولة العميقة الراغبة بصفقة توقف الحرب الآن، انضم عددٌ من أنصاره ومؤيدي أطماعه للشدّ على يديه.
 
 
شطرنج غزاوي
 
 
من هؤلاء إيهود ياتوم، قيادي في “الشاباك”، وعضو كنيست عن الليكود في السابق، إذ قال، ضمن مقال تنشره صحيفة “معاريف” اليوم تحت عنوان “شطرنج غزاوي”، إن السنوار سيبقى وحيداً، وهذه فرصة لتغيير قواعد اللعبة. ويقول إنه بدون الضيف سيستصعب السنوار أداء وظائفه، وربما يرضى دفع مفاوضات صفقة المخطوفين.
 
 
ياتوم، الذي تورّط بقتل فدائيين فلسطينيين أسيرين من غزة، مكبّلي اليدين، معصوبي العينين، عام 1984، ضمن “فضيحة الحافلة 300” يخلص للقول إن اغتيال قائد جيش “حماس” هو أداة إستراتيجية لتغيير صيرورة”.
 
 
تحفظات إسرائيلية
 
 
ومع ذلك، تبدي إسرائيل حذراً في الحديث عن الاغتيال، خوفاً من تكرار خيبات أمل سابقة، رغم إلقاء ثمانية أطنان من الديناميت، وتكتفي بالقول إنه أصيب، وترجّح إنه قد قتل، على ما قال نتنياهو، في مؤتمره الصحفي ليلة أمس، وتبعه عدد من المراقبين، خاصة أن حركة المقاومة الإسلامية نفت وسخرت من المزاعم الإسرائيلية، رغم أن “حماس” عادة لا تكشف عن خسائرها، وحتى لو استشهد الضيف فعلاً هذه المرة لن تعلن استشهاده الآن، ولن يقطع الشكّ باليقين من هذه الناحية سوى تسجيل بصوته، وربما صورته، لاحقاً.
 
 
لكن التحفّظات الإسرائيلية اليوم تتجاوز موضوع الشك واليقين حول مصير الضيف، وتطال تأثير الجريمة هذه على مستقبل الحرب، ومستقبل الصفقة. فمقابل ياتوم وأمثاله هناك مراقبون إسرائيليون يبتعدون عادة عن الشعبوية، ويزيّنون الأحداث بحجمها ووزنها الطبيعي، بعيداً عن التهويش وتلبية الغرائز أو الترويج للمؤسسة الحاكمة فيدركون أن عملية اغتيال الضيف، حتى لو نجحت، لن تقتل “حماس”، بدليل أن كوكبة من قادتها، بل مؤسسها، استشهدوا، ولم تتراجع، بل زادت قوة: منذ اغتيال الشيخ أحمد ياسين، والرنتيسي، والجعبري، والمقادمة، وغيرهم، وذلك ببساطة لأنها منظمة عقائدية جهادية، ولا ترضى باستمرار بقاء غزة داخل قفص.
ويعبّر عن هذه الرؤية رسم كاريكاتير في “يديعوت أحرونوت”، اليوم، يسخر من مزاعم الانتصار على “حماس” بعد “تصفية الضيف”.
 
 
ميزان الدم
 
 
رغم أن “يديعوت أحرونوت” في عناوينها ومضامينها تحتفل شامتة بالعملية الدموية المروّعة، يقول أحد معلقيها السياسيين القدامي، شيمعون شيفر، في مقال بعنوان “ميزان الدم”، إن الضيف عليه أن يموت، ومنذ زمن، لكن إسرائيل لن تنجح بتسوية الصراع مع الشعب الفلسطيني بالاغتيالات.
 
 
وتبعه المحلل العسكري في الصحيفة يوسي يهوشع، الذي قال إن اغتيال الضيف سيكون مكسباً مهماً، لكنه متأخر.
 
 
وتحت عنوان “في انتظار الخبر اليقين” يصبّ المحلل العسكري في “هآرتس” عاموس هارئيل الماء البارد على موجة الحماس والانفعال الإسرائيلية بقوله إن التثبت من الاغتيال مهمة صعبة، ومن المهم فهم تأثير الاغتيال، بحال وقع، على السنوار.
 
 
 ويتهم هارئيل نتنياهو مجدداً بتعطيل مساعي الصفقة، ويوضح أن هناك خلافاً بين نتنياهو والمؤسسة الأمنية حول ذلك. ويضيف: “بحال تعطلّت الصفقة، وكان واضحاً أن نتنياهو هو السبب الجوهري فمن المتوقع أن نشهد استقالات في القيادة الأمنية”.
 
 
وتبعه زميله محرر الشؤون الشرق أوسطية في الصحيفة دكتور تسفي بار إيل، الذي  يؤكد، وبحق، أنها عملية انتقام من ماضي الضيف، بيد أنها تخلو من أي شيء يؤدي لرسم خريطة سياسية عسكرية مستقبلية.
 
 
ويشدد هو الآخر على أن الاغتيالات لا تقترح بديلاً لحكم مدني فلسطيني داخل القطاع، يطرح نموذجاً لمشروع يعيد الاعتبار لحركة التحرر الوطني الفلسطينية، معتبراً أن الأهم هو خسارة “حماس” حكمها المدني، وهذا لا يحدث.
 
 
مداواة الذات والنهوض بسرعة
 
 
وهذا ما يشير له ويتوافق معه الباحث في جامعة تل أبيب، الجنرال في الاحتياط ميخائيل ميليشتاين، الذي قال للإذاعة العبرية، اليوم، إن الضيف هو “حماس”، و”حماس” هي الضيف، لكنها تستطيع الاستمرار بدونه، رغم الخسارة الفادحة.
 
 
ويرفض ميخائيل محاولة تضخيم العملية بقوله: “صحيح أن هذه ليست ضربة خفيفة بالجناح، لكن حماس ما زالت هي القوة المهيمنة داخل القطاع، بل بالعكس؛ هناك تعاطف فلسطيني مع “حماس” كونها تقدّم تضحيات كبيرة، و”حماس” صاحبة قدرة ممتازة وسريعة على ترميم ذاتها ومداواة جراحها.
 
 
ورداً على سؤال حول رؤيته المذكورة، أضاف: “في المرحلة الأولى سيؤدي اغتيال الضيف، بحال تمّ فعلاً، لتشويش جاهزية وقوة “حماس”، لكنها ستبقى قادرة على ترميم نفسها، والنهوض من جديد، فللضيف أيضاً هناك بديل، خاصة أن دور “حماس” اليوم هو القيام بحرب استنزاف، وهي لا تحتاج لرؤية إستراتيجية كبيرة، فإسرائيل ستبقى قادرة على التعلم من التجربة”.
 
 
العملية ستطيل الحرب وتعقد الصفقة
 
 
 
 مقابل هذه الأصوات، من المتوقع أن يستغل نتنياهو هذه العملية الإجرامية لتبرير مواصلته الحرب على غزة لمآربه المبدئية والشخصية، ومن خلالها تعطيل مساعي الصفقة(رغم أن “حماس” لحساباتها ستبقى معنية بصفقة توقف الحرب)، والزعم أن هناك حاجة للمزيد من الوقت لاغتيال السنوار أيضاً، وتحقيق الانتصار، وبذلك يتكاتب مع شهوة الانتقام، وبلغة شعبوية باتت رائجة في إسرائيل أكثر من الماضي.-(وكالات)