الغد
إيهود يعاري* - (معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى) 2025/4/22
يمكن أن يفتح الحوار المباشر بين إسرائيل والحكومة الانتقالية في سورية الباب أمام إطار جديد للعلاقات الثنائية، يشمل إنهاء حالة العداء المستمرة، والاعتراف بالعلاقة الخاصة بين إسرائيل والدروز، والاتفاق على مجالات للتنسيق في جنوب سورية، إلى جانب التعاون في مواجهة محاولات عودة إيران و"حزب الله" إلى سورية ولبنان.
غيّر سقوط نظام بشار الأسد شكل العلاقات بين سورية وإسرائيل بشكل جذري. ثمة واقع جديد بدأ يتشكل على الأرض، وبدأت تظهر ملامح خطاب علني مختلف بين الطرفين. وعلى الرغم من أن الوضع ما يزال مليئاً بالمخاطر، إلا أنه أوجد فرصة واعدة -وإنما التي لم يتم استغلالها بعد- لفتح قنوات حوار مباشر والوصول إلى تفاهمات جوهرية بين دمشق والقدس، خصوصاً في ما يخص جنوب سورية.
واقع جديد على الأرض
كما ورد في (الجزء الأول من هذا المقال)، فإن الأنشطة العسكرية التي قامت بها إسرائيل في سورية خلال عهد الأسد كانت في الغالب تقتصر على الغارات الجوية وعمليات الكوماندوس المحدودة التي استهدفت شحنات الأسلحة الإيرانية، والمنشآت العسكرية الإيرانية، والقواعد الناشئة لـ"حزب الله" على طول الحدود. غير أن هذا النهج تغير بشكل كامل وسريع بمجرد أن دخلت قوات أحمد الشرع إلى العاصمة دمشق من دون أي مقاومة.
باشرت القوات الجوية الإسرائيلية حملة واسعة النطاق ما تزال مستمرة بشكل متقطع حتى اليوم، استهدفت من خلالها معظم مستودعات أسلحة النظام السابق، وأنظمة الدفاع الجوي، والرادارات، والدبابات، وناقلات الجنود، والمدفعية، ومواقع الأسلحة الكيميائية، ومخازن الصواريخ، وغيرها من الأصول المنتشرة في أنحاء البلاد. والنتيجة: لم يعد هناك جيش سوري بالمعنى التقليدي.
كما حدثت تغيّرات كبرى أيضاً في المحافظات الثلاث جنوب دمشق -درعا، القنيطرة، والسويداء- والتي تبلغ مساحتها نحو 16.500 كيلومتر مربع ويقطنها حوالي مليوني شخص. بعد سقوط الأسد، سيطرت الفرقة 210 في "جيش الدفاع الإسرائيلي" على منطقة الفصل التي أقرت في اتفاق فصل القوات للعام 1974، والتي يتراوح عرضها بين مئات الأمتار وعشرة كيلومترات. وكانت قوات الأمم المتحدة لمراقبة الفصل (UNDOF) تسيّر الدوريات هناك وتفرض القيود على حجم القوات، لكن إسرائيل تعتبر أن هذا الترتيب لم يعد قائماً بعدما انسحبت الفرقتان 61 و90 التابعتان للنظام من مواقعهما، ما خلق فراغاً أمنياً خطيراً قد تستغله الجماعات المتطرفة لتنفيذ هجمات عبر الحدود.
لذلك، تقدّمت القوات الإسرائيلية إلى ما بعد منطقة الفصل وأنشأت منطقة أمنية بحكم الأمر الواقع تمتد لمسافة 15 كيلومتراً داخل الأراضي السورية، وصولاً إلى سلسلة التلال البركانية التي كانت تعد مواقع استراتيجية للجيش السوري سابقاً. وبهذا، أصبحت إسرائيل تسيطر فعلياً على 460 كيلومتراً مربعاً من الأراضي السورية خارج خط الفصل. وكما ورد سابقاً، تعهد رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، بتوسيع هذه المنطقة منزوعة السلاح لتصل حتى الطريق السريع بين دمشق والسويداء، أي على بعد 65 كيلومتراً من أقرب نقطة لتمركز القوات الإسرائيلية حالياً.
بالإضافة إلى ذلك، أعلنت إسرائيل أنها ملتزمة بحماية المجتمع الدرزي في سورية، وأطلقت برنامج مساعدات لنحو 50 ألف درزي يعيشون في القرى المنتشرة على سفوح جبل الشيخ، وكذلك لنحو نصف مليون درزي في منطقة جبل العرب (السويداء). وتم السماح لبعض الدروز السوريين بالعمل في إسرائيل، في خطوة مشابهة لما يحدث مع الذين يعملون في مدينة إيلات، أو اللبنانيين الجنوبيين الذين عملوا في إسرائيل خلال العقود الماضية.
حتى الآن، تعاملت حكومة الشرع الجديدة مع هذه التغييرات الإسرائيلية بهدوء ملحوظ. وما يزال الرئيس ووزراؤه يتجنبون التعليق علناً على ما يحدث. وحتى عندما وصف وزير الدفاع الإسرائيلي الجديد، إسرائيل كاتس، الشرع بأنه إسلامي جهادي متطرف، لم يرد إلا بشكل محدود جداً وبعبارات دبلوماسية. كما ذكّره كاتس بأن الجيش الإسرائيلي بات يرى نوافذ قصره على أطراف دمشق، على بعد 23 كيلومتراً فقط من المواقع الإسرائيلية الجديدة على جبل الشيخ -وكأن الشرع لا يعرف ذلك مسبقاً. ومع ذلك، كانت ردود فعله قليلة وهادئة، وأكد في كل مرة أنه لا يرغب في التصعيد مع إسرائيل.
انفصال أو ضم الدروز
ليس خيارا واقعيا
مع تغير الوضع على الحدود، برزت دعوات من بعض الإسرائيليين إلى تشجيع الدروز على الانفصال عن سورية. وكانت هذه الفكرة قد طرحت سابقاً خلال حكومات "حزب العمل" الإسرائيلي في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، وأعاد طرحها، مؤخراً، سياسيون من التيار اليميني ممن يتخيلون إنشاء ممر يربط السويداء بمنطقة الحكم الذاتي الكردي في شمال شرق سورية.
لكن إعادة إحياء الدويلة الدرزية التي وُجدت خلال فترة الانتداب الفرنسي بين العامين 1921 و1936 لم تعد خياراً مطروحاً اليوم. وأحد الأسباب هو أن الأكراد أبرموا، بدعم أميركي، اتفاقاً مبدئياً مع الشرع لدمج قواتهم ضمن الجيش السوري الجديد. والأهم من ذلك أن المعطيات على الأرض، بما فيها آراء المسؤولين المحليين والمراقبة اليومية، تشير إلى أن معظم الدروز يفضلون البقاء ضمن الدولة السورية، ولكن ضمن علاقة جديدة تقوم على تقليص السلطة المركزية، وتحديد حجم الوجود العسكري والأمني في مناطقهم.
أما خيار الانضمام إلى إسرائيل، فهو لا يحظى بدعم يُذكر سوى في بعض القرى القريبة من الحدود. وترغب الغالبية في علاقات أكثر انفتاحاً مع إسرائيل، بالتوازي مع تفاهمات جديدة مع حكومة الشرع تضمن استمرار الوضع شبه المستقل الذي تحقق في السويداء خلال الحرب.
لكن هذا التوازن في العلاقات -مع إسرائيل من جهة ومع دمشق من جهة أخرى- يثير انقساماً داخل الطائفة الدرزية. ويبدي شيخ عقل الطائفة، حكمت الهجري، والمجلس العسكري الدرزي المشكّل حديثاً بقيادة عدد من الجنرالات السابقين، شكوكاً عميقة تجاه حكومة الشرع، ويرفضان تقديم أي تنازلات حقيقية، ويدعوان إلى تقوية العلاقة مع إسرائيل. وفي المقابل، يدعم رجال دين آخرون من ذوي الرتب الأدنى، مثل حمود الحناوي ويوسف جربوع، إلى جانب ميليشيات محلية مثل "رجال الكرامة" و"رجال الجبل"، خيار التسوية مع دمشق. وقد نظم الطرفان تظاهرات وحملات عبر وسائل التواصل الاجتماعي للدفاع عن وجهة نظرهم، ولا يستبعد اندلاع مواجهات بينهما، خاصة إذا قررت حكومة الشرع التدخل في هذا النقاش الداخلي.
التوصيات
في ظل هذا الوضع المعقد، من الضروري أن تبدأ إسرائيل والحكومة الانتقالية، بقيادة الشرع، حواراً مباشراً في أسرع وقت للتوصل إلى تفاهمات حول قضايا أساسية، بعضها مزمن وبعضها جديد. وهناك بالفعل مواقع محايدة متاحة لعقد هذه اللقاءات، مثل معسكري فوار وزيوني التابعين للأمم المتحدة.
من الواضح أن الشرع لا يريد الدخول في مواجهة مع إسرائيل في المستقبل القريب، وربما لسنوات مقبلة. وفي المقابل، لدى إسرائيل مصلحة واضحة في استقرار جبهتها الشمالية. ولتحقيق هذا الهدف المشترك، يمكن التركيز على الخطوات الآتية:
• تبادل الالتزامات بشأن الملف الدرزي: تلتزم إسرائيل بعدم تشجيع الدروز أو غيرهم من سكان الجنوب على الانفصال عن سورية، بينما تقبل حكومة الشرع بخصوصية العلاقة التي تربط الدروز بإسرائيل، بما يعادل نوعاً من التطبيع. ويمكن لمحافظة السويداء وقرى جبل الشيخ التوصل إلى اتفاق مع دمشق يعيد دمجهم في مؤسسات الدولة، مع الإبقاء على المهام الأمنية بيد قوات محلية تحت إشراف وزارة الدفاع السورية.
• استبدال اتفاق فصل القوات للعام 1974 باتفاق جديد: يتضمن قيوداً موسعة على عدد القوات ونوعية الأسلحة، ويضع آلية تنسيق ورقابة مشتركة. ويمكن أن يشرف طرف ثالث على هذه الرقابة، إما من خلال تعديل تفويض الأمم المتحدة أو عبر تشكيل هيئة جديدة بقيادة ممثل أميركي.
• تنسيق الأنشطة في المناطق السنية الحدودية: إسرائيل تربطها علاقات ببعض القرى السنية في درعا والقنيطرة منذ أكثر من عقد. وفي المقابل، يسعى الشرع إلى تشكيل الفرقة 40 من عناصر محلية تشمل مقاتلين سابقين ومنشقين عن الجيش، بقيادة العقيد بنيان أحمد الحريري. وقد يتعارض استمرار وجود دوريات إسرائيلية واتصالات مع العشائر مع جهود الحكومة لإعادة فرض سيطرتها.
• التعاون لمنع عودة "الحرس الثوري الإيراني" و"حزب الله": اللذين يسعيان إلى إعادة التموضع داخل سورية.
• تبادل المعلومات الاستخباراتية لتفكيك الخلايا الفلسطينية المسلحة في سورية: مثل "حماس" و"الجهاد الإسلامي" و"الجبهة الشعبية"، خصوصاً في مخيمات اللاجئين. وقد بدأت حكومة الشرع في التحرك في هذا الملف، لكنه ما يزال يتطلب المزيد من العمل.
• معالجة أزمة الوقود والغاز الحادة في سورية: يمكن إعادة تفعيل خطة مبعوث إدارة بايدن السابق، آموس هوكشتاين، التي تقترح ضخ الغاز الإسرائيلي إلى سورية. وقد يشمل هذا لاحقاً لبنان. وعلى الرغم من أن هذه مسألة منفصلة تتطلب نقاشاً خاصاً، يمكن للدول الخليجية والغربية أن تتولى تغطية تكاليف هذا المشروع كوسيلة لتعزيز فرص تحقيق السلام في المستقبل. ومع ذلك، لا توجد ميزة كبيرة في السماح لطرف، مثل قطر، بأخذ الفضل في إنجاح هذه الخطة، خاصة أن الدوحة قد تحاول إخفاء أن مصدر الغاز هو إسرائيل.
• تسوية نزاع مزارع شبعا/ جبل دوف: إذا أعلن الشرع أن هذه الأراضي كانت خاضعة للسيادة السورية قبل العام 1967، فإنه سيُسقط بذلك حجة "حزب الله"، ويمهد الطريق أمام استئناف مفاوضات ترسيم الحدود بين إسرائيل ولبنان.
• دراسة إمكانية تخفيف العقوبات الأميركية على سورية بمساعدة إسرائيل: ما قد يسهم في توفير التمويل اللازم لإعادة الإعمار وعودة ملايين اللاجئين.
مع أن الوقت قد لا يكون مناسباً الآن لطرح فكرة انضمام سورية (وربما لبنان) إلى اتفاقيات أبراهام وتطبيع العلاقات رسمياً مع إسرائيل، إلا أن الحوار المباشر يمكن أن يؤدي إلى إطار جديد للعلاقات، يشمل إنهاء حالة العداء، والاعتراف بالعلاقة الخاصة مع الدروز، والتنسيق في جنوب البلاد.
سبق وأن قادت الولايات المتحدة وساطة بين لبنان وإسرائيل على الرغم من استمرار وجود قوات إسرائيلية في الميدان، وهناك حجة قوية لأن تلعب الدور نفسه مع سورية.
*إيهود يعاري: زميل ليفر الدولي في معهد واشنطن.