عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    25-May-2025

مثقفون ومبدعون: الاستقلال قصة كفاح وفجر للحرية وذاكرة للمجد

 الدستور-نـــضـــــال بـرقـان

يستقبل المثقفون الأردنيون الذكرى التاسعة والسبعين لاستقلال المملكة الأردنية الهاشمية، بكل فخر وعز وكبرياء، ولسان حالهم يؤكد أن الاستقلال يفجر في النفوس ينابيع الفخر والاعتزاز، فهو حدث تاريخي على مرّ العصور وإضاءة فريدة في سجل التضحيات من أجل الوطن وصناعة المجد.
 
وقد اهتمت الدولة الأردنية، منذ تأسيسها، بالشأن الثقافي؛ إذ كان جلالة الملك المؤسس يجمع في ديوانه الأدباء والشعراء والمفكرين ويستمع إلى آرائهم السياسية وفي مختلف القضايا التي تهم الدولة، عدا عن اهتمامه بالشعراء ممن كانوا ينضمون إلى مجلسه ليتبادلوا الشعر في مناظرات ومساجلات شعرية، فقد كان الملك المؤسس شاعرا يجيد نظم الشعر ويبرع في قصائده التي كانت تتنوع موضوعاتها بين السياسة والأدب وما تحويه من أبعاد قومية.
 
«الدستور»، وهي تشارك أبناء شعبنا الاحتفال بهذه المناسبة العزيزة، هاتفت عددا من المثقفين لتتعرف من خلال آرائهم على معاني الاستقلال من منظور ثقافي، وعلى دور المثقفين في دعم ركائز الاستقلال الوطني وحماية منجزاته.
 
الباحث محمد يونس العبادي
 
في رحلته إلى استقلاله منذ إعلان ولادته عام 1921 قطع الأردن مسافة عقدين من الزمن، كانا مليئين بتربص قوى تتشكل وقوى عالمية، وكان حينها شرقي الأردن وحتى نيله اعترافه بالوجود عام 1946 على طاولة ديبلوماسية الانتداب.
 
فما بين الاستقلال الأول عام 1923 والاستقلال الناجز عام 1946 حكاية ما زالت بحاجة للفهم والتأمل لفهم دور الأردن الذي قاوم وناضل بخطابه العربي وبناء الإنسان كي ينتزع من الانتداب حقه بالوجود، وليحبط من تمدد أكبر مشروع تآمري في التاريخ الحديث وهو المشروع الصهيوني.
 
فالملك المؤسس الشهيد، صاحب سيرة الاستقلال، خاض نضالاً مع قوة الانتداب التي كانت على الدوام تمثل دور الحائر في الأردن، فبينما هي تريده كياناً ضعيفاً، كان يرى فيه الملك المؤسس نواة لرسالة أكبر تحتضن خطاب النهضة العربية.
 
وهذا الخطاب لم يكن موجهاً في يوم للأردنيين وحدهم، بل كان موجهاً لكل قوة في الإقليم تحاول النيل من مفهوم العروبة النقي المتأتي من الشرعية والمشروعية، حيث أن العرب في لحظات الوهن، يلجؤون إلى الشرعية.
 
لذا فقد كتب على هذا الحمى الذي نحتفل باستقلاله الـ 79 أن يقاتل لا لأجل وجوده بالمعنى السياسي والجغرافي فقط، بل بما يمثله من رمزية للمُلك العربي والحكم الرشيد، إذ شكل الأردن وعبر عقود من عمره خطاباً ينحاز إلى الإنسان العربي، وأسس لهذه الحالة بمفهومها النقي دون أن يشوبها «لوثة» الأيديولوجيا التي تحبس هذا المفهوم في إطاره الضيق.
 
فالعروبة في الفهم الأردني موصولة بإرثها الإسلامي وهوية المنطقة الإسلامية المسيحية، ذات القيادة المتنورة الساعية لبناء الإنسان والوقوف لجانب صوته في حقوقه المشروعة.
 
وعلى هذا فإن الاستقلال الأردني قصة، ما زلنا بحاجة لفهمها لندرك دلالات الحاضر التي باتت تتعاظم في معانيها، سواء من قبل انقلاب بعض القوى الإقليمية على ذاتها بداية وعلى مفاهيمها أو جراء ما تعرضت له قوىً أخرى من تعرية وجسارة باتت معها تريد أن تجب كل تاريخ الإنسان العربي وحركته ومنجزه، والتي يمثل الأردن إحدى أبرز دلالاتها.
 
فاليوم، ونحن نحتفل بالاستقلال الأردني علينا أن نتذكر أن هذا الدرب لم يكن مليئاً بالورود بقدر ما هو مليء بالتضحيات، والتي من أبرزها في تاريخنا استشهاد الملك المؤسس على عتبات الأقصى.
 
واليوم، وبعد هذه المسافات من التاريخ، تعود الأقصى لتحملنا مرة ثانية على أن نشد العزم ولتبقى حرابنا وعقولنا متمسكة بالاستقلال والوطن، ليبقى قوياً وليبقى رأس حربة في وجه الظالمين.. فالأردن حق وبقاءه حق لأجيال الأردن والأجيال العربية القادمة.
 
القاص والناقد محمد رمضان الجبور
 
في الخامس والعشرين من أيار من كل عام، تتشح القلوب الأردنية بألوان الفخر، وتخفق الأرواح في سماء الوطن احتفالًا بذكرى الاستقلال؛ تلك اللحظة التاريخية التي تفتحت فيها براعم الحرية، وغرس فيها الأردنيون راية عزّهم في تربة الكرامة. إنها ليست مجرد مناسبة عابرة في روزنامة الوطن، بل هي نبض التاريخ، وجذر الانتماء، وسياج السيادة.
 
لم يكن الاستقلال وليد الصدفة، بل ثمرة نضال طويل خاضه الأردنيون بقيادة الأسرة الهاشمية، التي حملت لواء الحرية والعروبة. فقد بدأت المسيرة منذ تأسيس إمارة شرق الأردن عام 1921 بقيادة الأمير عبد الله بن الحسين، الذي مضى بخطى ثابتة نحو ترسيخ كيان سياسي مستقل، راسخ الجذور، رغم ما اعترض الطريق من تحديات إقليمية وظروف استعمارية خانقة.
 
وفي الخامس والعشرين من أيار عام 1946، أعلن المجلس التشريعي الأردني إنهاء الانتداب البريطاني والاعتراف بالمملكة الأردنية الهاشمية دولةً مستقلة ذات سيادة، وتمت مبايعة المغفور له الملك عبد الله الأول بن الحسين ملكًا دستوريًا على البلاد. كانت تلك اللحظة تتويجًا لكفاح طويل، وبداية لرحلة بناء الدولة الحديثة.
 
الاستقلال في الأردن ليس مجرد خروج من عباءة الانتداب، بل هو مشروع مستمر لصون الكرامة وتعزيز السيادة، وهو قصةُ شعبٍ آمن بأن الأرض التي ارتوت بدماء الشهداء لا تُباع، وأن الكرامة ليست ورقة في معاهداتٍ، بل هي هوية يعيشها الإنسان في تفاصيل حياته، منذ الاستقلال وحتى اليوم، ظلّت القيادة الهاشمية وفية لرسالتها التاريخية في بناء دولة المؤسسات والقانون، وتكريس قيم الاعتدال والانفتاح. فقد سار الملوك الهاشميون، من الملك المؤسس عبد الله الأول، إلى الحسين الباني، وصولًا إلى الملك عبد الله الثاني ابن الحسين، على درب الإصلاح والتنمية، وتثبيت دعائم الأمن والاستقرار.
 
لقد قاد الملك عبد الله الثاني المعظم أطال الله في عمره، مسيرة تحديث شاملة رغم التحديات الإقليمية الجسيمة، مستندًا إلى إرث وطني عريق، ومؤمنًا بقدرات شعبه، وفي كل خطاب ملكي، وفي كل مناسبة، كان الحديث عن الاستقلال متصلًا بالمستقبل، لا ماضيًا يُسترجع فحسب،
 
في ذكرى الاستقلال نقف لنوجه تحية إكبار وإجلال لكل من وقف على الثغور، وكل من رسم بعرقه ودمه حدود الوطن وحرّاسه، وكلّ العاملين والعاملات لرفع اسم الوطن عالياً... عالياً. 
 
فالاستقلال في حقيقته لا يكتمل إلا بتجذره في الوعي الشعبي، وهو ما جسّده الأردنيون بأبهى الصور، حين جعلوا من الوطن مشروعًا نهضويًا في التعليم، والصحة، والزراعة، والابتكار، رغم قلة الموارد وكثرة الأعباء، في ذكرى الاستقلال، يتجدّد الإيمان بأن الوطن ليس مجرد أرض، بل هو كرامة وحقوق وعدالة، وأن الأردن الصغير في حجمه، كبير بمواقفه، عظيم برجاله ونسائه الذين كتبوا أجمل صفحات الفداء والعطاء، إن الاحتفال بالاستقلال لا يعني الاكتفاء بذكرى جميلة، بل هو دعوة مفتوحة لتعميق قيم المواطنة الفاعلة، وترسيخ مفاهيم المشاركة، ومحاربة الفساد، وتحصين الهوية الوطنية، فالوطن القوي هو الذي يُحسن قراءة تاريخه ليصنع مستقبله، ويُحسن الاحتفال بأمجاده ليواصل صعوده في مدارج المجد.
 
في ذكرى الاستقلال لن ننسى أن نقف إجلالًا للأرواح التي مهدت الطريق، وللعيون الساهرة التي تحرس المنجز، وللقلوب التي تنبض بالأردن حبًا وعهدًا، ونُجدد البيعة لقيادتنا الهاشمية، ونُعاهد تراب الوطن أن نظلّ له الأوفياء، نبنيه علمًا وعدلًا ووفاءً.
 
فكل عام والأردن بخير، حرًا أبيًا، عصيًّا على الانكسار، مزهرًا في صحرائه، شامخًا في مواقفه، عزيزًا بأبنائه وبناته.
 
الشاعرة والإعلامية غدير سعيد حدادين
 
في كل عام، حين يطلّ فجر الاستقلال، أشعر أن تراب وطني يهمس في قلبي، وأن جباله ترفع جبيني اعتزازا، وأن نسماته تُرتّل على مسامعي نشيدا أزليًا لا يعرف الانطفاء: «هنا ولد المجد، وهنا اشتدّ عوده». أنا الشاعرة التي تعشق حروفها حين تُسكب من دفء هذا الوطن، والفنانة التي تذوب ألوانها في طيف العلم الأردني المرفرف، الأم التي علمت ابنتيها أن الوطن ليس حدودا ترسمها خرائط، بل نبضا يسكن الضلوع، وبوصلة تهدي الإنسان إلى ذاته ومعناه.
 
استقلال الأردن ليس تاريخا نحتفل به، بل حالة روحية، بوح نبيل، ولحظة ولادة لكرامة تأبى الانكسار. هو تلك الشرارة التي اندلعت من إرادة الأحرار، وتجلّت في وجه الشمس حين وقفت لتشهد أن الأردن قرر أن يكون، فكان. منذ ذاك اليوم، حملَ هذا الوطن جراحه كأوسمة، وزرع فوق صخوره زهرة لا تذبل: الكرامة.
 
أنا حين أقف على مسرح خارج حدود هذا الوطن، لا أقدم فني فقط، بل أرفع معه اسم الأردن. أعلو بصوتي لأن خلفه جبال الشراه، وجرح القدس، وضحكة الطفل في الأزرق، ودعاء الأم في الكرك. أقول بفخر: «أنا أردنية» فتتسع روحي كأنها امتداد الصحراء حين تعانق السماء في لحظة صفاء.
 
نحن الذين ولدنا من رحم المعاناة، نعرف أن الاستقلال لا يُشترى، بل يُنتزع. وأن الحرية لا تُهدى، بل تُربى كما نربي أبناءنا على أن الوطن ليس فندقا نرتاده، بل بيتا نُبقيه مضيئا بأخلاقنا، بصدقنا، بعملنا، وبحب لا يشترط المقابل.
 
علمت ابنتيَّ أن كل ذرة تراب في الأردن تنتمي إلينا كما ننتمي إليها، وأن الحب الحقيقي للوطن لا يُختبر في القصائد فحسب، بل في المواقف: حين ترفض الفساد، حين تساعد المحتاج، حين تزرع شجرة، حين تعتذر لأنك أخطأت، لأنك تمثّل هذا الوطن.
 
الأردن في قلبي ليس مجرد وطن... بل جوهر انتماء، هوية تسكن أعماقي، وامتداد للمعنى في حياتي. كلما رفعت يديّ بالدعاء، دعوت له. كلما بكيت، مسحت دموعي بذكراه. كلما فرحت، تمنيت أن يكون بخير. فيه وُلدت كامرأة حرّة، وفيه تعلمت أن الفن رسالة، وأن الشعر ليس إلا وسيلة لقول الحقيقة.
 
في ذكرى الاستقلال، أقول لكل العالم: إن كان لي أن أختار ثانية، لاخترت أن أكون أردنية مرة بعد مرة. لأن وطني وإن صغُر جغرافيا، إلا أنه كبير بقلوبه، شاسع بأحلامه، خالد بتاريخه. ولأن ترابه، ببساطة، يشبهني.
 
الناقد محمد المشايخ أمين سر رابطة الكتاب الأردنيين سابقا
 
من حسن الطالع، أن تتزامن الذكرى الـ79 للأستقلال، مع احتفالات المملكة بالمئوية الثالثة لتأسيس الدولة، حيث يسعى الجميع، لإبراز إنجازات الهاشميين على مختلف الصعد، وفي طليعتها الحراك الثقافي، الذي ساهم في تفعيله أربعة ملوك، في أجواء من الحرية والديمقراطية، تكللت قبل سنوات في  إلغاء الدور الرقابي لدائرة المطبوعات والنشر،  فأنعش مثقفونا المكتبة العربية والعالمية بمؤلفاتهم الكثيرة والقيمة، والتي تمت ترجمت بعضها إلى لغات عالمية، وأقيمت المئات من احتفالات التوقيع بمناسبة إصدارها، واستحقوا لقاء إنجازاتهم، ومشاركتهم في المهرجانات والمؤتمرات الخارجية،  جوائز عربية وعالمية، وما كان على هؤلاء المبدعين، إلا رد الجميل، عبر تعزيز الهوية الوطنية، من خلال تكريس انتمائهم للأردن الغالي، وإعلانهم الولاء للقيادة الهاشمية .
 
تسعة وسبعون عاما من النهضة والثقافة والمعرفة والتنوير، تسعة وسبعون عاما والجباه عالية، والهامات مرفوعة، والأردن في الصدارة دائما، باعتباره وطن الرسالة والمبادئ السامية التي بزغ فجرها عبر الثورة العربية الكبرى صبيحة العاشر من حزيران عام 1916 في بطحاء مكة، وترددت أصداؤها في أرجاء وطننا العربي، والعالم، مبشرة باستعادة هذه الأمة دورها التاريخي بين الأمم، لما تمتلكه من قوة وعزم.
 
بكل فخر وعز وكبرياء، يستقبل مثقفو المملكة، الذكرى التاسعة والسبعين لاستقلال المملكة الأردنية الهاشمية، وهي مناسبة غالية وسعيدة، مناسبة تسترجع عبق التاريخ، وتسطر بأحرف من نور، عطاء الهاشميين المتواصل، من أجل نهضة الأردن الغالي، وبنائه وفق أسس راسخة في الوجدان، عمادها الديمقراطية، وهدفها تحقيق التقدم والازدهار، بعيدا عن الخضوع والتبعية، وبعيدا عن الوصاية أو التدخل الأجنبي.
 
إن المبدعين الأردنيين، الذين يسهمون في نهضة الحياة الأدبية العربية، والذين لم يتوقفوا لحظة عن مواكبة العصر والمساهمة في الارتقاء بإنجازاته، ورسم معالم صورته الناصعة المشرقة، هم العنصر الأساسي والمهم بل والأهم، ضمن العناصر المحدودة التي تتشكل منها حياتنا الأدبية المحلية، ويتعزز استقلال المملكة من خلالها.
 
إن الاستقلال بالنسبة لهذا الحمى الهاشمي، يعني اتصال الماضي بالحاضر، عبر سلسلة متواصلة من الإنجازات والمواقف الوطنية والقومية التي تدعو للفخر والاعتزاز وتقديم العبرة للأجيال.