عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    12-Feb-2025

عراق باول وغزة ترامب!*بشار جرار

 الدستور

جاهر وزير الخارجية الأمريكي الراحل كولين باول الذي لمع اسمه في حرب تحرير الكويت من الاحتلال العراقي قبل خمسة وثلاثين عاما، جاهر في استيائه من مسألتين إبان خدمته في رئاستيْ جورج بوش الأب والإبن: عدم الأخذ بتحذيره من أنه في حال «كسر» العراق لا بد من تحمل مسؤولية «جبره» بمعنى إعادة إعماره أو ما عرف بعملية «بناء الأمم» التي عارضها الرئيس دونالد ترامب بشدة في ثلاث حملات انتخابية وحتى قبل اقتحامه عالم السياسة عندما كان رجل أعمال ونجما من نجوم عالم الشهرة.
 
المصطلح ذاته -الفعل «أوونِت»- استخدمه ترامب مرارا -وليس كزلة أو فلتة لسان- عند إلقاء قنبلة «ريفيرا الشرق الأوسط» والتي بدأت تتحول تدريجيا من المعنى العقاري إلى السياسي، بمعنى مخالف لما حذر منه باول، حيث «الامتلاك» هنا ليس سياسيا أو أخلاقيا، بل ماليا وربما يصل إلى فنتازيا فرض الحماية أو السيادة بأشبه ما يكون مُلْكية «وضع اليد»!!
 
الإساءة الثانية التي آلمت وما أحرجت فقط باول ذلك الجنرال المعتدّ بتاريخه العسكري -والمسألة هنا مسألة شرف بالنسبة لمن يعتدُّ بكلمته خاصة إن كانت شهادة- تمثلت بكلمته كوزير للخارجية في مجلس الأمن الدولي وحديثه عن الإرهابي «أبو مصعب الزرقاوي» والتحالف المزعوم بين نظام صدام وتنظيم القاعدة ومختبرات أسلحة جرثومية وكيماوية. كانت تلك المادة التي عرضها في كبسولة بين إصبعي يده اليمنى-الإبهام والسبّابة- أمام مجلس الأمن في الخامس من فبراير 2003 بمثابة «ختم» انطلاق آلة الحرب التي مازال العالم كله وليس فقط العراق وأمريكا، يدفع ثمنها غاليا.
 
الطامة الكبرى أن بعض «الدوائر والمدارس» لا زالت متمترسة في عقلية المكابرة والغرور، وهي -تلك الدوائر والمدارس- التي يمقتها ترامب بصفتها من دعاة الحروب الخارجية وتغيير النظم بالقوة، بحسب سجل حافل من مقابلاته والمؤتمرات الجماهيرية الانتخابية واللقاءات الحزبية التي عقدها منذ 2016، فما الذي تغير؟ وهل تصريحات «ترامب الثالث» -في إشارة إلى نجاحه بثلاث انتخابات وليس اثنتين وفقا لقناعاته ومؤيديه- بخصوص غزة وغرينلاند وبنما وكندا مجرد زوابع فناجين أم ارتدادات تسونامي اليمين أو أقصى اليمينين الأمريكي والإسرائيلي اللذين باتا يشكلان صدعا في قاعدتي ترامب وبنيامين نتانياهو، رئيس وزراء إسرائيل الذي قوبل في جلسة عاصفة في الكنيست الإثنين بعد عودته من واشنطن. الصدع أساسه خروج ترامب غير المسبوق عن أهم الوعود الانتخابية وهو الانكفاء إلى الداخل، والانسحاب من ساحات دولية ساخنة في حال عدم التمكن من تبريدها أو وقف الحرب وصنع السلام.
 
هنا يبرز دور من نسأل الله أن يكون الخلاص على يديه الكريمتين جلالة مليكنا المفدى عبدالله الثاني صاحب الرؤى التي ثبت صدقيتها والقول والفعل الذي أثبتت الأيام، ومن قبلُ سيدنا الراحل العظيم الحسين، طيب الله ثراه وكتب مقامه في عليين، أن فيه الخير والسلام، الصلاح والفلاح للأردن أولا، كما لأمريكا أولا، وللمنطقة والعالم كله.
 
ليس سرا أن ما قام ويقوم به ترامب إعلاميا بات معروفا عالميا، لكنه في جرعة أعلى هذه المرة، ربما لأسباب تتعلق بنشوة النصر الداخلي، أو الكشف عن حجم الفساد الذي مثّله اليسار  والعولمة المتنمّرة في تغوّلها. أيّا كانت الغاية، الأردن قادر على حفظ مصالحه لأنه يخضعها دائما للمبادئ والعقل والمنطق. تعلم مؤسسات الدولة العميقة -بالمعنى الإيجابي لا السلبي الذي تعهد ترامب بتحطيمه- يعلمون جميعا أن الأردن هو الأصدق والأكثر حكمة والأبعد نظراً والأقدر على الوفاء بكلمته إن وعد.
 
إن كان من عشم ورجاء، هو حرص الجميع من القطاعات والميادين كافة داخل المملكة وخارجها، على توفير الدعم -والدعم فقط- لما يراه سيدنا مناسبا. نثق بروحه القتالية تماما كما نثق برؤيته وحكمته ومصداقيته. في مثل هذه المراحل المفصلية ليس أقل من الدعم الواعي الرصين. تماما كما تلك المجموعة على التايم لاين الأردني التي تختصر كثيرا من البيانات بكلمتين: مع القائد..
 
مع سيدنا دون استعداء أحد، ودون الانجرار إلى معارك جانبية. قضيتنا الآن عنوانها الملك، الأردن أولا، والأردن للأردنيين، ورفض التهجير والتوطين والتجنيس الجائر أو الواجب التصويب، ثمة مسيئون بلغ أذاهم واجب الردع لا الرد فقط، ردع جماعي مؤسسي لا الرد على حالات بعينها وكفى. قد تكون الحاجة إلى «دووج» أردنية لا تبقي ولا تذر أيا من «القوى» التي لطالما خذلت الوطن واستقوت عليه بالغرباء والخوارج وأساءت إليه، وهي تأكل من ملحه وخبزه ولحمه وتشرب من مائه. من الإجراءات المناسبة في إطار الاستعداد لخوض هذه المعركة، الثبات والإقدام في معركة الإرادات لا صالونات التصريحات ومنصات الفلاشات. فليقل من يريد ما يريد! العبرة فيما يبقى على الأرض وينفع الناس. المهم النتائج في العالم الواقعي لا الافتراضي ولا الموازي! المهم ما هو مزروع وضارب الأوتاد عبر التاريخ في الأرض، وهي لأصحاب الأرض، وحدهم لا أحد سواهم، والتاريخ حافل بالعظات والعبر..