عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    04-Feb-2019

عدو الفلسطینیین الیساري - دمتري شومسكي
ھآرتس
 
الغد- كأنھ لا تكفي حكومة المستوطنین العنصریة، رئیس الأركان الجدید الذي لھ رؤیة عسكریة قاتلة
والرئیس الأمیركي الجاھل والمتغطرس، الذي یعتقد أن الشرف الوطني الفلسطیني قابل للبیع،
ظھر عدو جدید للشعب الفلسطیني، الذي ھو بمعنى معین أكثر خطرا من الاعداء المعروفین
الذین تم ذكرھم أعلاه. اذا ھذا عدو قائم في الطرف الیساري لنظام المواقف بشأن النزاع، الذي
یظھر بناء على ذلك كصدیق حقیقي لا مثیل لھ. الحدیث یدور عن المنظمة الیھودیة الیساریة
الأمیركیة ”صوت یھودي من اجل السلام“.
قبل اسبوعین نشرت ھذه المنظمة موقفھا المناھض للصھیونیة على اعتبار أنھا طریق ”كاذب
وفاشل“ لحل ضائقة یھود اوروبا الحدیثة، وتدعو كل من یسعون إلى التحرر الوطني الفلسطیني
إلى التنكر لھا. بنظرة اولیة وسطحیة، یصعب العثور على حفنة شعارات كھذه مؤیدة
للفلسطینیین. وبنظرة أعمق لا یوجد ھنا سوى وھم لا أساس لھ، الذي من شأن تبنیھ على المدى
البعید أن یغلق الدائرة على حلم الحریة للفلسطینیین.
الاعلان المناھض للصھیونیة لـ ”صوت یھودي من اجل السلام“ كلھ اكاذیب وانصاف حقائق.
في أساسھ عرض من جانب واحد وحتمي للصھیونیة كظاھرة قومیة وعرقیة مركزیة، التي
بصورة شاملة لا تسمح بأي طریق للاعتراف بحقوق الفلسطینیین الوطنیة في وطنھم.
خلال ذلك ”صوت یھودي من اجل السلام“ یفعل بالصھیونیة ما فعلھ بیني موریس بالقومیة
الفلسطینیة. إذ في مقابلة صحفیة، قام موریس بشیطنة كاذبة للحركة الوطنیة الفلسطینیة بكاملھا.
وكأن الامر یتعلق برزمة واحدة لكارھي إسرائیل المتعطشین للدماء وكأن القومیة الفلسطینیة،
في جزء منھا، لم تمر بطریق طویل مھم من رفض مطلق لإسرائیل إلى الاعتراف التاریخي لـ
م.ت.ف بوجودھا، واقتراب لا بأس بھ من اتفاق معھا في عملیة انابولیس. بنفس القدر، فإن
اعلان الجھل والكذب لـ ”صوت یھودي من اجل السلام“ یصف القومیة الصھیونیة كظاھرة
واحدة ومتجانسة، باعتبارھا حركة قاتلة وكولونیالیة في جوھرھا وفي ھدفھا، من خلال تجاھلھ
للخصائص والمكونات الأساسیة للصھیونیة التاریخیة.
یجب علینا عدم الانكار أن الطریق الفعلیة للصھیونیة من اجل تحقیق تقریر المصیر للشعب
الیھودي في ارض إسرائیل كانت بصورة لا یمكن منعھا، غیر دیمقراطیة بشكل واضح، وكانت
مقترنة بممارسة كولونیالیة صریحة. حیث أن الحركة الصھیونیة التي سعت إلى حكم ذاتي
قومي في ارض إسرائیل، التي اعتبرت في نظر یھود وغیر یھود كثیرین، وطنا تاریخیا للشعب
الیھودي، سعت خلال ذلك إلى تحویل سكان البلاد الاصلیین من اكثریة إلى أقلیة في وطنھم.
كذلك یجب عدم انكار دور الصھیونیة الأساسي في النكبة، طرد واقتلاع مئات آلاف الفلسطینیین
بالإكراه، الذین لم یكونوا مشاركین في القتال، وأن عودتھم إلى وطنھم تم منعھا بشكل خبیث.
ولكن في نفس الوقت، وبخلاف شدید للادعاء المرفوض لاعلان ”صوت یھودي من اجل
السلام“، الذي یقول إنھ في أساس الصھیونیة كان موضوع حلم عن ارض فارغة، وھو مفھوم
ینسب المرة تلو الاخرى من قبل الیسار المناھض للصھیونیة، من خلال الجھل، للصھیونیة.
فالحلم السیاسي لمعظم تیارات الحركة الصھیونیة خلال سنوات وجودھا كحركة قومیة، شمل
نماذج مفصلة جدا بخصوص المستقبل المشترك للشعبین. معظم النماذج اقترحت دیمقراطیة
تنظیمیة في دولة واحدة. ولكن ظھر فیھا من خلال الاعتراف الأساسي بحق عرب ارض
إسرائیل في تقریر المصیر بعد تحقیق اغلبیة یھودیة فیھا، أیضا الامكانیة المبدئیة لتقسیم البلاد.
الآن من شأن ھذه الرؤیة أن تخدم إسرائیل في اصلاح الوجھ القومي، من خلال اقصاء مطلق
للعناصر الكولونیالیة من طبیعتھا المكانیة. في المقابل، معنى طمسھا الذي یتم من قبل ”صوت
یھودي من اجل السلام“ بسبب عدم المعرفة بتاریخ الصھیونیة، ھو عرض كاذب لمشروع
الاحتلال والاستیطان كتجسید مخطط للحلم الصھیوني منذ البدایة. من ھنا یأتي الاستنتاج
الانتحاري، الذي بحسبھ لن یكون بالإمكان في أي یوم التوصل إلى أي اتفاق مع إسرائیل طالما
أنھا تتماھى مع فكرة الصھیونیة.
یمكن الافتراض أنھ في نظر ”صوت یھودي من اجل السلام“، ھذا الاستنتاج لیس انتحاریا، بل
مليء بالأمل. اجل، كما یبدو من اعلان المنظمة، لیس فقط على الإسرائیلیین ترك الصھیونیة
الشریرة وتأیید ھویة فوق قومیة عالمیة، لأنھ في حینھ سیأتي التحرر الوطني الفلسطیني
الموعود، وسیحل السلام المأمول. في حقیقة الامر ھنا یكمن لب وجوھر الوھم المناھض للصھیونیة لـ ”صوت یھودي من اجل السلام“، لیس فقط لأن السیناریو الذي یقول إن الإسرائیلیین یتخلون عن الصھیونیة ھو سیناریو غیر منطقي بشكل واضح، بل لأنھ اذا تحقق ذلك فمن المعقول جدا التوقع أن الفلسطینیین لن ینجزوا في حینھ أي ھدف من اھدافھم الوطنیة.
خلافا لموقف ”صوت یھودي من اجل السلام“ فإن الصھیونیة لیست عقیدة ایدیولوجیة، بل عنصرا وجودیا جوھریا في قصة الـ ”الأنا“ القومیة الجماعیة والتاریخیة للأغلبیة المطلقة من الیھود الإسرائیلیین. بغض النظر عن الرؤیة السیاسیة. اذا قرر في یوم ما الإسرائیلیون محو ھذا العنصر من ھویتھم، فسیكون ذلك بمثابة خیانة ذاتیة.
المشكلة ھي أن من ینكرون تاریخھم الوجودي والشخصي والعائلي والقومي، یفترض بھم
التعامل بإنكار مع تراث وھویة ومطالب ”الآخر“. ھل یمكن الاعتماد على من ھو مستعد لرفض
روایتھ القومیة، والافتراض أنھ سیحترم روایة الآخر القومیة؟ من سیضمن أن إسرائیل، بعد أن
تتنكر للصھیونیة التاریخیة، ستسعى إلى اصلاح مظالم ھذه الحركة الآن التي انفصلت عنھا
للتو، ولن تخلق مظالم جدیدة للفلسطینیین من خلال اللامبالاة تجاه قیم قومیة مھما كانت؟
ربما أنھ بالنسبة لشباب یساریین یھود أمیركیین، الاعلان المناھض للصھیونیة للمنظمة سیعتبر
بطاقة دخول آمنة إلى حیاة مزدھرة في الجامعات الأمیركیة بالتعاون مع الأمیركیین الفلسطینیین. ولكن في إسرائیل/ فلسطین فإن استخذاء شتاتي ونفي ذاتي لم تدفع قدما بأي شكل الحوار المشترك بین القومیتین. ھنا ھروب من الماضي الصھیوني نھایتھ، ضمن امور اخرى، ھرب من المسؤولیة القومیة، من مظالم الماضي ومن الحاضر تجاه الفلسطینیین. في المقابل، الطریق للاصلاح الذاتي الإسرائیلي، التي ستؤدي إلى انھاء الاحتلال وإلى المساواة القومیة للشعب الفلسطیني، مرتبطة بصورة لا تنفصل عن الالتزام الجدید والعمیق بالأسس السلیمة للقومیة الصھیونیة.