عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    08-Jan-2020

لماذا أرفض التعاون مع المحكمة؟ - يونتان فولك

 

هآرتس
 
تسع سنوات انقضت تقريبا على المرة الأخيرة التي سجنت فيها أكثر من يوم أو يومين. وقد تغير الكثير منذ ذلك الحين، من الخارج الواقع السياسي ليس نفس الواقع. ويبدو أن أي تغيير من التغييرات ليس للأفضل. العالم تقريبا أصبح لا يهتم بنضال الفلسطينيين من اجل التحرر، وهذه حقيقة تضع إسرائيل في إحدى الذروات التاريخية لقوتها السياسية.
أنا لست الشخص المناسب من أجل التوسع في موضوع التغييرات التي تجري في المجتمع الإسرائيلي – يوجد ليبراليون يفعلون ذلك أفضل مني، لأن الدولة عزيزة عليهم وهم يشعرون نحوها بالانتماء الذي أنا غير قادر ولا أريد الشعور به. ومن الداخل، أنا أصبحت أكثر بلوغا ومتعبا أكثر، وبالاساس أقل صحة. لست ضحية، لكن لا يمكنني تجاهل الثمن – الجسدي والنفسي – الذي أخذته السنين مني.
هذا بالطبع ثمن قليل جدا مقارنة بالثمن الذي يدفعه اصدقاء آخرون، فلسطينيون، لكن لا يمكنني تجاهله أو وزنه في حياتي: الضرر الجسدي، بما في ذلك اضرار يصعب اصلاحها، ومن هناك الى اليأس احيانا، الرهبة، الشعور بالعجز، الضياع والموت، كل ذلك سيطر على حياتي اليومية.
ورغم ذلك، في الجوهر الأمور بقيت على حالها. ايضا الآن، مثلما كان الأمر في حينه، الذهاب إلى السجن هو الخيار الأفضل الذي يقف أمامي. أنا معتقل الآن بسبب رفضي للتعاون أو المثول في محاكمتي التي تجري في القدس أمام قاض إسرائيلي، رغم أن موضوعها هو التظاهر في قرى في الضفة الغربية.
المدعون في هذه المحاكمة الجنائية ليسوا الدولة، بل جمعية يمينية ومواطنون كانوا في السابق رجال شرطة وجنود. هويتهم ربما تكون مهمة في مستوى الثرثرة، لكنها غير مهمة. وبنفس المستوى، ايضا نقاط الضعف القانونية الموجودة في لائحة الاتهام غير مهمة. ويمكن الافتراض بأنه لو أنني جئت الى المحاكمة فربما كانت ستنتهي بتبرئتي.
رفضي التعاون مع المحكمة ينبع من سببين. الأول هو أن شركائي الفلسطينيين لا “يحصلون” على الشروط المريحة نسبيا في المحاكم الإسرائيلية، بل تتم محاكمتهم كرعايا لا توجد لهم حقوق بتحريف من النظام القانوني الموجود في المحاكم العسكرية. لا يوجد للفلسطينيين الخيار السياسي لرفض التعاون. لأنهم جميعا يحاكمون أصلا وهم قيد الاعتقال حتى انتهاء المداولات. ايضا الاحكام المفروضة عليهم أكثر قسوة من المنصوص عليها في القانون الإسرائيلي. هنا ايضا، رغم رفضي للتعاون فان الثمن الذي سأدفعه هو أقل بعشرات الاضعاف من الذي تجبيه اسرائيل من الفلسطينيين.
السبب الثاني والأكثر جوهرية هو أن جميع المحاكم في إسرائيل على اختلافها، عسكرية بحكم القانون وعسكرية بحكم الواقع، غير شرعية في الوقت الذي تتعامل فيه مع مقاومة الحكم الإسرائيلي، نظام هجين من الديمقراطية المعيبة والمميزة في المناطق التي فرض عليها سيادته، وديكتاتورية عسكرية في مناطق يضع يده عليها.
مقابل الانجراف السياسي بعيدا نحو اليمين يبدو أن بقايا اليسار الصهيوني ينشغل أكثر بالندب على نهاية المعركة من اجل الديمقراطية الاسرائيلية. ولكن عن أي ديمقراطية يريدون الدفاع؟ عن التي منذ اليوم الاول سلبت وما تزال تسلب مواطنيها الفلسطينيين اراضيهم وحقوقهم، وتعتبرهم في افضل الحالات مواطنون من الدرجة الرابعة؟ أو عن الديمقراطية المسيطرة على غزة من خلال القصف والحصار الوحشي، في الوقت الذي تعزز في ديكتاتورية عسكرية خالصة في الضفة الغربية؟.
طبيعة النظام في اسرائيل (يوجد فقط واحد كهذا بين البحر والنهر)، هي أنه لا يمكن الفصل بين “الداخل” و”المناطق المحتلة”. ولكن هذا لا يجعل افضل الليبراليين يختلفون على الفرضية الاساسية التي تقف في مركز الخطاب السياسي الاسرائيلي الداخلي، والاعتراف بأن إسرائيل غير ديمقراطية. وأنها لم تكن في أي يوم ديمقراطية.
من اجل الانضمام حقا للنضال من اجل تحطيم الابرتهايد الاسرائيلي، يجب على الاقلية من المواطنين الاسرائيليين اليهود الاشارة الى الحقوق الزائدة لديهم وأن يكونوا مستعدين لدفع ثمن التنازل عنها. ثورة ضد النظام تجري منذ سنوات على شكل مقاومة فلسطينية، والثمن الذي يدفعه اعضاؤها هو ثمن باهظ.
من اجل الاسهام في التغيير يجب على اليهود التنازل بارادتهم عن السعي الى ادارة النضال وقيادته. وبدلا من ذلك يجب عليهم دعم نضال الفلسطينيين، ليس بالتعاطف بل بالافعال، اجل، وعلينا اجتياز الخطوط والسير في اعقابهم.