عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    25-Feb-2020

الإذاعة وتشكيل الوجدان - نزار عبدالله بشير
 
الجزيرة - للإذاعة سحرٌ غريب تمارسه على كل من أَلِف الاستماع إليها، وتتكئ على تاريخٍ ضارب في القِدم، ونجد كِبار السِن أكثر ارتباطا بها وذلك كونها ارتبطت بهم وجدانياً لفترات طويلة وكانت منذ صباهم الباكر جزءاً من روتينهم اليومي إما الصباحي أو المسائي.
 
يُعَرِف الخُبراء تشكيل الوجدان بأنه " السيطرة على الجانب العاطفي والانفعالي للإنسان وهي مرحلة أبعد وأبلغ من الجانب المعرفي والفكري. ولا تكون إلا بعد مرحلة طويلة من الخضوع الفكري، والتبعية الكاملة والاستسلام لكل ما يُلقى إلى الإنسان " وهذا ما يفسر تصنيف أخبار الراديو بالصدق المطلق، وتكذيب ما دونها من أخبار – وإن كانت أصدق – لذلك تجد الكثيرون يطلقون عبارة (لقد تم بثها على الراديو) كعبارة لحسم أي جدال حول مدى صِحة أي خبر.
 
يرجع دور الإذاعة في تشكيل الوجدان لكونها أولى وسائل الإعلام التي تعرف عليها الإنسان ولكونها الوسيط المتاح للجميع ولسهولة الارتباط بها؛ حيث تكون متوافرة حتى في أبعد الأقاليم والمناطق الطرفية ويكفي راديو واحد في متجر أو مقهى ما ليستمع إليه مجموعة من رواد المقهى أو متابعة مباريات كرة القدم أو الأخبار، أو الاستماع إلى الأغنيات والبرامج الأخرى. بدأ الراديو كفكرة في معظم الدول كوسيط تحتاج إليه الحكومات أو الجهات الرسمية لبث الأخبار لعاة الشعب، وعادة كان يكون بثه لفترات قليلة ثم تمديد فترة البث وإضافة البرامج الواحد تلو الآخر حتى أصبح باقة من الأفكار المنوعة التي تلبى احتياجات الجميع، هذا التنوع جعل الجميع يكتفي به – في وقتها – كوسيط يقدم الجرعات التوعوية والترفيهية التي يحتاج إليها ومن بعد ذلك الشغف والمحبة في الاستماع إليه ثم إدمانه والاستماع إليه في معظم الأوقات وبالتالي تشكيل الوجدان.
 
تلعب الإذاعة دوراً عظيماً في تشكيل وجدان المستمع من خلال إشباع حاجته للمعرفة التي يحتاجها، وإمداده بالنوع الذي يفضله من باقة البرامج التي تقدمها عبر أثيرها،
"
كثير من خُبراء العمل الإذاعي يؤكدون باستمرار على ضرورة صناعة هوية محددة لمحطات البث الإذاعي، لتتميز كل محطة إذاعية عن غيرها وبالتالي التخصصية في تقديم المحتوى الإعلامي الذي يبحث عنه المستمع وثراء الإسفير بالمواد الإذاعية الدسمة المتخصصة والبعد عن التقليدية حتى تصبح لكل إذاعة بصمتها الخاصة. الإذاعة بتنوعها ذاك وخصوصيتها استطاعت أن تصمد في وجه كل التغييرات التكنولوجية، حتى حين تنبأ الكثيرون باندثارها كوسيط تقليدي وسط زخم التكنولوجيا نجدها أضحت أكثر انتشارا وتطورت تبعاً للتقدم التكنولوجيا وأصبحت إمكانية تواجدها محمولةً أكبر في الهواتف والسيارات وفي الطائرات وبالتالي زيادة الوثاق والارتباط بها وتشكيل الوجدان.
 
للإذاعة دور كبير في الحياة العامة والتأثير على الناس من خلال الرسائل التي تُبث عبرها سواء كانت سياسية أو مجتمعية أو حتى محاولة (لإرساء) بعض المفاهيم القيمية أو التربوية لذلك نجد الآن من أوائل الأماكن التي تتم السيطرة عليها أثناء أي محاولة (انقلابية) هي الإذاعة الرسمية للدولة، أو حكايتها باعتبارها الوسيط الرسمي الذي يُخاطِب من خلاله الحاكم محكوميه وذلك يعود لنفوذ الإذاعة وسلطتها وقدرتها على التأثير؛ في العالم العربي انتبهت الدول في فترة باكرة لضرورة إنشاء إذاعات ناطقة باللغة العربية تخدم أغراض تلك الدول – حتى تلك التي كانت مستعمرة – انطلاقا من أهميتها وقدرتها على مخاطبة الوجدان، يقول الخبير الإعلامي والإذاعي السوداني البروفيسور علي شمو إن " الاهتمام بالإذاعات الناطقة باللغة العربية في الدول العربية أمراً بات في غاية الأهمية من الدول المستعمرة، وذلك لخدمة أغراضها أولاً وأن أول من أعطى فكرة تأسيس إذاعة عربية هو يونس بحري رجل عراقي الجنسية.." وهذا يشير إلى كون الارتباط الوجداني بالإذاعة ناتج عن مخاطبة المستمع باللغة التي يفهمها وتقديم البرامج التي تتناسب مع ذوقه وفكره.
 
تلعب الإذاعة دوراً عظيماً في تشكيل وجدان المستمع من خلال إشباع حاجته للمعرفة التي يحتاجها، وإمداده بالنوع الذي يفضله من باقة البرامج التي تقدمها عبر أثيرها، بكافة أشكالها واستمرار بث المادة المحببة للمستمع والتجديد فيها يجعل ارتباطه بها أقوى؛ وبالتالي تصبح عالمه المحبب، من خلال الفرصة التي تتيحها الإذاعة للمستمع بإعمال الخيال لتكملة الصورة التي تُقدم عبر الصوت، وهذا يمنح (الصوت) بُعداً آخر؛ يضيف للإذاعة قوة على السيطرة على وجدان الشعوب من خلال الإرث الذي تستند عليه وبالتالي التأثير وقيادتها المجتمع نحو الوجهة التي تحددها.