عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    02-Dec-2024

"السلام الاقتصادي" والعودة "للبضاعة" القديمة*نادية سعدالدين

 الغد

طالما بقي "نتنياهو" في السلطة، فلن نسمع منه أي تأييد أو موافقة على «حل الدولتين» وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة. وإن تحدث بالخطأ عن السلام فيقصد به «السلام الاقتصادي» فقط، الفارغ من أفقه السياسي، والبديل عن السلام العادل والشامل والدائم، الذي لا يفهمه الاحتلال.
 
 
   ولا يعني ذلك أن أسلاف «نتنياهو» كانوا أكثر تسامحاً مع الحقوق الوطنية الفلسطينية، فإنكارها يشكل رافداً أساسياً لمقومات حياة الكيان الصهيوني، ولكنهم كانوا أكثر قدرة، بدرجات متفاوتة، على إخفاء عكس ما يعلنون. إلا أن النتيجة واحدة؛ فجُل التيارات الصهيونية، اليمينية واليسارية والدينية، ترفض الانسحاب إلى حدود الرابع من يونيو 1967 وإزالة المستوطنات وتقسيم القدس، وما دون ذلك قابل للتفاوض في إطار الحكم الذاتي الفلسطيني الخالي من السلاح والسيادة.
 
ويبدو أن الرئيس الأميركي المُنتخب «دونالد ترامب» سيسير على نفس الموجة، بالإحالة إلى تصريحات السيناتور الجمهوري «ليندسي غراهام» وما تسرب من حديث عن أحد المقربين منه حول خطته القادمة التي لا تشمل «حل الدولتين»، بل الاكتفاء بتحسين الظروف المعيشية للفلسطينيين، حتى يستطيع التفرغ للبؤر التنافسية الأخرى التي ستحتل مقدمة أولوياته.
إن اعتماد المنظور الصهيوني للسلام سيكون البديل عن «حل الدولتين»، وقد يُخفف الضغط الدولي عن «نتنياهو» ويُغطي على جرائمه الدموية في قطاع غزة. ولكنه سيُشكل بوابة الاحتلال للسيطرة الاقتصادية في منطقة الشرق الأوسط والتحكم بمفاتيحه الأساسية وبموقع «الدولة المركز» فيه.
وقد يلوح خطابان مغايران «للعمل» و»الليكود» حول مفهوم «السلام الاقتصادي»، ولكنه خلاف في الشكل وليس الجوهر التوسعي؛ إذ يدعو أحدهما للانفتاح النسبي عن طريق عولمة الدولة ودورها الاقتصادي، بما يعكس الطموح، الذي عبر عنه الصهيوني «شمعون بيريز» في مشروعه الشرق أوسطي وسلام السوق القائم على مقايضة «الأرض مقابل السلام»، لتحقيق تفاعل إيجابي مع «الآخر» من منظور السطوة ومركزية الدور الاقتصادي للكيان المُحتل في محيطه الإقليمي.
أما الخطاب المُقابل فيعمل على ترسيخ «تهويد الدولة» وتعزيز «بُعدها اليهودي»، بهدف معالجة الانقسامات الداخلية الحادة وإلغاء الوجود الفلسطيني وطمس هوية القدس. وهو بذلك يسعى لتأكيد الهوية اليهودية الصهيونية بمعناها الاستبعادي السلبي «للآخر» العربي الفلسطيني، والذي يعبر عنه «نتنياهو» صاحب سلام الردع و»السلام الاقتصادي».
وفي كلتا الحالتين؛ يسعى الاحتلال بالسلام الاقتصادي للالتفاف على عجزه عن امتلاك رؤية أو حل للصراع العربي الصهيوني، والتخفي بأهدافه العنصرية وراء الواجهة الاقتصادية، وإحاطة نفسه بسياج مطاطي مرن، بما يعد أمراً منطقياً بالنسبة لكيان غريب لم تسهم معاهدتا السلام التي وقعها مع مصر (1979) والأردن (1994) أو اتفاق أوسلو مع الجانب الفلسطيني (1993) في جعله كياناً طبيعياً مقبولاً لدى الشعوب العربية، إزاء سياسته الاستعمارية التوسعية العنصرية ضد الشعب العربي الفلسطيني.
   إلا أن إعادة الترويج لخطة «السلام الاقتصادي» يهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية، عند جعلها البديل الدائم، وليس المؤقت، عن حقوق إنهاء الاحتلال وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، وإدخالها كمحور رئيسي في ترتيبات مرحلة ما بعد الحرب على غزة.