عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    21-Apr-2024

متغيرات مهمة في الحرب الروسية الأوكرانية*د. أحمد بطّاح

 الراي 

إنّ مما لا شك فيه أنّ الحرب الروسية الأوكرانية قد أشغلت العالم لفترة غير قليلة من الزمن، ومما لا شك فيه أيضاً أنّ هذه الحرب قد تسبّبت بخسائر كبيرة ليس فقط للجانبين المتحاربين بل للكثير من دول العالم، وفضلاً عما سبق فإنّ هذه الحرب أدت إلى استقطاب دولي غير مسبوق بين دول حلف «الناتو» والاتحاد الأوروبي من جهة، وروسيا والصين ومن يقف معهما من جهة أخرى بل أدت في الواقع إلى تغيرات «جيوإستراتيجية» هامة كانضمام السويد والدنمارك وفنلندا إلى حلف الناتو، كما أدت إلى تسريع بروز عالم الأقطاب المتعددة (روسيا، الصين، الهند، البرازيل...) في مواجهة عالم القطب الواحد (الولايات المتحدة).
 
والواقع أن هناك متغيرات مهمة تحدث الآن على صعيد هذه الحرب ومن شبه المؤكد أن تؤدي إلى مقاربات جديدة بشأنها، وليس غريباً أن تفضي إلى نوع من الحل الذي يرضي كافة الأطراف، ولعلّ أهم هذه المتغيرات:
 
أولاً: صمود روسيا في وجه العقوبات الغربية (زادت عن 600 عقوبة)، وصلابة الموقف العسكري الروسي ونجاحه في امتصاص الهجوم المضاد الأوكراني، بل وقدرة روسيا المتعاظمة على التجنيد والتصنيع، ومما يساعد على هذا بالطبع كون عدد سكان روسيا يساوي أربعة أضعاف سكان أوكرانيا تقريباً (130 مليون روسي إلى 30 مليون أوكراني)، كما أن روسيا دولة صناعية تصنع معظم أسلحتها في حين أنّ أوكرانيا تصنع ما لا يزيد عن 30% من احتياجاتها التسليحية.
 
ثانياً: تراجع وضع أوكرانيا العسكري بسبب تراجع الدعم الغربي (وبالذات الأمريكي حيث لم يوافق الكونغرس على المساعدة الأخيرة المقترحة لأوكرانيا) ويُضاف إلى هذا بالطبع صدور قانون التجنيد الأوكراني الجديد الذي مدّد خدمة من يجب تسريحهم، وخفض سن التجنيد إلى 25 سنة فضلاً عن أنه جاء على أثر شبهات فساد رافقت موضوع التجنيد، الأمر الذي قاد إلى انخفاض الروح المعنوية لدى الجيش الأوكراني، وتلكؤ الكثيرين من الشباب في الالتحاق بالجيش.
 
ثالثاً: تردّد الدول الغربية في الاستمرار بدعم أوكرانيا بعد أن دفعت المليارات في سياق هذا الدعم بدون أن يتمخّض عنه أية نتيجة ملموسة وبالذات بعد فشل الهجوم الأوكراني المُضاد الذي وضعت القوات الغربية كل ثقلها وراءَه، والواقع أن الدول الغربية عانت من خسائر فادحة بعد أن فقدت إمدادات النفط والغاز الروسيين اللذين كانت تحصل عليهما بأسعار معقولة جداً.
 
رابعاً: الفشل السياسي الذي واجهته أوكرانيا ومن ورائها الغرب حيث لم تستطع أن تظفر بأية قرارات مهمة ذات صفة إلزامية في هيئة الأمم المتحدة (وبالذات في مجلس الأمن) أو في المؤسسات الدولية ذات البعد الاعتباري، وهذا عائد بالطبع إلى كون روسيا تتمتع بحق الفيتو في مجلس الأمن، كما أن الصين (وهي أيضاً لها حق الفيتو في مجلس الأمن) حليف وثيق لها، فضلاً عن دول أخرى كثيرة وبعضها وازن في الساحة الدولية (البرازيل، جنوب إفريقيا، الهند) لم تلهث وراء الولايات المتحدة والغرب لإدانة روسيا ومحاسبتها.
 
ما الذي يُمكن أن يحدث على صعيد هذه الحرب؟ إنّ المفاوضات تُعبّر دائماً عن الحقائق القائمة على الأرض، وما هو قائم على الأرض الآن هو أنّ روسيا مسيطرة على معظم أراضي المقاطعات التي يضمها حوض الدونباس فضلاً عن شبه جزيرة القرم، ويكاد لا تكون هناك أيّة فرصة حقيقية وفق معظم المحللين والمتابعين لاسترجاعها، بل إنّ الطموح الأوكراني الحالي لا يتعدى تقليل الخسائر، وتقوية الدفاعات القائمة، والحفاظ على ما يسمى الأمر الواقع (Status quo)، وعليه فإن أيّة مفاوضات حقيقية قد تنتهي إلى قبول روسيا لضم شبه جزيرة القرم نهائياً (تم ضمها في 2014 وقد كانت تاريخياً جزءاً من روسيا حتى ألحقها الرئيس السوفيتي خروشوف بأوكرانيا السوفيتية لأسباب تنظيمية في عام 1954، كما كانت على الدوام مقراً للأسطول البحري الروسي)، وإلى قبول صيغة «حكم ذاتي» لمقاطعات الدونباس (التي تسكنها غالبية ذات أصول روسية) مع بقائها رسمياً جزءاً من أوكرانيا، وإلى وقف التفكير نهائياً في انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو، واحترام حقها في الالتحاق بالاتحاد الأوروبي.
 
إنّ من الواضح تماماً أنّ الغرب لم يعد مهتماً باستمرار الأزمة الأوكرانية لأنه خسر الكثير وخسارته مرشحة للزيادة، كما أصبح من الواضح أن دافع الضرائب الأمريكي يُفضّل أن تذهب أمواله إلى ميادين تهمه أكثر كالحدود والهجرة وغيرها، وبالإضافة إلى ما سبق فإن معظم دول العالم النافذة على مسرح السياسة الدولية أخذت تدرك وبشكل متزايد أن هذه الحرب يجب أن تنتهي، وربما كان من الخطأ أن تبدأ أصلاً حيث استثار «الناتو» روسيا وأراد أن يضم إليه دولة مهمة ولها حدوده بل وإرث وعرق (كل من الروس والأوكران يعودون إلى العرق «السلافي") مشترك مع روسيا، الأمر الذي استفز روسيا وجعلها تبدأ ما أسمته «بالعملية العسكرية الخاصة»، التي كان من المُحال أن تنتهي إلّا إلى ما انتهت إليه في ضوء موازين القوى حيث أنّ روسيا دولة نووية عظمى تتفوق على أوكرانيا في القدرة على التجنيد، والتصنيع فضلاً عن القوة السياسية، وحيث أن أوكرانيا دولة متوسطة تجاور روسيا ويعود أكثر من ثلث سكانها إلى التابعية الروسية، ولا تستطيع أن تواجه روسيا مهما كان الدعم الذي تتلقاه من الدول الغربية.