عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    25-May-2025

أبو عودة يقدم قراءة تحليلية حول "صورة العربي في الأدب الأميركي"

 الغد-عزيزة علي

 قال الكاتب والمترجم الأردني الدكتور تيسير أبو عودة إن الأدب يعد مرآة للوعي الجمعي ونافذة لفهم تمثلات الشعوب والثقافات في المخيلة الغربية، إذ لا يقتصر دوره على التعبير الجمالي والفني، بل يتجاوز ذلك إلى تشكيل الصور الذهنية عن الآخر، خاصة في سياقات الاستعمار والصراع الثقافي والحضاري.
 
 
جاء ذلك، في الندوة التي نظمتها لجنة النقد الأدبي في رابطة الكتاب الأردنيين بعنوان "صورة العربي في الأدب الأميركي"، أول من أمس، حيث قدم أبو عودة قراءة تحليلية معمقة في كيفية تشكل صورة العربي في الأدبيات الأميركية الكلاسيكية والحديثة، فيما أدار الحوار الروائي أسيد الحوتري، عضو لجنة النقد في الرابطة.
 
كما تناولت الندوة الأبعاد التاريخية والثقافية والسياسية التي ساهمت في صياغة صورة نمطية للعرب والمسلمين في الأدب الأميركي، مستندة إلى مرجعيات استشراقية وأيديولوجية ذات جذور استعمارية، كما تطرقت إلى تحولات هذه الصورة من العصر الكولونيالي إلى ما بعد الحداثة، مرورا بظواهر معاصرة مثل الإسلاموفوبيا وصراع الحضارات، لتكشف عن البنية العميقة التي يقف عندها الخطاب الأدبي بوصفه أداة للتمثيل، وأحيانا للتشويه.
وركزت المحاضرة على تحليل النصوص الأدبية والسرديات الروائية والشعرية الأميركية التي ساهمت، عن قصد أو غير قصد، في رسم ملامح مشوهة أو استشراقية للعربي، بوصفه "الآخر المختلف"، والعدو المحتمل، والمهدد للقيم الغربية. كما ناقشت تطور هذه الصورة عبر التاريخ الأدبي الأميركي، من نماذج كلاسيكية حاولت تقديم فهم إنساني للعرب، إلى نماذج حديثة رسخت صورا نمطية تغذيها السياسة والإعلام والسينما.
قال المحاضر "إن صورة العرب في الأدب الأميركي الكلاسيكي والحديث تتجلى بوضوح في أدبيات ومتونه، وفي تمثلات الوعي الحضاري الغربي المركزي، ضمن سياقات متعددة، شملت الليبرالية الكلاسيكية، وليبرالية الحرب الباردة، والليبرالية الجديدة، وتحولات الحداثة بجوانبها كافة".
وأضاف أبو عودة أن صورة العربي في الأدب الأميركي تشكلت ضمن ما أسماه إدوارد سعيد بـ"الاستشراق الأدبي النمطي والدوجمائي"، وهو استشراق يتماهى مع الشكل الكلاسيكي للاستشراق وكذلك مع الاستشراق الحديث المتحول، حيث تمت قولبة صورة العرب والمسلمين باعتبارهم برابرة، متوحشين، متخلفين، رجعيين.
ورأى المحاضر أن أعداء لليبرالية والديمقراطية والحرية والعلوم. وقد وصفوا أيضا بأنهم دعاة كراهية، في مقابل تصوير الحضارة العربية – ضمن السرديات الأميركية وخطاب "صراع الحضارات"، كما طرحه صامويل هنتغتون – كحضارة مناهضة للحداثة والتقدم والديمقراطية.
وأشار أبو عودة إلى أن هذه الصورة لم تكن ثابتة تماما رغم التناقضات، فقد قدم واشنطن إيرفينج في كتابه "محمد"، تصورات نسبية الموضوعية، وعبر عن تمثيل فلسفي عميق للحضارة الإسلامية، ولدور الرسالة المحمدية في تغيير العالم، بأسلوب عقلاني مغاير للصورة الاستشراقية النمطية.
وبين المحاضر أن كتابات بنيامين فرانكلين، شكلت حالة استشراقية "إيجابية"، في تحليلها للجوانب الإنسانية العميقة لتعامل المسلمين مع الأسرى، ومع الطبيعة وسط الغزوات والحروب. كما أشار إلى أن ثورة الطباعة، وحركة الترجمة، والهجرات العربية المتعاقبة إلى أميركا، إلى جانب كتابات برنارد لويس المعادية للإسلام والعرب، خاصة ما تطرق منها إلى الصراع بين الإسلام والحداثة، لعبت دورا في تشكيل تلك الصورة.
وقال المحاضر "إن معظم التصورات الأدبية التي مثلت صورة العربي في الأدب الأميركي، قد تأثرت بعمق بالسردية الاستشراقية البروتستانتية، وبالنزعة الاستعمارية "للرجل الأبيض المتفوق"، وكتابات ألف ليلة وليلة، والحروب الصليبية، والحركة الصهيونية. وقد تشكلت بذلك ظاهرة ثقافية يمكن من خلالها قراءة ثنائية الثقافة والحضارة الأميركية بوصفها متعددة ومتناقضة، لكنها في الوقت نفسه منسجمة مع "روح ليبرالية الخوف"، التي تسعى دوما للبحث عن "عدو متخيل" هو "الآخر الأبدي"، ذلك الآخر الذي يصور كمهدد للمثل الليبرالية الأمريكية مثل: الحرية الفردية، العدالة الاجتماعية، التعددية، التقدم، والعلوم.
ومن الأمثلة على هذه التصورات الاستشراقية رواية مارك توين The Innocents Abroad (1869)، التي حملت طابعا استشراقيا ساخرا من الإسلام والعرب، ومن صورة القرية السورية والهندسة المعمارية في سورية في القرن التاسع عشر. كما شكلت القصيدة الملحمية Clarel عن القدس، للكاتب الأميركي هيرمان ميلفيل، تجسيدا للاستشراق المركزي، حيث بدا الشرق فيها غامضا، صوفيا، وغرائبيًا (Exotic).
أما قصيدة والت ويتمان الشهيرة Salut au Monde!، فقدمت صورة استشراقية عن العرب والمسلمين، وبدا ويتمان أكثر موضوعية مقارنة بغيره من الكتاب الأميركيين.
وخلص أبو عودة إلى أن السينما الأميركية ساهمت بشكل كبير في ترسيخ تصوّرات استشراقية عن العرب والمسلمين، حيث شكل فيلم True Lies (1994) للمخرج جيمس كاميرون، مثالا صارخا على الاستشراق السينمائي المتطرف، بتصويره العرب كجماعة إرهابية متخيلة، تهدد أمن الولايات المتحدة. وقد كان هذا الفيلم جزءا من سردية أوسع في السينما الأميركية لتعزيز خطاب الإسلاموفوبيا، إلى جانب أفلام مثل: The Siege (1998)، وThe Kingdom (2007)، وZero Dark Thirty (2012)، وAmerican Sniper (2014)، وغيرها من الأفلام.