الغد-عزيزة علي
نظمت اللجنة الثقافية في الحزب الديمقراطي الاجتماعي الأردني، عن دار "الآن ناشرون وموزعون"، حفل توقيع المجموعة القصصية "النباح الأخير" للقاص والأديب مفلح العدوان، وبحضور لافت من مثقفين وكتاب وأكاديميين.
أقيم الحفل أول من أمس، بإدارة جمال القيسي، وقدم القراءة النقدية كل من: الدكتور سلطان المعاني وجمانة الرمحي، فيما قدم مفلح العدوان شهادة حول مجموعته.
قال الدكتور سلطان المعاني "إن النباح الأخير"، تقوم على نسقٍ سردي فريد تنتقل فيه الهوامش من أطراف الصفحة إلى مركز البنية، لتصبح عنصرا مضيئا يوجه حركة الزمان والمكان، ويعيد تشكيل علاقة القارئ بالنص منذ البداية".
ورأى، أن الحاشية كما أوضح ليست مجرد شرحٍ تابع، بل طبقة إبداعية موازية تتفاعل مع المتن في تبادلٍ مستمر بين الضوء والظل؛ تكشف المشهد، وتوثق الاسم، وتستعيد الحكاية في أبعادها العميقة قبل الصورة وبعدها، ليغدو النص كيانا ذا مستويين: سطح سردي ظاهر، وعمق نابض في هوامشه.
وأوضح المعاني أن العلاقة تدار بين المتخيل والتوثيق بآلية دقيقة؛ فالسرد يتقدم بأدوات الفن من مشهد وصوت وإيقاع، بينما تواكبه الهوامش كبوصلة معرفية تثبت الإحداثيات وتستدعي الأصول. ينتج عن هذا التساند أثر مزدوج: توسيع الدلالة داخل الصورة، وتثبيت المشهد في جغرافيته وتاريخه من دون المساس برشاقة الحكاية. فالهامش يوفر المادة الصلبة التي تقاوم التبدد، والمتن يمنحها الحركة والحرارة، لتتشكل وحدة عضوية يتبادل فيها الطرفان الأدوار بسلاسة.
وأشار المعاني، إلى أن الفلسفة تتجلى في قصة العنوان؛ إذ تستعاد حكاية أصحاب الكهف عبر سرد متدرج الإيقاع، بينما تُهيئ الحاشية مسرح المكان بأسمائه القديمة، وتصف موضع الرقيم وعلاقته بالديكابولس وفيلادلفيا. يتقاطع حضور يقظة يمليخا في عمّان المعاصرة مع طبقات موثقة من ذاكرة الحجر والمدونات، ليبرز زمن مركب: حاضر يسير على أرض تومض من عمق بعيد، وماض يتحرك في الحاضر كظل يرافق كل خطوة. الحاشية هنا ليست قاموسا على الهامش، بل عدسة تدقق مسار القراءة، فتجعل القارئ يلحظ تغير الإيقاع عند كل وقفة، ويدرك أن المعنى يتسع مع فتح كل باب صغير أسفل الصفحة.
في "برج الناقة"، يتحول النقش الثمودي والحاشية إلى محاور للسرد، فتتضافر الصورة والكلمة والحجر لخلق معنى متكاملا، حيث يصبح الجبل عنصر الحدث والنقش وثيقة حية. وفي "لفائف القلعة"، تتقاطع الذاكرة الرهبانية مع التحول العسكري، وتضفي الحاشية خرائط الانتقال وتاريخ التحولات شحنة أخلاقية، مع طرح أسئلة العدالة والذاكرة من دون خطاب مباشر.
في "أيقونات مبتورة الرأس"، يبلغ التوتر ذروته، حيث تتجاور مطاردة غزال مع التذكير بعنف تهشيم الصور وقطع الرؤوس. ترسم الحاشية خلفية لمسار العنف، والمتن يحول الفجيعة إلى رؤية تحفظ نور اللوحة وتكشف جرح المكان، مكونة تأريخ المتخيل عبر هوامش دقيقة. تقوم التقنية على ثلاثة محاور: التسمية الدقيقة للأعلام والمواضع، معايرة الزمن، والإيقاع الهامشي، لتتيح مراجعة الحكاية وزيادة وضوحها من دون كسر انسياب السرد.
يقترح البناء السردي حركة ثلاثية: تجربة المتن جماليا، استخدام الهوامش لتوضيح الموقع أو الإشارة، ثم العودة إلى السرد بنظرة متجددة. المكان هنا ليس خلفية محايدة، بل محور الحدث، يتقاطع مع الأسطورة والوثيقة، والصورة والاسم. اللغة دقيقة واقتصادية، والحاشية تعزز تماسك البناء وصفاءه، مع الحفاظ على رهافة التجربة وقوة المعلومة.
من جانبها، قالت جمانة الرمحي "إن تحول الواقع السياسي والاجتماعي المحبط إلى ركيزة سردية في الرواية بواقعية حداثية، حيث يدمج الراوي التاريخ والواقع في سرد غير خطي، مع توظيف تيار الوعي لتقديم رؤية عجائبية، كما في "برج الناقة" و"أيقونات مبتورة الرأس"، حيث تتحول الصور الرمزية إلى أحداث حية تحمل رمزية ومعنى متعدد الطبقات".
وقال مفلح العدوان "إن النباح الأخير، تحمل شهادته الخاصة حول كتابته للقصص، في فضاء الحزب الديمقراطي الأردني، حيث تتقاطع السياسة مع الأدب والحوار حول الوطن والمواطنة والقانون". هنا، يسعى الكاتب لتقديم رؤيته للمكان والإنسان في الأردن حفرا في العمق لا مجرد ترحال على سطح الجغرافيا، مؤسسا تعريفا قدسيا للمكان والإنسان، حيث ينبض القلب بالوطن، في الأردن الذي كتب عنه ولأجله، مستحضرا روح بلاده: "بلاد العرب أوطاني، من الشام لبغدان".
وأضاف العدوان أنحاز في كتابتي إلى سردية الأهل والبلاد، لأنها أكثر صدقية في التعبير عن أحوال الأردن وتاريخه وجغرافيته والقصص المحتجبة فيه. أهلي هم الأردنيون جميعا، ولكنني التقيت بأهل خاصين معي في بلادي، استحضرتهم وسمعت أشجانهم وفخرهم وحكاياتهم. رافقت "الفتية النائمين" في جنوب عمان، وتسلقت "جبل أم الدامي" في وادي رم، حيث حاكوني الثموديون والأنباط، وزرت نهر الأردن فتفيأت ظل شجرة عند المغطس، فتراءى لي يوحنا المعمدان والنبي إيليا، وزرت مواقع استشهاد الأبطال عبر التاريخ، مستحضرا ذاكرة ميشع الذيباني وحكايات الدفاع عن الوطن عبر العصور.
تلك بعض ملامح بلادي التي كتبتها في "النباح الأخير"، التي أعتز بكل تفاصيلها، لأكتب سرديتها على حقيقتها، حيث أهلي الحقيقيون وقومي الحضاري، بعيدا عن زيف الأمثال. هنا، في بلادي الحميمة بين العباسيين وجبل التحكيم، وجدار أرابيوس الخالد، يصدح الصوت: "إليك أيها المار من هنا أقول.. كما أنت الآن كنت أنا، وكما أنا الآن ستكون أنت، فتمتع بالحياة".