عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    09-Dec-2024

كيف يمكن للفلسطينيين مواجهة مشروع الضم الإسرائيلي؟*ليث القهيوي

 الغد

في ظل التحولات السياسية الراهنة، يتصاعد الحديث عن خطة إسرائيلية لضم الضفة الغربية، وهي خطوة تحمل تداعيات إستراتيجية بعيدة المدى على الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي والمنطقة ككل. هذا المشروع، الذي يهدف إلى تعزيز السيطرة الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، لا يُنظر إليه فقط كتحرك سياسي، بل كجزء من رؤية استراتيجية تسعى لتغيير الواقع الجغرافي والديمغرافي في الأراضي المحتلة.
 
 
من الناحية القانونية، يعتبر الضم انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة التي أكدت أن الضفة الغربية أراضٍ محتلة لا يجوز لإسرائيل فرض سيادتها عليها. وعلى المستوى السياسي، يشكل هذا التحرك تهديدًا واضحًا لحل الدولتين، وهو الحل الذي ظل لعقود الإطار المرجعي الأساسي لإنهاء الصراع. إذ إن ضم الأراضي يعني تقويض إمكانية إقامة دولة فلسطينية متصلة جغرافيًا وقابلة للحياة، مما يفتح الباب أمام موجة جديدة من الصراع ويغلق آفاق السلام.
لكن خطورة هذا المشروع لا تقتصر على الفلسطينيين فحسب، بل تمتد إلى المنطقة بأسرها. فعلى الصعيد الإقليمي، قد يؤدي تنفيذ الخطة إلى تصعيد التوترات بين إسرائيل وجيرانها العرب، لا سيما الدول التي وقعت معها اتفاقيات سلام في العقود الأخيرة. كما أن مثل هذه الخطوة قد تُضعف التعاون الأمني والدبلوماسي بين إسرائيل وهذه الدول، وتثير موجة من الاحتجاجات الشعبية التي قد تعيد ملف الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي إلى صدارة المشهد الإقليمي.
وعلى الصعيد الدولي، ستجد إسرائيل نفسها في مواجهة مباشرة مع المجتمع الدولي الذي يعارض بشدة سياسات الاستيطان والضم. قد يؤدي ذلك إلى فرض عقوبات اقتصادية أو سياسية على إسرائيل، أو على الأقل إلى تآكل الدعم الذي تحظى به من بعض الدول الكبرى. حتى الولايات المتحدة، الحليف الأهم لإسرائيل، قد تجد صعوبة في الدفاع عن مثل هذه الخطوة، لا سيما إذا وُوجهت بمعارضة واسعة النطاق من حلفائها الأوروبيين والدول الأخرى.
بالنظر إلى الأبعاد الديموغرافية، يثير الضم تساؤلات حيوية حول مستقبل السكان الفلسطينيين في المناطق التي سيتم ضمها. هل سيتم منحهم حقوق المواطنة الكاملة أم سيتم إدراجهم في نظام قانوني يكرس التمييز؟ هذا التساؤل يعكس المخاطر الأخلاقية التي تواجهها إسرائيل، حيث يمكن أن تجد نفسها في موقف يُتهم بممارسة الفصل العنصري، وهو اتهام سيعزز من عزلتها الدولية ويضر بمكانتها كدولة تدّعي الديمقراطية.
في مواجهة هذه التحديات، يبدو أن الفلسطينيين أمام منعطف تاريخي يتطلب إعادة ترتيب الأولويات وإستراتيجية جديدة لمواجهة الواقع المتغير. الوحدة الوطنية تُعتبر الشرط الأول والأساسي لتعزيز الموقف الفلسطيني، حيث لا يمكن لأي مشروع سياسي أن ينجح في ظل الانقسام الداخلي. بالإضافة إلى ذلك، يجب العمل على تفعيل أدوات المقاومة الشعبية السلمية التي أثبتت قدرتها على إحراج إسرائيل أمام الرأي العام العالمي وفضح انتهاكاتها.
على الجانب الدبلوماسي، ينبغي استثمار كل الفرص الممكنة في المحافل الدولية لكسب الدعم للقضية الفلسطينية ويمكن اللجوء إلى محكمة العدل الدولية لتأكيد عدم قانونية الضم، والعمل على حشد التأييد الدولي لفرض عقوبات على إسرائيل بسبب انتهاكها للقانون الدولي، في ذات الوقت، يلعب الإعلام دورًا حاسمًا في توجيه الرأي العام العالمي، مما يجعل من الضروري تكثيف الجهود لفضح ممارسات الاحتلال وتوضيح مخاطر خطط الضم على الاستقرار الإقليمي.
إذا كان تنفيذ خطة الضم يمثل انتصارًا مؤقتًا للأجندة اليمينية الإسرائيلية، فإنه على المدى البعيد قد يتحول إلى عبء إستراتيجي، ان التبعات الاقتصادية، التوترات الإقليمية، والعزلة الدولية، كلها عوامل قد تجعل إسرائيل تدفع ثمنًا باهظًا لهذا القرار، من جهة أخرى، فإن القيادة الفلسطينية أمام تحدٍ وجودي لتثبت قدرتها على التعامل مع هذه المتغيرات بحكمة وحزم.
إن مستقبل القضية الفلسطينية يتوقف على القدرة على مواجهة هذه التحديات برؤية استراتيجية متكاملة ويتطلب ذلك تكاتفًا داخليًا وتحركًا إقليميًا ودوليًا يعيد وضع القضية الفلسطينية في قلب الأجندة العالمية، في ظل هذا الوضع المعقد، يصبح العمل الجماعي أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى لتفادي المزيد من الخسائر وضمان حقوق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقله.