عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    21-Jul-2024

"242" الذي خدعنا إليه..!*علاء الدين أبو زينة

 الغد

ردّا فعل أساسيان ظهرا على أحكام محكمة العدل الدولية الاستشارية يوم الجمعة بشأن الوضع القانوني للاستيطان في الضفة الغربية. من جهة، احتفل الفلسطينيون وأنصارهم بما أشارت به المحكمة من حق الشعب الفلسطيني في التحرر وتقرير المصير -في الضفة الغربية والقدس الشرقية وغزة فقط. ومن جهة أخرى، ضج قادة الكيان بالاعتراض والشتائم وكفَّروا المحكمة لأنها انتقدت الوجود الصهيوني في «الأراضي الفلسطينية»، ودعت إلى إنهاء احتلاله لها. وقال بنيامين نتنياهو إن قرار «العدل الدولية» كاذب، والشعب اليهودي ليس محتلاً لأرضه وإرث أجداده، والاستيطان شرعي.
 
ويا لها من مفارقة! المستعمر يغضب للمطالبة بتجريده من 22 في المائة من الأرض التي سرقها، وصاحب الأرض يحتفل بالاعتراف له بحق اسمي -يأخذه أو لا يأخذه- في 22 في المائة من وطنه وبتجريده من 78 في المائة من أرضه وإرث أجداده حقاً. وربما يكون هذا هو الفرق: طرف يكذب حتى يصدق نفسه ويحول قصته المختلقة إلى إيمان؛ وطرف يكذبون عليه حتى يصدقهم ويكذّب نفسه ويكرر السّرد الذي يُملى عليه برشاد ببغاء. إن فلسطين، كما يعرفها أصحابها معرفة المرء بداره، ليست هي الأراضي التي احتُلت في العام 1967.
 
مع ذلك، يكرر العرب والفلسطينيون الرسميون: طبقوا القرار 242! نريد تطبيق القرار 242! مبادرة السلام العربية المستندة إلى القرار 242. نريد حل القضية الفلسطينية على أساس دولتين، قائم على القرار 242!
فعلًا، هذا هو «حل» القضية الفلسطينية -وإنما بمعنى تفكيك نسيجها وفرط عقدها والإيذان تحللها. كيف يكون حلّ مصيبة الفلسطينيين الذين طُردوا من بيوتهم وأراضيهم وتاريخهم هو حرمانهم الأبدي من استعادة إرثهم؟ ولا أحد يتحدث تقريبًا عن القرار 194 وحق العودة. والصحيح أنه في حال تطبيق القرار 194 وعاد الناس ليستعيدوا أملاكهم، فلن يكون للمستعمرين الصهاينة شبر يجلسون فيه في فلسطين كلها (إلا إذا كان أحدهم قد اشترى أرضًا بشكل قانوني في فلسطين). وبالتأكيد يقيم نتنياهو، وسموتريتش، وبن غفير وغانتس وهاليفي وغيرهم في بيوت مسروقة من فلسطينيين أو بنوها على أرض مسروقة من الفلسطينيين. لا يمكن أن يكون الأمر غير ذلك.
القرار 242 الذي جُعلنا نصرخ مطالبين بتطبيقه هو شرعنة أممية للسرقة على رؤوس الأشهاد. وأياً يكن مَن ينادي به، فإنه ينزع الأمور من سياقاتها التاريخية لكي يتخلص من عبء الوقوف من أجل العدالة. ولا يختلف الأمر من حيث المبدأ مع إدانة الفلسطينيين على «طوفان الأقصى». إنهم يعرضونه على أنه بداية القصة: الفلسطينيون اعتدوا على أراضي ومواطني دولة طبيعية ذات سيادة، نقطة. وهم يستندون بالتأكيد إلى حكاية أن «إسرائيل» هي صاحبة فلسطين بلا شك ولا تفكير في كيف أصبحت صاحبة الأرض. لمَ لا يفعلون وقد اعترفت «منظمة التحرير الفلسطينية» نفسها بحق الاستعمار في امتلاك فلسطين، من دون استشارة الفلسطينيين؟ هذا اللامنطق هو الذي يجعل تحرير المقاومة الفلسطينية لوقت قصير جزءًا من أرض فلسطين اعتداءً، بينما معظم سكان غزة مهجّرون وأصحاب كل أراضي 1948.
على أساس معرفتنا بالحقيقة باعتبارها وجودنا نفسه، نحن أصحاب الأرض والقضية، فإن قرار المحكمة الدولية مجحف وظالم ومنحاز و»مشوه وغير أخلاقي» كما وصفه جلعاد إردان، مندوب الكيان لدى الأمم المتحدة. ليس لأنه يطالب الكيان بإنهاء احتلاله للضفة والقطاع، وإنما لأنه يكرس بذلك حرمان الفلسطينيين من معظم وطنهم التاريخي ويشرعن استعماراً استيطانياً إحلالياً إجرامياً بالتعريف في كل فلسطين التاريخية تقريباً. وفي الوضع الطبيعي، كان ينبغي أن يكون هذا شيئاً يحتفل به المستعِمرون الصهاينة ويلطم عليه الفلسطينيون -لولا أن قرار التقسيم، ثم القرار 242 جعلا من وجود الصهاينة في فلسطين شيئًا مفروغًا منه، وبقي أن يصرّوا على تمليكهم الضفة والقطاع ليكتمل المشروع. ولولا أن الفلسطينيين خُدعوا إلى الاعتقاد بأن التأكيد على سردية قرار 242 المجحفة هي أقصى ما يطمحون إليه، حتى لو بالكلام.
على الرغم من السوريالية في كل هذا عندما يتعلق الأمر بالخبرة الفلسطينية وكثرة المتآمرين والمثبّطين، فإن الفلسطينيين بالإجمال عنيدون بطريقة تبعث على الفخر. سوف يقول طفل يتعلم نطق أولى الكلمات في القطب الشمالي ولد لأب فلسطيني أنه فلسطيني إذا سئل عن بلده. وسوف يذكر اسم قريته في أي مكان في فلسطين. وإذا راجع أحد تاريخ فلسطين الحديث، فإنه سيعجب من حجم التآمر من أجل جعل الفلسطينيين يملون أو يتنازلون أو ينسون، ومن الجهات التي تتآمر على المصالح الوطنية والمبادئ الإنسانية بالاشتراك في هذا الجهد. لكن النتيجة هي أن كل هؤلاء يعجبون أيضًا من فشلهم في إلغاء الفلسطينيين. وحتى في عز الليل وعندما بدا الفلسطينيون وحيدين، فجأة لم يعودوا وحيدين وملأوا العالم بحضورهم. وعاد أيضًا مرة أخرى مطلب «فلسطين من البحر إلى النهر»، التقرير الوحيد العادل عن الحل الشامل والعادل والدائم للقضية الفلسطينية -ولمشاكل العرب.