عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    13-Jul-2020

صدور “دوائر الخفاء- سيميائية الإشارة الصوفية في الخطاب الشعري”

 

عزيزة علي
 
عمّان-الغد-  يقول الباحث في السميائيات والتصوف والأدب الحديث الشاعر والناقد خلدون أحمد امنيعم إن الكشف عن الأنساق الدلالية للإشارة الصوفية، وبيان حركيتها، وارتحالاتها، وتوالدها الدلالي، وسياقات تلقيها في الخطاب الشعري الحديث. يتوسل سيمياء التأويل اتجاها نقديا، وذلك لامتلاكه جهازه المفاهيمي والمعرفية؛ وقدرته على رصد المستويات اللغوية والرمزية والإشارية، وكشف أبعادها الدلالية في الخطاب الإبداعي: الصوفي والشعري الحديث.
جاء ذلك في مقدمة كتابه “دوائر الخفاء- سيميائية الإشارة الصوفية في الخطاب الشعري الحديث”، الذي صدر ضمن سلسلة كتب ثقافية “كتاب الشهر” التي تصدرها وزارة الثقافة الأردنية.
ويعتبر المؤلف ان الخطابات الإبداعية، في توازنها، وتعالقها، وتقاطعها، لا تشتغل أنساقها الدلالية بالآلية ذاتها؛ ولكن ينشئ كل خطاب لأنساقه خصوصية، توافق محموله المعرفي، أبعاده الدلالية.
ويعرف امنيعم: سيمياء التأويل، فيقول “هو منهج ضابط، يرتكز على مطاردة الإشارة الصوفية، وكشف مساراتها، وتحولاتها في الخطاب الشعري الحديث، من خلال البرازخ النصية، والاتجاهات الموضوعاتية في فصلها الثالث، لتقف على أسرار انسراب الموروث الصوفي في الخطاب الشعر الحديث، وحركيته، واتجاهاته ودوره في تشكيل الرؤيا الشعرية”. ويوضح المؤلف: الخطاب الصوفي له خصوصية تتشكل من امتلاكه طاقات وأنساقا دلالية، تحوم في دوائر الخفاء، لاستناده على جهاز معرفي عرفاني، قوامه التجربة الباطنية: ذوقا، وإلهاما، وكشفا، وفق منظومة لغوية تنهض على الإشارة والرمز والمصطلح، بثنائية الظاهر والباطن؛ وما أضفى عليه خصوصية في التأسيس والإنتاج والتأويل، فانماز بها عن غيره من الخطابات؛ ولأن تمثل الخطاب الصوفي في بعديه: المعرفي والفني، أساسي في مقاربة ارتحاله الى الخطاب الشعري الحديث.
وحول كتابه يبين امنيعم إنه اعتمد في بحثه على الإشارة الصوفية دون الرمز والمصطلح، وذلك لسببين جوهريين اولهما: يتمثل في أن الإشارة الصوفية تطوي في بنيتها الفنية الرمز الصوفي، وفي بنيتها المعرفية المصطلح الصوفي، حيث تتسم دلالة الإشارة الصوفية بالاتساع والشمول، والقدرة على النماء والتحول التوالد؛ لأنها خلافا للرمز او المصطلح مرتبطة بالقراءة الاستبطانية.
ارتكز المؤلف في بحثه هنا على آثار الصوفي الأكبر “ابن عربي”، وتحديدا الفتوحات المكية، ونصوص الحكم، وديوان “ترجمان الأشواق”، الذي يلخص فيه ابن عربي فكر من كان قبله وشرحه، ولم يأت بعده من يضيف عليه؛ فضلا عن اتخاذه الظاهر- الشريعة طريقا للوصول الى الباطن- الحقيقة.
اما النقطة الثانية الجوهرية فهي كما يبين امنيعم: انحياز الدراسات النقدية، التي قاربت الخطاب الصوفي في الشعر العربي الحديث، إلى الرمز والمصطلح من جهة، والعبارة الصوفية والصوفيين الأعلام من جهة اخرى، واقتصرت على شعراء بعينهم، دون أن تمتد للمسرح او قصيدة النثر من جهة ثالثة.
ويوضح المؤلف أن الخطاب الشعر الحديث اضاف على الإشارة الصوفية، معان ودلالات جديدة، لا تمت- بالضرورة- للمرجعية الصوفية الدينية بصلة، بل تنحاز في اغلبها للمرجعية اللغوية والثقافية؛ لتشكل ظاهرة أسلوبية-شعرية صوفية، تكشف عن عمق اتصال الشاعر الحداثي بتراثه العربي والإسلامي عامة، والصوفي منه خاصة؛ ما جعل من لغة الخطاب الشعر الحديث مستوى لغويا ثالثا؛ يلزم فك شيفراته ورموزه اعتماد سيمياء التأويل مسارا منهجيا ضابطا؛ لأن التأويل فعل مركب بين أهلية القارئ وأهلية النص، ما يضبط انفتاح الابعاد الدلالية للمرجعية الصوفية المندرجة في الفعل التدليلي، في الخطاص الشعري الحديث، بوصف الخطاب بنية كلية مولدة لعدد غير محصور من النصوص، فالخطاب بنية ذهنية مجردة، يشكل النص تجسيده الفعلي.
يقسم الكتاب الى قسمين الى جانب المقدمة وخاتمة وثلاثة فصول، يتناول الفصل الاول عرضا للسيميائية عرضا تخليصيا مكثفا، مسلطا الضوء على إشكاليتها الاصطلاحية، ومفهومها، وموضوعها، واتجاهاتها: التواصلية، والدلالية، والثقافية، والتأويلية؛ ثم عرض لسيميائية النص الأدبي وعلاقته بالمناهج النقدية، وصولا إلى الاتجاه المعتمد في الدراسة وهو سيمياء التأويل وعلاقته بالإشارة الصوفية في الخطاب الشعري الحديث، موضحا فيها استراتيجية عنونة الدراسة بـ”سيميائية الإشارة الصوفية في الخطاب الشعري الحديث”؛ فالفصل الاول هو تأسيسيا: منهجا ورؤيا، للفصلين الثاني والثالث.
وفي الفصل الثاني، حاولت هذه الدراسةتأصيل مصطلح البرزخ النصي في مواءمة مفهومية لرؤيتين معرفيتين: مفهوم البرزخ عند ابن عربي، ومفهوم المناص ضمن المتعاليات النصية عند جيرار جينيت، مقاربة المصطلح في ثلاثين برزخا نصيا موزعة بين ديوان وقصيدة، تميزت بتوظيف تقنيات أسلوبية: تكثيفا وغموضا، وتمطيطا ووضوحا، بالقلب والإبدال، والحذف، فاتحة للإشارات الصوفية أفقا قرائيا ممتدا، فتنوعت بذلك مدلولات البرازخ، وفقا لتنوع مساربها وتعددها: أسطوريا وإيروسيا، وعرفانيا، وأدبيا، وعلميا، ودينيا، وسيريا.
بينما يتحدث الفصل الثالث عن السيرورة الدلالية للإشارة الصوفية، وتنامياتها، وتحولاتها في الخطاب الشعري الحديث؛ حيث توزعت الإشارة في اتجاهات أربعة هي: الاتجاه الاجتماعي السياسي في مفردات رئيسة، تتمثل في علاقة المثقف بالسلطة؛ ثم الاتجاه الثقافي الذي يرصد علاقة الشاعر بالكتابة؛ ثم الاتجاه الصوفي العرفاني، الذي يحيل على التجربة الصوفية، والديني في معطاه الحرفي المباشر؛ والرابع، الاتجاه الوجودي في حقلين هما: النفي والاغتراب، والإيروسية بين الانفتاح والانغلاق.
ويذكر ان خلدون أحمد امنيعم شاعر وناقد صدر له في مجال الشعر المجموعات التالية “ارني انظر إليك”، “هسيس الرغبة: حوارية آدم وحواء بعد الخروج الاخير”، وفي مجال النقد صدر له “مرايا ونوافذ: قراءة في كتب التجارب الشعرية”، “خزانة المعنى: الخطاب السردي في الأردن”.