عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    02-Dec-2024

بعينه قبل عدسة الكاميرا.. عبيد يرصد جماليات تفاصيل الأردن ويبثها للعالم

 الغد-تغريد السعايدة

 مقاطع قصيرة يتداولها الكثيرون عبر حساباتهم الشخصية، تعكس شوقا صامتا يسكن أعماقهم وحنينا للشوارع والحياة البسيطة البعيدة عن التكلف. يظهرون من خلالها جمال الأماكن التي تمتلئ بذكرياتهم، وكأنهم يسمعون صوت المطر وزقزقة العصافير لأول مرة. هذه المشاهد المبهرة يقف خلفها الشاب الأردني محمود عبيد، الذي تلتقط عيناه الجمال في كل زاوية من زوايا الوطن، ليترجم ذلك إلى صور ومقاطع تحمل روح المكان.
رذاذ المطر، براعم الربيع، صخب الصيف وألوان الخريف، كلها عناصر تلتقطها عدسة محمود عبيد ببراعة. يجول بالكاميرا بين مناطق المملكة المختلفة، ليكشف جمال الضواحي والمدن، من أرضها إلى سمائها. ومن خلال حسابه الخاص على "إنستغرام"، يأخذ المتابعين في رحلة بصرية رائعة، حيث يحول كل بقعة يلتقطها إلى لوحة استثنائية تبهر الناظر. يبدو وكأنه يرى هذه الأماكن بعيون جديدة، ويجعلنا نراها معه لأول مرة.
محمود عبيد، شاب أردني ينتمي إلى عروس الشمال، إربد، حيث عاش طفولته بكل تفاصيلها الجميلة. يبلغ اليوم من العمر ثمانية وعشرين عاما، لكن شغفه بالتصوير بدأ قبل أكثر من عشرة أعوام، عندما أنجز أول فيديو قصير له عن إربد. بأسلوب تصوير جذاب وتفاصيل آسرة، حصد الفيديو آلاف المشاهدات، ليكون ذلك نقطة الانطلاق في رحلته نحو عالم التصوير والأفلام. ورغم شغفه الكبير بالتصوير، فإنه يتميز أيضا بموهبة الرسم الاحترافية، إلى جانب دراسته التصميم الداخلي في جامعة اليرموك.
ويقول عبيد، في حديثه لـ"الغد"، إنه منذ صغره كان ينظر بعينيه إلى المشاهد اليومية بعين مختلفة، تلتقط التفاصيل وتحولها إلى لوحات فنية في مخيلته. وبفضل حسه الفني العالي، لم تكن تلك المشاهد تمر من دون أن تترك أثرا في قلبه، بل يعيد تشكيلها بروح تلامس قلوب كل من يشاهدها، وكأنه ينسج تفاصيلها بعناية تمس وجدان الأردنيين الذين يشتركون في ملامح الحياة البسيطة والجمال العفوي.
يضيف عبيد أن والده كان أكبر داعم له في مسيرته، ولم يتوان يوما عن تحفيزه ودعمه، حيث وفر له أول كاميرا ليبدأ بها شغفه. ومع مرور الوقت، تطور أداء عبيد وأصبح من الشباب الذين ينتظر الكثيرون مقاطعهم المصورة بفارغ الصبر، لتداولها ونشرها عبر حساباتهم الشخصية. بعض مقاطعه حصدت مشاهدات تجاوزت المليون، وانتشرت محليا وعالميا، لتصبح أعماله وسيلة غير مباشرة للترويج السياحي للأردن.
"الأردن بتحكي".. فيديو قصير فيه صوت الشتاء في الشوارع، أغاني الإذاعة القديمة، وأصوات لها الكثير من الذكريات لكل الأجيال، وهناك فيديو آخر يتناول إجابات من مواطنين، يتحدثون فيها عن عمان القديمة، السلط، والعقبة وغيرها، بعبارات عفوية تظهر حب الأردن وتعلقهم بالمكان.
وبالمقطع ذاته، يظهر عبيد جمالية المناطق التي يقوم بتصويرها ما بين جبال وصحراء، وزقاق المدن والقرى، بطريقة احترافية جداً، وكأن المشاهد يناظر مقاطع سينمائية، تبين خبايا الأحجار والأودية والبيوت، وهذا ما جعلها من أكثر المقاطع التي يتبادل نشرها الأردنيون، بل وصلت إلى مشاهدات بالآلاف في مختلف الدول، تروج للأردن بعين وقلب أبنائه.
"وبتحكيلي ليش بحب الشتا في عمان"، هو ليس بسؤال، بل عنوان لأحد المقاطع التي لاقت إعجاب ومشاركة منقطعة النظير بين الناس، خاصة بالتزامن مع حلول فصل الشتاء في الأردن، إذ يعيد هذا الفيديو المتابعين إلى عقود مضت، وقد لا يكون عبيد عاصر بعض تلك التفاصيل، بل قد يكون سمع عن تلك الجماليات من المحيطين والعائلة، وكأي أسرة أردنية، لديها ذكريات مشتركة، من أغان أردنية، طقوس شتوية، وقاسم مشترك بينهم، وهو حب الأردن بكل تفاصيله.
يجد عبيد نفسه بين ثنايا الصخور وتعرجات الجبال، ومسار السيول والأنهار الصغيرة، يسمع همس الجدران القديمة في الأردن ويحاول نقلها من مخفية إلى مرئية عبر الكاميرا، ويقول إنه يحب الطبيعة والجغرافيا بشكل كبير، ويرى أن الأردن غني جداً بالمشاهد التي يجب أن تؤطر في أفلام وصور، وأن يتم عرضها في جميع المنصات العالمية، ووضعها على خريطة السياحة العالمية، وهو ما يعمل عليه ويسعى إلى أن يكون من "كبار المصورين للطبيعة والمشاهد في العالم العربي".
أحد أكثر الأفلام التي يفتخر بها عبيد خلال عمله في هذا المجال منذ سنوات، هو فيديو "السلط" الذي تطلب من العمل والجهد ما يقارب ثلاث سنوات، حاول جاهداً أن يضع فيه مجهود سنوات من التدريب والخبرة، وكان تتويج ذلك المجهود أن سمو ولي العهد الأمير الحسين، كان من أوائل ما قاموا بإعادة نشر الفيديو والإطراء على ذلك المجهود الذي قام به عبيد، الأمر الذي ضاعف من حماسه وحبه للعمل الذي يقوم به من أفلام "أردنية بامتياز"، ولا يجد عبيد في "الغربة" فرصة مناسبة له، بل يرى نفسه عندما يجول ويخرج أفلاما في "الأردن". 
وتساءل الكثيرون من المهتمين بقطاع السياحة عن سبب عدم تبني ودعم هذا العمل من إحدى الجهات الرسمية المعنية بالترويج للسياحة في الأردن، كون ردود الأفعال حول فيلم السلط، كان لها كبير الأثر في التعريف بالمدينة وتفاصيلها وحديث المتابعين عن رغبتهم بزيارة المدينة بعد مشاهدتهم الفيلم، عدا عن العديد من مقاطع الفيديو القصيرة التي يقوم عبيد بنشرها بين الحين والآخر، ويتفاجأ بمدى مشاركتها من قبل المتابعين وتعليقاتهم التي تتشابه في حب التفاصيل.
عبيد الآن يعمل على مشروع فيلم أكبر وأشمل لمحافظات الأردن، على غرار فيلم السلط، ولكن بتقنيات أكبر ومساحات تشمل كل تفاصيل الأردن، وينتظر الوقت المناسب لبث الفيلم عبر مختلف منصات التواصل الاجتماعي التي تصل ملايين الجماهير التي تجد في أفلامه منفذاً للجمال الخفي في التفاصيل الذي ينعش في القلب حب "قطرات وذرات الأردن النقية البعيدة عن ضوضاء العولمة".