عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    01-Oct-2022

كذبة الشخص المناسب!* إبراهيم جابر إبراهيم

 الغد

كل فِعل مهما بدا لنا مدهشاً، فهو إن تكرر بالوتيرة ذاتها، يصيرُ فِعلاً رتيباً، ومملاً!
كيف يمكن رمي حجرٍ إذاً في البِركة الراكدة؟ وتثوير حالةٍ من الجمود، ومحاصرة الرتابة بمزيد من الدهشة؟.
هذا تقريباً سؤال جميع البيوت، واستغاثة الكثير من الأزواج والزوجات.
فخلف ملايين الأبواب والنوافذ التي نظنها ترتع في نعيم الانسجام ونعمة الطمأنينة، تنشب خلافات ويندلع الضجر معبراً عن حاله بالكثير الكثير من التحرشات، وافتعال المشاكل، ويطرح الزوجان السؤال ذاته: لماذا تَغيّر؟!
يظن كلاهما أنه تعرض لخديعةٍ منذ البداية، وأن هناك اختلافاً عميقاً في الأفكار ووجهات النظر وطرق التعامل مع الحياة والأفكار المُعدّة مسبقاً لتربية الأولاد و…
ويظل يتساءل: كيف تورطت؟ وأين كان عقلي؟!
ويبدو الاثنان لبعضهما بعضا كما لو كان كل منهما عدوا حميما!
مع أن ذلك -يقول كلاهما- لم يكن واضحاً في البداية، والحياة كانت أيسر، والخلافات كانت أقل!
وهذا حتماً ليس صحيحاً، فالإنسان غالباً لا يتغير، إنما يتكشف، لكن المسألة الجوهرية في الزمان، أقصد التوقيت، وهل كل الذي كان يناسبنا قبل ذلك ما يزال يناسبنا الآن!
ثمة فكرة رومانسية جداً تربّينا عليها عقوداً طويلة، هي فكرة الشخص المناسب، وهذه فكرة بالغة الحُمق؛ فذلك الشخص الذي يمكن أن يكون مناسباً دائماً، ولكل وقت، ولكل الأعمار والمناخات، والظروف، لا يوجد إلا في خيالات كُتّاب السيناريو لأفلام ساذجةٍ،.. وأحلام المراهقات.
والحقيقة أن فكرة الشخص المناسب كذبة ممتعة تنفع لتبرير وتجميل خياراتنا في وقتٍ ما، لكنها للأسف لا تصمد طويلاً أمام اتساع الخلافات وتهاوي نقاط الاتفاق واحدة تلو الأخرى، حتى يصير التناقض بين الشريكين هو البديهي،… ويصير اتفاقهما على أمرٍ ما حدثاً مدهشاً يستحق الاحتفال!
هنا يصير الشريك مثار ملل، ومفروضاً في حياتنا بحكم الأمر الواقع، ولا يثير فينا أي شعور إيجابي يستدعي الإثارة، أو حتى عناء الالتفات نحوه إن مَرّ، ونراه شخصاً بالغ العاديّة، حتى إن الغيرة عليه تتناقص تدريجياً، لأننا ببساطة لا نرى فيه شيئاً مثيراً ولن نصدّق أنه سيثير إعجاب أحد!
لكن هذا كله: انعدام الدهشة والإثارة، والحياد المريض الذي يصيب علاقتنا بالشريك، واختفاء قدرتنا على الاحتفاء بهذا الشخص، وأن نحسّ أن غيابه لا يتسبب بحرقة الفقد ولا توتر الأطراف، وحضوره لا يصيبنا بحيوية مفاجئة،… له سبب وحيدٌ، هو العادة!
التعود الذي يحيل علاقتنا بالشريك إلى ماكينة تنتج وجبات الطعام والمصروف اليومي وزيارات الأقارب وتدليل الأطفال وسقاية الأشجار لكنها أبدا لا تنتج الرغبة والإثارة والاندفاع!
التعود هو الذي يقتل دائماً أي بذرة مغامرة، فيقتل الزوج “المرأة” في زوجته، وتقتل الزوجة “الرجل” في زوجها، ويصيران مجرد موظفين عند مؤسسة الزواج.
والمثير للانتباه أنهما لو خرجا كلاهما معاً، أقصد الزوجين اللذين لا يثير أحدهما دهشة الآخر، وجلسا في مقهى أو حفلٍ، فإنهما لن يحتاجا لأكثر من خمس دقائق ليثير كل واحدٍ منهما انتباه شخصٍ آخر على طاولةٍ أخرى!