الغد
ترجمة: علاء الدين أبو زينة
أوروش ليبوشيك* - (كونسورتيوم نيوز) 27/8/2025
يبدو أن النخب الأوروبية، التي عاشت طوال حقبة ما بعد الحرب تحت مظلة الحماية الأميركية، ليست بأي حال قادرة على أن تصبح مستقلة. وليس ما يُسمى بالاستقلالية الاستراتيجية للاتحاد الأوروبي سوى كلام فارغ. إنّه شكل جديد من متلازمة ستوكهولم.(1)
كان الحج الأخير الذي قام به أبرز السياسيين الأوروبيين إلى المكتب البيضاوي في ما يشبه "كانوسا" (2) العصر الحديث بمثابة تأكيد على الانحدار النهائي لأوروبا كقوة سياسية مستقلة.
أعلى السياسيين الأوروبيين، أعضاء ما يسمى بـ"تحالف الراغبين"، الذي سيواصل -على ما يبدو- دعم الحرب في أوكرانيا حتى آخر أوكراني، ذهبوا إلى واشنطن من دون دعوة رسمية كمرافقين غير رسميين للرئيس الأوتوقراطي الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الذي انتهت ولايته الرسمية العام الماضي. ولذلك استُقبلوا في البيت الأبيض بوصفهم مجرد تابعين.
كان اجتماعهم مع الرئيس دونالد ترامب في المكتب البيضاوي أشبه باللقاءات الاحتفالية التي كان يعقدها السلاطين العثمانيون مع تنابلتهم: السلطان يجلس على عرش مرتفع (ترامب وراء مكتبه الضخم المعروف باسم "مكتب العزم" Resolute desk).(3) ولم يكن يُسمح للتابعين بالكلام إلا جوابًا عن أسئلة السلطان تمامًا كما حدث مع ترامب. وكان عليهم أن يرتدوا أفخر حللهم (على سبيل المثال، طالب ترامب زيلينسكي بارتداء ملابس متحضرة).
بهذا السلوك، أذلّ القادة الأوروبيون أنفسهم إلى أبعد حد أمام سيد الإمبراطورية الأميركية. وقد تجلى ذلك في التدافع الذي سبق التقاط الصورة التذكارية الجماعية، حين حاولت أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، أن تضع نفسها بين ترامب والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، لكن ماكرون دفعها بعيدًا بصرامة. وانتهى بها المطاف أخيرًا في أقصى يسار الصورة.
سوف تترك هذه الزيارة التي قام بها من يُسمون أنفسهم النخبة الأوروبية إلى البيت الأبيض عواقب سياسية كبيرة على أوروبا. لقد وضعَت نهاية لفترة التماسك العلني الظاهري للتحالف الغربي الجماعي.
من الآن فصاعدًا، سوف تعطي الولايات المتحدة، بصفتها القوة المهيمنة، الأولوية بشكل علني لمصالحها الاستراتيجية. ومن الواضح أن السياسيين الأوروبيين الذين شاركوا في الدرس الجيوسياسي في المكتب البيضاوي لم يدركوا بعد أن المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة وأوروبا آخذة في التباعد أكثر فأكثر.
ليست الولايات المتحدة مهتمة بأوروبا قوية -حتى لو كانت تابعة. ويؤكد الاتفاق الأخير بين ترامب وفون دير لاين ذلك. فقد وافق الاتحاد الأوروبي، من دون أي مقاومة، على فرض رسوم جمركية بنسبة 15 في المائة على المنتجات الأوروبية في الولايات المتحدة، بينما ستكون المنتجات الأميركية في أوروبا معفاة من كل الرسوم.
وبالإضافة إلى ذلك، تعهّدت فون دير لاين بأن يشتري الاتحاد الأوروبي ما يصل إلى 750 مليار دولار من منتجات الطاقة الأميركية في السنوات المقبلة، وهو ثمن أغلى بأضعاف عدة من ثمن نظيرتها الروسية، وأن تستثمر أوروبا ما لا يقل عن 600 مليار دولار في الصناعة الأميركية. وإذا لم يحدث ذلك، يهدد ترامب بفرض رسوم جمركية أعلى بكثير على المنتجات الأوروبية.
"الاستقلالية" كلمة فارغة بالنسبة لأوروبا
مع ذلك، تصرفت فون دير لاين بغطرسة شديدة خلال زيارتها الأخيرة إلى بكين، بدلًا من أن توافق على زيادة التعاون الذي كان من شأنه أن يخفف على الأقل من مشاكل أوروبا الاقتصادية. وفوق ذلك، وافقت لاحقًا على أن تتمكن الولايات المتحدة من تصدير المحاصيل والأطعمة المعدلة وراثيًا إلى أوروبا.
ليست النخب الأوروبية الحالية، التي عاشت طوال فترة ما بعد الحرب تحت مظلة الحماية الأميركية، قادرة بأي حال من الأحوال على أن تصبح مستقلة. وليس ما تسمى بالاستقلالية الاستراتيجية للاتحاد الأوروبي سوى كلمة فارغة. إنّها شكل جديد مما يُسمى بمتلازمة ستوكهولم، حيث يتماهى المخطوفون مع خاطفيهم بعد فترة من الزمن.
ترتبط مساعي ترامب للسلام أيضًا بطموحاته الشخصية المميزة. إنه يتوقع أنه إذا ما تمكن من تحقيق السلام في أوكرانيا، على الرغم من دعمه النشط للإبادة الجماعية في غزة، فسيفوز بجائزة نوبل للسلام.
إنه يغازل حالة الرئيس الأميركي ثيودور روزفلت، الذي كان أول رئيس أميركي يفوز بالجائزة في العام 1906 بفضل وساطته الناجحة في الحرب بين روسيا واليابان. بعد وساطته، قدّم الطرفان المتحاربان بعض التنازلات؛ وقدمت تنازلات أكبر لأنها، كخاسرة، اعترفت بسيطرة اليابان على كوريا، وتنازلت أيضًا عن منشوريا الجنوبية وبورت آرثر لليابان، بينما منحت اليابان روسيا منشوريا الشمالية. في ذلك الحين كان كلا الطرفين مستعدًا للتسوية.
لكنّ مثل هذا الاتفاق، بالنظر إلى أن الجيش الروسي يقف حاليًا على أعتاب النصر في أوكرانيا، غير ممكن اليوم، حتى من الناحية النظرية.
مع ذلك، وعلى الرغم من المعارضة الشديدة مما يسمى بـ"الدولة العميقة" أو "حزب الحرب" في الولايات المتحدة، يحاول ترامب أن يصور نفسه كصانع سلام سينهي الحرب في أوكرانيا من أجل أن يعيد تركيز الاهتمام على هدفه الرئيسي: الصين، التي يعتبرها تهديدًا جديًا للهيمنة الأميركية العالمية.
يتوقع ترامب أنه إذا اعترف هو (والغرب) بضم روسيا لأربع مقاطعات تم دمجها بالفعل في الاتحاد الروسي -دونيتسك، ولوغانسك، وخيرسون، وزابوريجيا، بالإضافة إلى شبه جزيرة القرم- فإن روسيا ستبتعد تدريجياً عن الصين.
سيكون ذلك تكراراً للسياسة الناجحة للرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون، الذي تمكن -مؤقتًا على الأقل- من استمالة الصين إلى جانبه خلال حقبة الحرب الباردة. ومن شبه المستحيل أن يتحقق مثل هذا الإنجاز الاستراتيجي اليوم، حيث الصين وروسيا منضويتان مع دول "بريكس" الأخرى في مشروع بناء نظام اقتصادي عالمي جديد. ولن يضع بوتين بأي حال من الأحوال روسيا في حلف مع ترامب الذي يبقى غير قابل للتنبؤ على الإطلاق.
كما أن فرض ترامب رسوماً جمركية بنسبة 25 في المائة على الواردات من الهند، لأن دلهي لا تنوي التوقف عن استيراد النفط من روسيا، سهّل بشكل غير مباشر تقارباً سياسياً بين الخصمين اللدودين؛ الصين والهند. وفي نظر الجنوب العالمي، لم يعد يُنظر إلى الولايات المتحدة باعتبارها شريكاً موثوقاً.
في قصيدته Mimo naju tece cas (الوقت ينفد)، يلاحظ الشاعر السلوفيني ألويس غرادنِك أن الزمن يمر بلا هوادة، وأن كل شيء زائل. لكن السياسيين الأوروبيين البارزين لا يبدو أنهم يفهمون هذه القاعدة الأساسية من قوانين الجدل المتعلقة بالقارة العجوز: لقد انتهى الزمن الذي كانت فيه أوروبا تُعتبر قوة استراتيجية.
تقدير شبنغلر
أشار الفيلسوف الألماني أوزفالد شبنغلر، على سبيل المثال، في عمله "انحدار الغرب" قبل أكثر من مائة عام، إلى أن الغرب كان يدخل مرحلة انحدار حتمي، والتي سيحاول وقفها بالقوة. كان الغرب يتحول إلى حضارة بلا طاقة روحية.
هذا الطرح تؤكده اليوم حالة التراجع في أوروبا، التي لم تستطع حتى الآن، على الرغم من اندلاع حرب خطيرة ذات تبعات عالمية على أطرافها منذ أكثر من ثلاث سنوات، أن تطرح مبادرة سلمية أو فكرية واحدة لإنهاء الحرب. بل إنها ترفض بشكل دوغمائي أي اتصال أو حوار مع روسيا.
يقول الاقتصادي الأميركي البارز جيفري ساكس إنه يجد صعوبة في فهم كيف فشلت أوروبا تماماً على هذا النحو. ويقدّر العقيد جاك بود، العضو السابق في جهاز الاستخبارات الاستراتيجية السويسرية، أن السلوك الحالي للنخب السياسية الأوروبية لا يمكن تفسيره بشكل عقلاني، وإنما فقط من خلال التحليل النفسي، لأنها تتصرف ضد المصالح الجوهرية لبلدانها نفسها.
كيف يمكن، على سبيل المثال، للمستشار الألماني فريدريش ميرتس أن يعارض فتح الأنبوب الثاني من خط أنابيب "نورد ستريم" الذي لم يتم تدميره، والذي من شأنه أن يخفف جزئياً من المشاكل الاقتصادية الراهنة لألمانيا، بما أن الطاقة الروسية أرخص بمرات عدة من الأميركية؟
يُعتبر تراجع التصنيع في ألمانيا أحد المصادر الأساسية لتزايد نزعتها نحو العسكرة. والآن، تحاول النخب الحاكمة الألمانية، الكثير منها من ورثة أسلافٍ نازيين، إعادة النمو الاقتصادي بالاعتماد على إعادة عسكرة ألمانيا. وهذا النمط يذكّر بإعادة تسليح ألمانيا قبل الحرب العالمية الثانية.
لذلك، ليس من قبيل المصادفة أن ميرتس يتحدث مجدداً عن أن ألمانيا يجب أن تملك أقوى جيش في أوروبا. إننا نقترب، إذن، من حقبة "الرايخ الرابع" المحتمل القائم على ما يسمى بكينيزية زمن الحرب.
يمكن أن يُحبط الناخبون الألمان هذه الخطط. وتُظهر استطلاعات الرأي أنهم لا يؤيدون استمرار الحرب في أوكرانيا ولا تزايد تورط ألمانيا فيها. وفي الوقت الراهن، يبدو أن الحزب الوحيد القادر على تهديد ميرتس هو "البديل من أجل ألمانيا"، الذي تقرؤه الحكومة على أنه مرتبط بالنازيين الجدد. وهو يواجه حظراً رسمياً في دولة ديمقراطية في حال استمر في كسب الدعم.
كانت ألمانيا منذ أيام المستشار الحديدي، أوتو فون بسمارك على الأقل، مشكلة جدية بالنسبة لأوروبا، سواء حين كانت قوية جداً أو ضعيفة جداً. وعندما يتعلق الأمر بالعسكرة الحالية التي تدعو إليها النخب السياسية الألمانية، يثير بعض المحللين مسألة ما إذا كان توحيد ألمانيا خطأ.
أتذكر أن المؤرخ اليوغوسلافي المعروف فلاديمير ديديجِر، قال لي مرات عدة إن المارشال تيتو، عندما قُسمت ألمانيا إلى دولتين بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، علّق بأنه "لن يمانع لو أنها قُسمت إلى مزيد من الدول".
وفي مؤتمر طهران في العام 1943، قال ونستون تشرشل إن ألمانيا ينبغي أن تُقسم إلى وحدات عدة حتى لا تعود قادرة على تهديد جيرانها. وقال رئيس الوزراء الفرنسي كليمنصو الشيء نفسه في مؤتمر باريس للسلام في العام 1919. وبعد الحروب النابليونية، دعا الدبلوماسي الفرنسي تاليران أيضاً إلى تقسيم ألمانيا.
سوف تظل ألمانيا دائمًا مشكلة أوروبية. ومع ذلك، يتجاهل السياسيون المحافظون الذين يحكمون ألمانيا تماماً القاعدة الجوهرية التي وضعها بسمارك: أن العلاقات الجيدة بين ألمانيا وروسيا هي شرط للاستقرار والسلام في أوروبا.
إضافةً إلى بريطانيا العظمى التي تُظهر عداءها الإمبراطوري السابق تجاه روسيا، تعود ألمانيا مرة أخرى لتكون الخصم الرئيسي لروسيا، على الرغم من اعتمادها الاقتصادي على موسكو. أما فرنسا، فلا تفعل سوى إصدار أصوات بلا معنى.
العقدة الغوردية الأوكرانية
الحقيقة هي أنه حتى لو توصل ترامب وبوتين إلى صيغة مشتركة لإنهاء الحرب في أوكرانيا، فإنهما لن يكونا قادرين على فك العقدة الغوردية الأوكرانية بمفردهما. وحتى لو لم تكن أوروبا جزءاً رسمياً من عملية التفاوض، فإنها قد تحاول إفشالها عن طريق إطالة أمد الصراع أو محاولة تجميده كما هو الحال في شبه الجزيرة الكورية.
وسيكون هذا أسوأ خيار ممكن. سوف تواجه أوروبا صراعاً طويل الأمد على أطرافها. وبذلك ستكون لحل الأزمة الأوكرانية آثار كبرى ليس على حلف الناتو فحسب، بل وأيضاً على وجود الاتحاد الأوروبي نفسه، الذي لم يعد أمراً مسلّماً به.
كما يشير البروفيسور باسكال لوتاز من "دراسات الحياد"، لم يعد الاتحاد الأوروبي يسعى إلى أن يبقى قوة مستقلة. وتتضح الفروق أكثر فأكثر بين مصالح الدول الفردية ومجموعات الدول. لا يمكن للاتحاد الأوروبي أن يصبح أسيراً للروسوفوبيا (رهاب روسيا) لدى دول البلطيق، على سبيل المثال. ما تزال المجر وسلوفاكيا تعارضان بشدة استمرار الحرب الذي تدعو إليه الدول الأوروبية الكبرى.
وستواصل روسيا بلا شك سعيها إلى تحقيق نصر عسكري إذا فشلت جهود السلام، وهو ما قد يؤدي إلى تفكك أوكرانيا كدولة متكاملة. وفي هذه الحالة، قد يُفتح مجدداً ملف جميع الحدود الأوروبية لما بعد الحرب.
هل ستحاول وارسو ضم ذلك الجزء من أوكرانيا الذي كان جزءاً من بولندا قبل الحرب العالمية الثانية؟ وهل سيُعاد النظر في الحدود بين ألمانيا وبولندا التي رُسمت بعد تلك الحرب؟ لا يرغب أي سياسي في الاتحاد الأوروبي في التفكير بهذا.
لقد صرحت موسكو مراراً بأنها لن تسمح تحت أي ظرف من الظروف بأن ترسل دول أعضاء في (الناتو) قوات حفظ سلام إلى أوكرانيا بأي شكل من الأشكال. ومع ذلك، يصرّ القادة الألمان والبريطانيون والفرنسيون على أن هذا الاحتمال ما يزال قائماً. ومن الناحية العملية لا توجد أي إمكانية للوصول إلى تسوية.
سوف تكون أفضل ضمانة لأمن أوكرانيا وحصانتها، وفقاً لساكس، هي حصولها على ضمانات مشابهة لتلك التي حصلت عليها النمسا حين أعلنت حيادها بموجب معاهدة دولة في العام 1955. كان ذلك شرطاً لانسحاب الجيش السوفياتي. وقد أثبتت هذه الصيغة أنها أنجع ضمانة أمنية لأي بلد. والشرط المسبق لهذا الحل هو أن تصبح أوكرانيا رسمياً دولة محايدة وتتخلى عن طموحها في الانضمام إلى (الناتو)، وهو ما تطالب به روسيا بينما ترفضه أوكرانيا حتى الآن.
إن إنشاء هيكل أمني جديد في أوروبا هو أمر في غاية الأهمية للقارة والعالم، بحيث تكون روسيا جزءاً لا يتجزأ منه. لكنّ الإعلان الأميركي الأخير عن نية إنشاء ممر أميركي يمتد على مدى 99 عاماً في جنوب القوقاز بين أرمينيا وأذربيجان ليس مؤشراً مشجعاً على أن واشنطن تنوي التوقف عن المضي في سياستها الرامية إلى تطويق روسيا عسكرياً. ويقترح بعض المحللين أنه نظراً لكون أوروبا جزءًا لا يتجزأ من القارة الأوراسية، فيجب أن تُدرج الصين أيضاً في هذا الهيكل بوصفها ضامناً.
لو أن الغرب، أو السياسيين الأميركيين البارزين، وافقوا على طلبات ميخائيل غورباتشوف وبوريس يلتسين وبوتين بضم روسيا إلى (الناتو) بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، أو على الأقل بعدم توسيع الحلف ليشمل أراضي الاتحاد السوفياتي السابق (ولو لم تبدأ السلطات الأوكرانية باضطهاد الأقلية الروسية بعد انقلاب كييف في العام 2014)، لما كنا نواجه اليوم أسوأ أزمة تشهدها القارة الأوروبية منذ العام 1945.
لم تكن الحرب في أوكرانيا نتيجة لإمبريالية روسية مزعومة أو لرغبة روسيا في توسيع مجال نفوذها. إنها نتاج سياسة واعية من المحافظين الجدد الأميركيين تهدف إلى إضعاف روسيا -أو حتى تفكيكها كدولة، لإعادة روسيا إلى وضع التسعينيات، والضغط على الصين للحد من صعودها المستمر. وجوهر المسألة أنها محاولة من الغرب لمواصلة حكم العالم، تماماً كما فعل لقرون وفي فترة ما بعد الحرب.
كانت فترات عدم الاستقرار المشابهة التي عُرفت بالمصطلح اللاتيني "Antebellum" (أي ما قبل الحرب)، سمة ثابتة في التاريخ. ولعل الفارق الوحيد بين الماضي والحاضر هو أن الأسلحة النووية لم تكن معروفة آنذاك. إن أمامنا خيارين: السلام أو الدمار الشامل.
*د. أوروش ليبوشيك: صحفي ومؤرخ سلوفيني، كان مراسل شبكة "آر. تي. في. سلوفينيا" لفترة طويلة لدى الأمم المتحدة والولايات المتحدة والصين. وكان مرشحاً لبرلمان الاتحاد الأوروبي في العام 2024. وهو حالياً أستاذ في جامعة إيموني (الجامعة الأورومتوسطية) في بيران، سلوفينيا. له كتب ودراسات عدة في التاريخ، من بينها: "آفي ويلسون: الولايات المتحدة وإعادة تشكيل سلوفينيا في فرساي 1919-1920"، (2003)؛ و"الأنانية المقدسة: السلوفينيون في قبضة المعاهدة السرية اللندنية لعام 1915"، (2012).
هوامش المترجم:
(1) متلازمة ستوكهولم Stockholm Syndrome: هي حالة نفسية معقدة تنشأ عند بعض ضحايا الخطف أو الأسر أو العنف، حيث يطوّر الضحية تعاطفاً أو تعلّقاً عاطفياً مع الجاني الذي يحتجزه أو يسيطر عليه. يظهر هذا التعاطف في شكل الدفاع عن الجاني، أو تبرير سلوكه، أو حتى رفض مساعدة السلطات في تحريره. تعود التسمية إلى حادثة وقعت في العام 1973 في العاصمة السويدية ستوكهولم، حين أبدى رهائن بنك تعاطفاً علنياً مع خاطفيهم أثناء وبعد احتجازهم. ويُفسَّر هذا السلوك عادةً كآلية دفاع نفسي تساعد الضحية على التكيّف مع الخوف والتهديد المستمر بالبحث عن أي شعور بالأمان أو الود، حتى لو جاء من الجاني نفسه.
(2) كانوسا Canossa: بلدة صغيرة في إقليم إميليا-رومانيا شمال إيطاليا، ارتبط اسمها تاريخيًا بحادثة وقعت في العام 1077 وعُرفت بـ"الذهاب إلى كانوسا"، حين اضطر الإمبراطور هنري الرابع إلى التوجه إلى قلعة كانوسا حيث أقامت الكونتيسة ماتيلدا، لطلب العفو من البابا غريغوري السابع بعد حرمانه كنسيًا. وهناك وقف ثلاثة أيام حافي القدمين في الثلج أمام القلعة حتى رُفع الحرمان عنه. وأصبحت "كانوسا" منذ ذلك الحين رمزًا للتذلل السياسي أمام السلطة الدينية.
(3) "مكتب العزم" Resolute desk: هو اسم المكتب الرئاسي الشهير الموجود في "المكتب البيضاوي" في البيت الأبيض. سُمّي بهذا الاسم لأنه صُنع في العام 1880 من خشب سفينة بريطانية تدعى "إتش إم إس ريزولوت" HMS Resolute، وهي سفينة أبحاث قطبية كانت تابعة للبحرية الملكية البريطانية. قدمت الملكة فيكتوريا المكتب هدية للولايات المتحدة بعد أن استُرجعت السفينة، كلفتة صداقة.