عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    22-Apr-2019

"مقهى النهضة" نموذج جديد للشراكة بين مؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص

 

 
عمان - الدستور - في المنطقة الواقعة بين الدوّارين الأول والثاني في العاصمة الأردنية عمّان والتي تجسّد روح المدينة وسيرة تطورها، وفي الشارع الخلفي لمتحف الحياة البرلمانية بما يمثّله من قيمة ودلالة رمزية، ووسط بيئة حضرية تحتضن مدرسة حكومية للإناث، ومديرية للأحوال المدنية والجوازات، ومبنى السفارة العراقية ببوابته المشهورة، ومجتمع محلي يجمع بين سكان الحي العريقين واللاجئين من مختلف الدول الذين اتخذوا من الأردن والمدينة والمكان ملاذاً لهم.. وقع الاختيار على مبنى حجريّ من طابقين وروف وفناء عمّاني يختزن ذاكرة المكان، ويعكس الطراز الحضري للمدينة خلال أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي، ليكون مقرّاً للمشروع الريادي الجديد الذي تطلقه منظمة النهضة العربية (أرض) بالتعاون مع شركة بريشس جيمز (Precious Gems) الأردنية: مقهى النهضة.
 
المقهى، بخلاف ما يوحي الاسم، ليس (قهوة) أو (كوفي شوب) بالمعنى التجاري والشعبي الدارج لهاتين الكلمتين؛ "مقهى النهضة" هو مقهى ثقافي صُمم ليكون نواة لحاضنة أعمال (Business Incubator) عصرية متكاملة تضم بين جنباتها مركزاً للتدريب على الحرف التقليدية والتراثية، وصالة عرض للمشغولات والتحف اليدوية، ومطعماً إنتاجياً مفتوحا أمام السيّاح والعامّة بما يعزز فكرة السياحة الحضرية والسياحة الإنسانية في آن واحد.
 
اسم ومسّمى:
 
المقهى في التجربة العربية المعاصرة ليس مجرد مكان للترفيه وتمضية وقت الفراغ، أو "مشروعاً تجارياً" هدفه الأول والأخير تحقيق الربح المادي؛ فالمقهى قبل هذا وذاك هو "فضاء اجتماعي تفاعلي" يتواصل عبره الناس، ويتعرّفون على بعضهم البعض، ويتبادلون آراءهم، ويوطّدون علاقاتهم.
 
والمقهى هو "مؤسسة اجتماعية وسيطة" يتعلّم من خلالها الفرد قيم وعادات وتقاليد مجتمعه، ويصقل معارفه واهتماماته ومهاراته المعاشية، ويطوّر ذاته الاجتماعية التي تمنحه موقعه ومكانته وقيمته في مجتمعه ويتواصل عبرها مع بيئته المحيطة والعالم الخارجي.
 
والمقهى هو "صالون أدبي وفني وسياسي" لطالما احتضن نقاشات المثقّفين والمفكّرين، وإبداعات الشعراء والكتّاب والرسّامين والمغنّين والملحنين والعازفين و"المونولوجية" و"المشخصاتية" والممثلين، ومناظرات الحزبيين والناشطين والشخصيات الوطنية وقادة الرأي والشخصيات العامّة والصحفيين.
 
من هنا جاءت فكرة إطلاق مسمّى "مقهى النهضة" على المشروع كما توضح الرئيسية التنفيذية لمنظمة النهضة العربية (أرض) الأستاذة "سمر محارب"، ومن هنا أيضاً جاء الإصرار على بقاء الاسم كما هو باللغة الإنجليزية: (Maqha Al-Nahda)، وعدم استخدام كلمة (Cafe) أو (Coffee House) كترجمة حرفية، وذلك لترسيخ كلمة مقهى العربية في أذهان الجميع، ولإرساء كلمة (MAQHA) ضمن خطاب النهضة الإنسانية ومعجم ألفاظ ومعاني وأدبيات الحضارة الإنسانية.
 
منظور شمولي
 
أما عن فكرة المشروع نفسها، فتبيّن "محارب" أن هذا النموذج للشراكة بين منظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص يأتي في سياق السعي لاستعادة وتفعيل الدور التنموي للمستثمرين ورجال الأعمال المحليين في إطار مفهوم المسؤولية المجتمعية، وفي نفس الوقت مساعدة منظمات المجتمع المدني الوطنية في إيجاد مصادر ذاتية للدخل والتمويل تخفف من اعتمادهم على أموال المانحين بما يضمن الاستدامة والاستقلالية.
 
كما أن نموذج الأعمال هذا يتماهى مع مشروع النهضة الذي تسعى (أرض) لإرسائه بتغطيته كافة جوانب عملها والمفاهيم التي تسعى لترسيخهاعبرمختلف البرامج والمشاريع التي تنفذها مثل: التعافي الاقتصادي، التمكين الاقتصادي، التشغيل الذاتي، الوفاق الأهلي والتضامن المجتمعي، الريادة، الإبداع، الحفاظ على التراث المادي والشفهي، نقل المعرفة، اللجوء والتهجير، محليّة العمل الإنساني.
 
ويقوم نموذج الشراكة الذي يتبناه مشروع "مقهى النهضة" على تغطية المستثمر أو رجل الأعمال رأس المال اللازم بما في ذلك ثمن المبنى وكلف تجهيزه وترخصيه وتشغيله بكون ملكية المبنى في نهاية المطاف تؤول إليه، في حين تقوم مؤسسة المجتمع المدني بتوجيه مشاريع التدريب والتأهيل والتمكين الاقتصادي التي تنفذها بالتعاون مع المانحين والداعمين عبر حاضنة الأعمال هذه، ووفق المعايير التي تتبعها والمناهج التدريبية التي تعتمدها.. بحيث تتقاضي المنظمة في نهاية المطاف نسبة من صافي الأرباح التي يحققها المشروع.
 
قيمة مضافة.. وصعوبات:
 
من جانبه بيّن مالك المبنى ومدير عام شركة "بريشس جمز" السيد "كريم نفّاع" أن الذي دفعه كمستثمر لخوض غمار الشراكة مع مؤسسة مجتمع مدني هو الحاجة الملحّة إلى الأيدي العاملة المدرّبة والمؤهلة للقيام بالأعمال اليدوية والتراثية بدقة وحرفيّة عالية، ومحدودية هذه الفئة حالياً في السوق الأردنية بصورة تؤدي أحيانا إلى نوع من احتكار البعض للسوق والقطاع برمّته.
 
وفي المقابل، شكّل تدفّق الكثير من اللاجئين إلى الأردن من الذين يتمتعون بخبرة طويلة وعريقة بمهارات وأصول وتقاليد الحرف التراثية فرصة سانحة للاستفادة منهم من أجل  نقل المعرفة، وتدريب الحرفيين والعمّال الأردنيين، وتطوير مناهج تعليمية معتمدة، الارتقاء بجودة المنتجات نحو الأفضل، الأمر الذي يساعد في تلبية الطلب على الأيدي العاملة المحترفة، وزيادة الإنتاج والمعروض من هذه المنتجات بصورة تجعلها متاحة بأسعار مقبولة للسائح والمشتري المحلي على حد سواء. ومن هنا يأتي إسهام مؤسسة مجتمع مدني مثل (أرض) في ضوء برامج التمكين والتدريب وبناء القدرات التي تنفّذها، ولامتلاكها الخبرة في التعامل مع المواطنين من أبناء المجتمعات المحلية واللاجئين على حد سواء.
 
وبالنسبة للصعوبات التي واجهت حاضنة الأعمال/ مقهى النهضة، يبيّن "نفّاع"أنها هي نفسها ذات الصعوبات التي تواجه أي مستثمر محلي أو عربي أو أجنبي يحاول الاستثمار في الأردن وتجعل منه بيئة غير جاذبة للاستثمارات: المعاملات والإجراءات الحكومية المتعلقة بالتراخيص.
 
كما أن التكلفة العالية لأي مشروع استثماري داخل الأردن مقارنة مع المردود المادي المتوقّع منه هي من المشاكل الأساسية بحسب "نفّاع"، داعياً  للاستفادة من الأيدي العاملة المدرّبة، وتطويرها، ودعمها من خلال تطوير التشريعات المتعلقة بالاستثمار بما يكفل توفير فرض العمل المناسبة لها حتى لا تضطر للبحث عن عمل خارج الأردن.