عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    22-Nov-2021

الإذاعات الصباحية وتكريس السلبية*رمزي الغزوي

 الدستور

إذا كان تحديد نوع العلاقة بين رجل وسيدة في سيارة، يحتاج إلى بعض خبرة في رصد وتتبع اتجاه النظرات فيما بينهما؛ فإن قراءة مستويات عبوسنا في سياراتنا صباحا، لا تحتاج إلى أية خبرة أو لماحية تذكر. فنحن نبدو، وكأننا عائدون من يوم عمل شاق مليء بالمنغصات؛ بسبب غمرنا ببرنامج إذاعية تشعرنا أن الدنيا سوداء مقفهرة.
 
ولا أعرف ما هي فلسفتنا وحكمتنا في اختيار الصباح ليكون موعداً لمثل هذه البرامج التي تضخ وتنفث كميات فلكية من التشاؤم والطاقة السلبية. مع أن الاصل أن تكون ساعات الصباح محملة بالبشائر والإيجابية وبوادر الأمل؛ كي نقوى على مجابهة حياة تنهكها العثرات.
 
للأسف الشديد نحن لم نبق موضة لبرنامج إذاعي يردح ويمزق النفسية، ويبدد الطاقة ويعلي من شأن «الشكونة» والتباكي والتسول والاستجداء إلا وأدخلناها في أسماعنا فانعكست على صفحات وجوهنا. ولو جربنا العكس ربما لتغيرت الصورة وتدفقت البسمات على الوجوه.
 
بالطبع أنا لا أعمم أبدا، فثمة برامج محترمة تعي أهمية بث الطاقة الإيجابية في الناس صباحا. لكني أدين تلك المستنسخة المكررة البالية التي تبرمجنا نفسياً على أن الخراب عام طام، وأن ما من أحد مرتاح، حتى احتل الجفاف أفكارنا، وقطع الشؤم كل خيط أمل قد تنسجه أنفسنا المتعبة.
 
من جانب آخر نلحظ أن بعضاً من تلك البرامج قد استغلت بخبث حاجات الناس، وركبت ضعف حيلتهم، وأوجاعهم ورغبتهم في حل قضاياهم، حتى شكّلت لديهم قناعات أنها قادرة على حل كل شيء. فالشارع المليء بالحفر لن يسوّى ما لم يتصل المذيع الفلاني برئيس البلدية، والمريض المسخم لن يعالج ما لم نتصل بمدير المستشفى، ونهمّر عليه بعنجهية فارغة أقرب إلى التمثيل السخيف.
 
لو كنت صاحب قرار لمنعت كل برنامج صباحي يكرّس السلبية، ويطين حياة الناس بالسخام وعتم القضايا، وهم ينطلقون إلى أبواب رزقهم. وهنا لا أنفي وجود المشاكل والقضايا ولا أقلل بالطبع من حاجات الناس، بل أرى أن الإيجابية عامل مساند في حلها. لكن وعلى ما يبدو، فإن بعض تلك البرامج اتخذت السلبية صنارة لتصيد المستمعين فقط. فماذا أنجزت غير الفهلوة والتنمر، وجعل المسؤول الخائف لا يتحرك لأداء واجبه؛ إلا إذا دغدغنا له أصابع أرجل غروره عبر أثيرها.
 
الأخطر من كل هذا، أن بعض البرامج عملت وبإمعان مريب على كسر الحاجز النفسي للناس عن إراقة ماء وجوههم، وجعلتهم أجرأ على التسول المفتوح العلني المعيب، وعلى الاستجداء غير المقبول، وأماتت فيهم التعفف والكبرياء وعزة النفس.