الدستور
صدر حديثًا الكتاب الجديد بعنوان «العالم العربي، الإسلام والغرب: المظالم والحواجز» (The Arab World, Islam & the West: Grievances & Barriers)، للمؤلف محمد العاصي الصبيحات، باللغة الإنجليزية، بهدف مخاطبة القارئ الغربي بلغته الأصلية والتفاعل مع وعيه وثقافته بصورة مباشرة.
يقع الكتاب في نحو ألف صفحة من القطع المتوسط، ويستعرض جذور العلاقة الإشكالية الممتدة بين العالم العربي والغرب منذ غزو الإسكندر المقدوني عام 332 قبل الميلاد، مرورًا بالاحتلال الأوروبي الاستعماري الذي استمر قرابة ألف عام، حتى تحرير المنطقة في معركة اليرموك الكبرى عام 636 ميلادية بقيادة خالد بن الوليد. ويرى المؤلف أن الطبيعة العدوانية التوسعية للحضارة الغربية، التي امتدت إلى ما بعد تأسيس الولايات المتحدة، شكّلت العامل الرئيس وراء تلك الصراعات، وهي ما تزال مستمرة بصور مختلفة حتى اليوم.
يركز الصبيحات على الحقبة المعاصرة الممتدة من الحرب العالمية الأولى وحتى نكبة فلسطين عام 1948 وما بعدها، محللًا الأثر التاريخي والسياسي لتلك الأحداث في تشكيل العلاقة الراهنة بين الطرفين.
ويشير المؤلف إلى أن الهدف من إصدار الكتاب بالإنجليزية هو الوصول إلى عقل وضمير القارئ الغربي — من سياسيين ومشرعين وأكاديميين وجمهور عام — في ظل تنامي الوعي العالمي بالمظالم التاريخية التي تعرّض لها العالم العربي من المغرب إلى إندونيسيا، بما في ذلك الحروب على العراق وأفغانستان وغزة والضفة الغربية. ويسعى الكتاب إلى تصحيح الصور النمطية والتشوهات الثقافية المتجذّرة في الوعي الغربي تجاه العرب والمسلمين، ولا سيّما اتهامهم بالعنف والإرهاب.
ولتعميق الفهم الموضوعي للحضارة العربية الإسلامية، يعرض المؤلف منظومة القيم الأخلاقية القرآنية التي تشكل جوهر الثقافة العربية، من عدل ورحمة وأمانة وبرّ الوالدين ومساعدة الفقراء واحترام المرأة وصون حقوقها، إلى جانب ثقافة السلام والتسامح والوسطية وحرية المعتقد والضمير، كما أقرّها القرآن الكريم وكرّستها صحيفة المدينة نموذجًا للتعايش.
كما يتناول الكاتب مفهوم الجهاد في سياقه الصحيح، مؤكدًا أنه شُرّع للدفاع عن النفس ونصرة المظلوم، مسلمًا كان أم غير مسلم، مفنّدًا الأسطورة الغربية التي تروّج لانتشار الإسلام بالسيف، والتي رسّخها بعض المستشرقين مثل برنارد لويس وصموئيل هنتنغتون، والذين تصدّى لهم المفكر العربي الفلسطيني إدوارد سعيد في كتابه الشهير الاستشراق، واصفًا أطروحة صراع الحضارات بأنها «صراع الجهل».
ويمتد الكتاب إلى معالجة القضايا الكبرى التي تواجه العالم العربي المعاصر، وفي مقدمتها غياب الديمقراطية وتداول السلطة، وانعدام الوحدة العربية، وتبعية بعض الأنظمة للغرب، إلى جانب ضعف استثمار الموارد البشرية والمادية الهائلة وموقع المنطقة الاستراتيجي. ويرى الصبيحات أن العالم العربي، رغم ما يجمعه من لغة وثقافة وتاريخ ودين وجغرافيا، يفتقر إلى الإرادة السياسية التي تمكّنه من أن يكون قوة مؤثرة في النظام العالمي.
وفي هذا السياق، يشير المؤلف إلى أن غياب الوحدة العربية أتاح قيام الكيان الصهيوني، الذي لم يجلب للمنطقة سوى الحروب والدمار والعنف، متوقفًا عند العدوان المستمر على قطاع غزة بوصفه تجليًا صارخًا للبربرية الصهيونية، ووصمة عار على جبين الإنسانية، خصوصًا القوى التي تسانده.
وتأخذ القضية الفلسطينية حيّزًا محوريًا في الكتاب، بوصفها «أمّ المظالم»، لما مثّلته من مأساة ممتدة منذ 77 عامًا، بلغت ذروتها في حرب الإبادة والتجويع الجارية على غزة.
وفي خاتمة الكتاب، يدعو الصبيحات إلى علاقة تصالحية بين العالمين العربي/الإسلامي والغرب، قائمة على الاحترام المتبادل والندية، بعيدًا عن الهيمنة والتدخلات العسكرية. ويؤكد أن أي علاقة مستدامة ومنصفة لا يمكن أن تقوم إلا بين شعوب ديمقراطية متكافئة، في عالم عربي يحكمه القانون ويؤمن بالتداول السلمي للسلطة، وغرب يتخلّى عن ازدواجية المعايير، لتُبنى العلاقة على المصالح المشتركة والعدالة لا على التغوّل والقوة.