عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    23-Nov-2025

"مع حسن في غزة".. محاكاة سينمائية "تنبش" ذاكرة الغزيين

 الغد-تغريد السعايدة

الدوحة – تستمر العروض والفعاليات الفنية السينمائية، ومنها ما يعرض للمرة الأولى في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وسط حضور متميز، من مجموعة من الفنانين والمهتمين بتطوير القطاع السينمائي في العالم العربي.
الأفلام عُرضت في أماكن عدة في الدوحة، لإتاحة المجال للاطلاع على مجموعة منتقاة من الأفلام التي تناسب جميع أفراد العائلة، وكلها ذات رسالة وقيمة سامية، وتسلط الضوء على قضايا تشغل العالم.
"مع حسن في غزة"، فيلم مليء بالصور والمشاهد الحقيقية المصورة بكل عفوية بكاميرا تصوير تحاكي واقع الحال قبل ما يقارب 25 عاماً، وقد تأخذ المشاهد وأهل غزة على وجه التحديد، إلى عالم من الذكريات المبتورة، صاغها بكل بساطة المخرج كمال الجعفري، والفيلم يعرض للمرة الأولى في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
غزة قبل عقدين من الزمان
يبدأ الفيلم بلقطات لسيارة تسير في شوارع على جانبيها مبانٍ متهاكلة، منها ما دمر ومنها ما بقي على حاله يفي بالغرض، مسكن وإقامة، ليتبين أن المخرج كمال الجعفري، وسائق سيارة التكسي التي تنقله بين شوارع غزة هما بطلا الفيلم ويتحدث فيه حسن بكل ما أوتي من طاقه، عن شرح لتفاصيل الحياة في غزة إبان الانتفاضة في الضفة الغربية.
يرافق تلك المشاهد حديث بصوت وعبارات تحاكي الحياة في غزة منذ ذلك الوقت، وحتى يومنا هذا، وفيها "كأمطار كانون بلادي يسقط دمنا بغزارة، وكنهر جار يتدفق دمنا بغزارة"، لتتابع المشاهد بعد ذلك مع حسن في غزة، الذي يعمل في هذا اليوم دليلاً ومساعداً للجعفري الذي جاء باحثاً عن صديق السجن وزميله. في فيلم يعج بصور لغزة قبل عقدين من الزمان، باتت الآن ورغم بساطة تلك المواقع، غائبة عن الوجود، ولم يبق لها أثر بسبب الحرب الأخيرة.
كل شخص يشاهد صورا ومقاطع مصورة بكاميرا الفيديو القديمة قد يحمله الحنين إلى الأماكن التي ارتبط بها في حياته، بينما قد يكون الحال بالنسبة لغزة مختلف نوعاً ما، ما بين ذكريات تنهض ويعاد تدميرها، وما بين ركام بيوتٍ غاب أصحابها، تبقى الكاميرا هي القادرة على الاحتفاظ بتلك الصور، حتى وإن غابت أجساد أصحابها.
أطفال ووجوه متعبة في الفيلم
هذا الفيلم يعالج تفاصيل حياة الغزيين، وتم تصويره بكاميرا تصوير تقليدية، كانت بحوزة الجعفري، لذا، لم يكن التصوير بذات الجودة، القوية، ولكنه مليئ بمعاني الحياة المتهالكة في القطاع، وأصوات أبواق جيش الاحتلال تصدح نداءاتها كل حين، وتظهر خلال تواجد حسن والجعفري في أحد مواقع الدمار التي تم قصفها.
المقاطع صورها الجعفري وقام بتجميعها من أرشيفه الخاص، وفي ذاكرته التي نبشها قبل سنوات ليخرج بهذا العمل السينمائي، الذي هو فقط حوار بسيط ما بين سكان القطاع الذين قابلهم، وتزينت تلك اللقطات بصوت أمواج البحر على شواطئ غزة الجريحة.
مشاهد الأطفال اللذين وقفوا أمام كاميرا الجعفري يتراكضون حوله، حيث تظهر وجوههم المتعبة.
المشاهد مليئة بالعفوية الصادقة والبساطة، التي كان يحيا بها اهل غزة خلال فترة ما يقارب عقدين من الزمان، التي تضمنت تلك الجوله مع سائق التكسي "حسن في غزة"، وسط أحياء قديمة يتجول فيها الجعفري، هدمت الآن بعد حروب متتالية مرت علي القطاع، وقد يكون من اللافت أن الأطفال في كل مرة يطلبون منه أن يصورهم، وكأنها رساله لأرشفة صورهم التي يمكن أن تغيب ملامحها كما ملامح غزة. 
وتظهر في الفيلم معالم كثيرة من الدمار في تلك الفترة، منها ما أعيد ترميمه ولكن عادت الحرب المسعورة الأخيرة، لتدمر آخر رمق من ذاكرة الغزيين، ويجد حسن نفسه وكأنه دليل سياحي للإجرام الذي لم ينقطع عن غزة على مدار عقود.
يكون لحرب غزة الأخيرة تأثيرا أكبر في جذب المشاهدين لمثل هذه الأفلام التي تحاكي الواقع المرير للقطاع منذ عقود، بل ومنهم من قد يعود لمشاهدة هذه الأفلام على أمل الحصول على صورة وذاكرة باتتا تحت الركام. 
محاولة لنقل الحقيقة للعالم 
الحديث الذي يدور بين الجعفري وحسن أن الجيش الإسرائيلي يتعمد قصف او إطلاق النار على كل من يقوم بالتصوير، خوفا من نقل الحقيقة للعالم الخارجي، وهذا ما استمر لغاية الآن وبدا جلياً خلال الخرب الأخيرة واستشهاد مئات الصحفيين. 
جدران مليئة بعبارات المقاومة في أحياء بدا واضحا عليها الفقر في مخيمات القطاع، ومنذ ذاك الوقت يتبادل السكان عبارات "وقف اطلاق النار، خيام النازحين، نزوح، دمار"، وخاصة خلال أحداث الانتفاضة التي كانت دائرة في مدن الضفة الغربية. 
يطالب الناس الجعفري بالتصوير، على أمل أن يصل صوتهم للعالم ويتغير الحال ولكن للأسف بقي الحال على ما هو أصعب ودارت الحرب من جديد لـ"تأكل الأخضر واليابس"، فيما يلاحقه الأطفال بقولهم" صورني" ظنا منهم أنها كفيله بحماية ملامحهم. 
وخلال تنقل الجعفري مع حسن في السيارة، كانت تظهر عبارات يحكي فيها ما تعرض له في السجون خلال الاعتقال حتى انتهى به الحال، بأن الحياة هي السجن.
ويشار إلى أن شخصية حسن بالفيلم هي حقيقية، شارك في هذا الحوار وكان الجعفري حريص على ان يكون العمل بإسم ذلك الغزي "حسن"، وشارك في إنتاجه دول عدة، في الوقت الذي صرح فيه الجعفري سابقاً عن أن هذا العمل ما هو إلا تحية لغزة وشعبها، لإعادة شريط الذكريات المنسي بمقاطع ومشاهد مصورة قديمة.