الدستورد. سلطان الخضور
ما أعذب الماضي في نظر الكاتب، فكل الكتاب والأدباء والشعراء يحاولون استرجاع مواضيهم ومواضي آبائهم، وخاصة ما يتعلق بمدنهم وقراهم حين تكون محتلّة وحين يكونون قد أجبروا على الرّحيل عنها، وها هي الأديبة كفاية عوجان تخيط بالمسلّة نفسها.
أطلت عوجان بكتابها الصادر عن دار الخليج للنّشر والتّوزيع عام 2024 تحت عنوان «واحد وأربعون قمرًا، أدباء من قرية زكريّا» والذي صنّفته أنّه من كتب التراجم كما أشارت على الجهة الخلفيّة من الغلاف،» أطلّت لتوثّق الماضي وتربطه بالحاضر، ولتربط الزّمان والمكان بمن سكنوه أو سكنه آباؤهم أو أجدادهم، وهذا لعمري ربط مفيد على المدى القصير والبعيد، وفيه من التوثيق ما يؤكد على أن هناك مكان - قرية - أسمها «زكريا» قطنها الكثيرون قبل أن تلمحها عيون الغرباء السّارقين المارقين على التاريخ.
وزكريّا كما أشارت الكاتبة في الصفحات الأولى من كتابها وقد اعتمدت مراجع ومصادر عديدة للتّوثيق، تقع على تلّة في خاصرة السّفوح الغربيّة للسّاحل الفلسطيني شمال غرب محافظة الخليل، وهي من القرى المحتلة عام 1948 تتربع على 15320 دونمًا، يقول أهلها أنّها تنسب إلى النّبي زكريّا «عليه السلام» حيث كان قد دفن فيها، وتشتهر زكريّا بأوديتها وجبالها ومضافات أهلها، ومقامات الصّالحين، وزوايا التّصوّف، وخربها ومدرستها التي بنيت عام 1921، وقد بلغ عدد سكانها عام 1945 ألف ومئة وثمانون نسمة جلّهم من المسلمين.
وقد امتدت هذه القرية نحو الجهات الأربعة واعتمد أهلها على الزّراعة كمصدر للرزق حيث زرعوا الخضار والفواكه والزيتون والحبوب، ومنهم من اعتمد على تربية الماشية.
وتقول الكاتبة أن زكريّا مثلما أسهمت في النضال الفلسطيني وقدّمت كثيرًا من الشّهداء، أسهمت أيضًا في عالم الفكر والأدب والسّياسة وتعرضت للحصار من قبل عصابات الهاجانا ولواء جفعاتي في حرب عام 1948.
وقد استعرضت الكاتبة عوجان في كتابها واحدًا وأربعين قمرًا كما أشارت في عنوان الكتاب جلّهم أدباء وأديبات من قرية زكريا، حيث أجادت التنوّع من حيث التجنيس البشري والأدبي ومن مختلف الأعمار والدرجة العلميّة، وكل من له باع في حقل الثّقافة والأدب.
واتّبعت الكاتبة منهجيّة علميّة في الكتابة من عنونة دالّة على المضمون وفهرسة دقيقة ومجموعة من المراجع والمصادر التي استعانت بها أثناء الكتابة، ومقدّمة تناولت فيها فكرة إصدار هذا الكتاب وبيّنت التحدّيات التي واجهتها أثناء الكتابة وشكرت كل من تعاون معها ليرى كتابها النور.
وقد عمدت الكاتبة إلى تزويد غلاف الكتاب الأمامي والخلفي بصور تمثّل المعالم الأثريّة لقرية زكريّا في إشارة إلى الأهمّيّة التاريخية للقرية.
وحكّمت الكاتبة ترتيب الأبجديّة ليكون حكمًا من حيث التقديم والتّأخير في تناولها للأسماء، لتشير إلى عدم تحيّزها لشخص دون آخر، حيث شمل الكتاب على السّيرة الذّاتيّة لكل منهم وما تميّز به ونماذج من أعماله ونتاجاته الأدبيّة أو العلميّة أو المعرفيّة، ما جعل الكتاب مرجعًا مهمًّا ممكن الرّكون إليه للباحثين والدارسين المعنيين والمهتمّين، وما يلفت الانتباه أنّ معظم هؤلاء الأدباء عاش وترعرع خارج الوطن وأنّ عددًا قليلًا منهم من مواليد قرية زكريّا، وهم من كبار السّن وأن الكثير منهم عاش في مخيمات اللّجوء.
وقد تنوّعت الشخصيّات التي تمّت الكتابة عنها من حيث التخصّصية والاهتمام، حيث تنوع هؤلاء بين روائي وقاص وشاعر وناقد وباحث وفنّان تشكيلي وكاتب مسرحي وصحفي وقاضٍ ومؤرّخ وإعلامي ومعلّم ومحقّق للأحاديث النّبويّة ومترجم، لكنّها فرّقتهم المهن ووحّدهم الأدب بأجناسه المختلفة.