عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    07-Nov-2019

لاجئ قتل الربيع العربي.. أينما وُجدت الجريمة وُجدت بصماته - أحمد درويش
 
الجزيرة - لعلنا نتوقف اليوم مع شخصية غريبة الأطوار من حيث التكوين والتأثير في المنطقة العربية، فقد بدأ حياته لاجئًا مع أسرته، أي أنه ذاق مرارة الغربة وترك الوطن والديار، ولكن شيئًا من ذلك لم يؤثر في الرجل أو يشفع عنده لملايين ذاقوا مرارة ما ذاقه، فبعد استقرار أوضاعه راح يبعثر كل طاولة من شأنها أن تؤتي ثمارًا طيبة تعيد حقوق الشعوب العربية المكلومة في أوطانها، فقد خاض الرجل رحلتين أولهما اللجوء من أجل العيش في أمان والثانية اللجوء إلى قصور الأنظمة المستبدة من أجل جني المزيد من المال والنفوذ والسلطان ولو على حساب ملايين المضطهدين والأبرياء واللاجئين هنا وهناك.
 
نشأته واشتغاله بالسياسة
هو محمد يوسف شاكر دحلان، فلسطيني الجنسية من مواليد غزة عام 1961، ومن أسرة لاجئة، بدأ حياته السياسية في ثمانينيات القرن الماضي عندما شارك بتأسيس الشبيبة الفتحاوية، قضى خمس سنوات في السجون الإسرائيلية في الفترة من 1981 - 1986 قبل ترحيله إلى الأردن عام 1988، وانضم بعد ذلك إلى منظمة التحرير الفلسطينية واجتمع بياسر عرفات زعيم المنظمة في تونس ونال ثقته، وبعد توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993 واستلام السلطة الفلسطينية حكم قطاع غزة وبعض أجزاء من الضفة الغربية، أصبح دحلان بأمر من عرفات رئيسًا لجهاز الأمن الوقائي، المختص بقمع حركات المقاومة الداخلية التي من شأنها تعطيل التفاهمات مع الإسرائيليين، ومع تصاعد القمع في منتصف التسعينيات بدأت تلحق بدحلان العديد من الشكوك والاتهامات حول عمله وكيلًا لجيش الاحتلال في الأراضي الفلسطينية، وتشكلت حركة البداية في تاريخ الكراهية بين حركة حماس من جهة ودحلان ومعاونيه من جهة أخرى. 
 
ثروته المشبوهة
تتهم تركيا الإمارات بتوفير 3 مليارات دولار لتمويل الحركة الانقلابية فيها عام 2016، وكشفت المصادر أن دحلان نَقَلَ الأموال إلى الحركة الانقلابية عبر رجل أعمال فلسطيني مقيم في الولايات المتحدة الأمريكية
في عام 1997 نُشرت تقارير تُعرف بفضيحة معبر كارني والتي كشفت أن 40 في المئة من الضرائب المحصلة من الاحتلال عن رسوم المعبر والمقدرَّة بمليون شيكل شهريًا كانت تُحوَّل لحساب سلطة المعابر الوطنية الفلسطينية التي اتضح فيما بعد أنها حساب شخصي لمدير جهاز الأمن الوقائي في حينه محمد دحلان، وقد كوَّن دحلان ثروة شخصية تُقدر بـ 120 مليون دولار عام 2005 مستغلًا إدارته سيئة السمعة للمعابر بين إسرائيل وقطاع غزة.
 
زعامة العصابات
دحلان الذي يتحدث اللغة العبرية بطلاقة حَرَص على التقرب من الإسرائليين بشكل كبير، وقد أقر نائب وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق زئيف بويم في لقاء سُجل عام 2004 بمسؤولية رجال دحلان عن قتل أربعين من معارضيه، كما يتمتع دحلان بتأييد إسرائيل التي حرصت منذ اللحظة الأولى على نقل السيطرة في غزة إليه، خشية انتقالها إلى حماس أو أية جهة أخرى يكلفها عرفات. يُتهم دحلان بتأسيس فرقة الموت، ومهمتها الرئيسية هي قمع مناوئي السلطة الفلسطينية، ويُعتقد أن قوامها يتكون من مجرمين ذوي محكوميات عالية، وتطال تلك الفرقة اتهامات بتنفيذ عمليات سرية لصالح إسرائيل مثل اغتيال القيادي في حركة حماس محمود المبحوح بدبي عام 2010، وبعد رفض عرفات تعيين دحلان وزيرًا للداخلية، استقال دحلان من منصبه في الأمن الوقائي عام 2002 وبدأ التسويق لنفسه، وفي فترة الحصار الإسرائيلي على عرفات تزعم دحلان ما يُعرف بـ "عصابة الخمسة" للإحاطة بياسر عرفات، وبالرغم من فشله في تحقيق مآربه إلا أن حياته السياسية لم تنتهِ بالمؤامرة تلك، فقد أصبح وزيرًا للشؤون الامنية عام 2003 ثم وزيرًا للشؤون المدنية بعد وفاة عرفات عام 2004.
 
عهد التآمر والصراعات
قاد دحلان الهارب في أوروبا حملات قمع كبيرة بحق أفراد حركة حماس بعد فوزها عام 2006 بانتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني، وانتشرت عدة مقاطع مصوَّرة تظهر عصابات دحلان وقتها وهي تهتف قائلة: "بالروح.. بالدم.. نفديك يا دحلان"، ووقعت حرب أهليّة حقيقية بسبب تلك العصابات، ولم تنتهِ تلك الحرب إلا بفرض حماس سيطرتها العسكرية على كامل قطاع غزة عام 2007، فعاد دحلان إلى الضفة الغربية عام 2008 ليقود مؤامرة جديدة بنفسه، ولكن هذه المرة ضد الرئيس محمود عباس، إلا أنه سرعان ما انتهت معركته بهروبه بعد أن واجهه عباس بتهم الفساد والرشوة وقَت�'ل عرفات بالتنسيق مع إسرائيل، وهو الأمر ذاته الذي ذكرته القناة العاشرة الإسرائيلية حيث قالت إنها حصلت على وثيقة أعدتها لجنة التحقيق في وفاة الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات تؤكد بشكل قاطع، أن محمد دحلان هو من قام باستبدال دواء كان يتعاطاه عرفات بآخر مسموم.
 
مهندس الثورات المضادة
بعد فراره من عباس اتجه دحلان إلى الإمارات، ليبدأ عصره الزَّاهي ويصبح مستشارًا أمنيًا لدى ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، حيث جمعتهما قضية واحدة تحت شعار واحد "لا لصعود الإسلام السياسي.. ولا لانتصار ثورات الربيع العربي"، فساهم دحلان بالتخطيط للانقلاب العسكري في مصر عن طريق دعم حركة تمرد؛ للعمل على تقويض حكم الرئيس محمد مرسي، كما قام بتمويل المظاهرات التي تم تنظيمها في إطار الإعداد لانقلاب عبد الفتاح السيسي عام 2013، وكشفت صحيفة لوموند الفرنسية أن دحلان اقتحم أيضًا المجال الإعلامي، إذ شارك في إطلاق "قناة الغد" بمدينة الإنتاج الإعلامي، التي كان يديرها الصحفي عبد اللطيف المناوي حتى الأول من نوفمبر 2016، والذي يُعرف بولائه الشديد لنظام الرئيس المخلوع حسني مبارك، كما دعم دحلان الثورة المضادة في ليبيا حيث ساهم في استمرار المعارك الدائرة في ليبيا، خاصة في منطقة برقة، وهو أحد أبرز المشرفين على تهريب الأسلحة الإماراتية والمرتزقة إلى معسكر اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر.
 
كما تتهم تركيا الإمارات بتوفير 3 مليارات دولار لتمويل الحركة الانقلابية فيها عام 2016، وكشفت المصادر أن دحلان نَقَلَ الأموال إلى الحركة الانقلابية عبر رجل أعمال فلسطيني مقيم في الولايات المتحدة الأمريكية، مؤكدة أن هذا الرجل معروف للمخابرات التركية، وأفاد ديفيد هيرست مدير تحرير صحيفة "middle east eye" في تقارير له، أن محمد دحلان صاحب قناة الغد الفضائية نقل أموالًا إلى جماعة فتح الله غولن المتهم الرئيسي في محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا، وحسب هيرست فإن دحلان تواصل مع غولن في الولايات المتحدة ونقل الأموال إلى الانقلابيين قبل أسابيع من الانقلاب، كما ظهر أيضًا غولن في مقابلة على قناة الغد بعد محاولة الانقلاب الفاشلة ودعا الغرب للتدخل في تركيا؛ للإطاحة بأردوغان وحكومة العدالة والتنمية وقال إن تركيا تشهد حربًا أهلية.
 
عرَّاب العلاقات الإماراتية الصربية
هروب دحلان المتواصل خارج فلسطين ساعده على تكوين شبكة علاقات قوية في أوروبا الشرقية خصوصًا في صربيا التي يرأس وزراءها صديقه ألكسندر فوسيتش، وسرعان ما استغل دحلان هذه الصداقة لتحسين علاقات صربيا بالإمارات عن طريق توقيع اتفاقيات بمليارات الدولارات، قوامها استثمارات اقتصادية وصفقات أسلحة ضخمة وُجهت لدعم أجندة الإمارات العسكرية في ليبيا ومصر واليمن وإخماد ثورات الربيع العربي. ولفت التقرير الذي نشرته الجارديان البريطانية عن منح جمهورية صربيا -التي ارتكبت قواتها مجازر واسعة ضد المسلمين خلال عقد التسعينيات- جنسيتها لمحمد دحلان وعائلته وخمسة من السياسيين المقربين منه، وردًا للجميل منح الرئيس الصربي، محمد دحلان في أبريل 2013، وسام العلم الصربي لمساهمته في تدعيم العلاقات بين صربيا والإمارات.
 
قضية خاشقجي
كشفت صحيفة يني شفق التركية أن فريقًا مكونًا من أربعة أشخاص تابعًا لدحلان وصل إلى تركيا قادمًا من لبنان قبل يوم واحد من جريمة القتل، ودخل القنصلية في يوم مقتل خاشقجي، وقام بمحاولة طمس الأدلة المتعلقة بجريمة القتل، وأضافت أنه يُعتَقد أن الفريق نفسه هو الذي كان وراء اغتيال القيادي الحمساوي محمود المبحوح بدبي، وقد توصل جهاز الاستخبارات التركية لأسماء الفريق وتفاصيل متعلقة بأنشطته، وأكدت المصادر المقربة من ابن زايد ومحمد بن سلمان، بحسب الصحيفة، أن دحلان التقى بهما على يختٍ خاص، فطلبا منه أن يقبل بالإعلان عن كونه الرأس المدبر والمخطط والآمر لقتل خاشقجي بهدف إبعاد التهمة عن محمد بن سلمان وتبرئة ساحته، إلا أنه رفض تمامًا ما طُلب منه؛ لأن الأمر أصبح يتعلق برقبته في قضية بات صداها عالميًا ودوليًا، والنجاة من نيل العقاب فيها يكاد يكون صفرًا في المئة.
 
هذا النموذج الذي استعرضنا الحديث عن بعض جرائمه من المؤكد أنه ليس الوحيد في عالمنا العربي، خاصة بعد تسارع وتهافت المتملقين والمنتفعين وراء تلك الأعمال التي يطلبها سادتهم وزعمائهم من سندة الظلم والطغيان؛ لمحو آثار ما تبقى من الربيع العربي الذي حلمت به شعوب المنطقة يومًا ما، ولكن ما يبعث الأمل أن الشعوب ما زالت متيقظة والفئران الجائرة تتردد ما بين جحورها وقصور سادتها بأيادٍ مرتعشة غير آمنة.