الدستور
لم يتعافَ لبنان الشقيق منذ خمسة عقود. كثر اللاعبون والمتلاعبون بأمنه واستقراره ومصالح دولته وشعبه.
الجرح السوري ما زال ينزف منذ أربعة عشر عامًا، دمار وقتل ولجوء وقهر وجوع.
ولم يعد العراق عما كان عليه قبل غزو الكويت وحرب الخليج الثانية والاحتلال الغربي.
ثماني دول عربية ضربها زلزال الربيع العربي. خسر الأشقاء منازلهم وممتلكاتهم وأمنهم وتعليمهم. أهينت كرامات الناس وانتهكت أعراض.
مرت أمتنا بالكثير من المحن، ودخلت في عهود من الاستعمار والاستقطاب والاحتلال.
بالكثير من الفخر تحدث قادة ومسؤولون عرب عن نفوذ إيران في أربع دول عربية، قال أحدهم إن الأرض لمن يدافع عنها، وهو يقصد النظام وليس الوطن طبعًا.. غزة كانت المحنة الكبرى، ومنها دخلنا في نكبة أكبر.
لماذا يقف الأردن صلبًا شامخًا وسط كل هذه الانهيارات؟
في مواجهة الأزمات الكبرى يجلس الأردنيون إلى طاولة اعتادوا عليها منذ عقود. يتحاورون ويتشاركون الرأي والمسؤولية. يرعى جلالة الملك الحوار ويضمن حسن التنفيذ.
بالكثير من الصبر والحكمة، تعالج قيادتنا كل خلل، وتتحمل التجاوزات والصوت العالي والاتهامات والتشكيك، وتتجاوز عن المسيء وتصفح من ثقة ومقدرة.
ثمة متربصون بالأردن لا تخطئهم العيون، يعرفهم الأردنيون جيدًا، وقوى إقليمية تريد توسيع نفوذها، وأشقاء وأصدقاء عبثوا باستقرار المنطقة وآمال الناس فيها.
غير أن تربص الداخل أشد خطرًا على أي مجتمع، على أي دولة ومؤسساتها وشعبها.
في الأردن قيادة حكيمة تعمل ليل نهار للتحديث والتطوير وخدمة الشعب والأمة، وقوات مسلحة وأجهزة أمنية تحمي الوطن ومنجزاته، وشعب عربي أصيل يحافظ على الوطن الأغلى الذي بناه الآباء والأجداد على مدى قرن من الزمان، ومؤسسات هي محل فخر واعتزاز للأجيال.
تربص الداخل مؤلم. أصحاب الأصوات العالية، ومثيرو الشغب ومثيرو المشاعر والعشائر أرادوا إشاعة أجواء الفوضى مستغلين أزمات سياسية أو اقتصادية تؤثر على المنطقة عمومًا، للتشكيك بالدولة وسياساتها وإدارتها.
يزرعون مشاعر اليأس والفوضى، فنحصد التطرف والإرهاب.
غريب أمر البعض.. أحزاب وحركات وجماعات ماتت في معاقلها، وما زالت تعيش فيما بينها، تتسامح الدولة معها، فتزداد جحودًا وإنكارًا.
أحزاب وحركات وجماعات محظورة في معظم الدول العربية وفي كل العالم، حتى في منشئها الأول، وموصوفة بالتطرف، وفوق كل ذلك يلام الأردن على تسامحه معها.
الإرهاب يبدأ بفكرة يروج لها المتطرفون والجاحدون والنرجسيون والمغالبون، وينتهي بالقتل والدمار.
القاسم المشترك بين المتهمين الستة عشر هو أنهم ينتمون إلى جماعة الإخوان المسلمين. بيان الجماعة حملهم المسؤولية الشخصية عن أفعالهم.
هذا هو الموقف حتى اللحظة، أي حتى ما قبل المحاكمة لدى محكمة أمن الدولة.
لا بد أن تكشف المحاكمة عن الممولين والموجهين والداعمين «والمؤثرين» كذلك.
لا بد أن تكشف إن كان التحريض في الشارع مجرد حاضنة للتطرف أم إدارة له.