عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    25-Aug-2024

تغيير المسار الوظيفي.. استثمار في المستقبل أم مخاطرة يخوضها الشباب؟

 الغد-رشا كناكرية

 في عالم الأعمال المتطور والمتسارع والمتغير، يسعى كثيرون للعثور على عمل يحاكي شغفهم. البعض يشعرون بأنهم لم يجدوا بعدُ المكانَ الذي يتناسب وطموحاتهم وأهدافهم في هذه الحياة، ويدفعهم هذا الشعور إلى البحث عن الذات واكتشاف المسار والطريق الأفضل لهم.
 
 
في المقابل، يتجه العديد من الشباب إلى تغيير مسارهم المهني بعيدا من الركود المرتبط بالتخصص الجامعي وارتفاع معدلات البطالة. فهم يعلمون جيدا أن فرص العمل في مجال دراستهم قد تبقى محدودة، ويسعون لبناء مستقبل مهني أكثر ازدهارا ونجاحا.
 
تغيير المسار الوظيفي، أو ما يطلق عليه "career shifts"، هو قرار يدفع إليه العديد من الأشخاص بحثاً عن فرص جديدة في التطور المهني، وتحقيق الذات، وإحداث تغيير في الحياة العملية.
بعد تخرجها في هندسة القوى وآلات كهربائية العام 2016، واجهت ياسمين طارق، صعوبة في العثور على وظيفة في تخصصها حالها حال الكثير من الخريجين. وبعد ثمانية أشهر، بدأت عملها كمندوبة مبيعات في إحدى شركات التوريدات الكهربائية. خلال فترة عملها، عملت في إعداد العطاءات، والمبيعات، وحتى المحتوى الرقمي وإدارة وسائل التواصل الاجتماعي. وبينما كانت تؤدي هذه المهام، اكتشفت شغفا خاصا بالجانب الذي تتقنه.
وجدت ياسمين أن جميع المهام التي تفعلها تندرج تحت المسمى الوظيفي "تطوير الأعمال Business Development"، وهو يجمع بين المبيعات والتسويق وجوانب أخرى كثيرة.
ومن هنا بدأت ياسمين في الدراسة الذاتية، إذ قامت بشراء مجموعة كتب أونلاين من الولايات المتحدة ثم بدأت بالتحضير لامتحان "مدير تطوير أعمال معتمد" من الولايات المتحدة في نهاية العام 2019.
وتذكر ياسمين أن هدفها كان منذ البداية أن تصبح "مدير تطوير أعمال" ولكن لم تكن لديها خبرة عملية في السوق، كانت جميعها كتبا ونظريات، لذلك، خلال فترة التحضير للامتحان، بدأت بتطبيق ما درسته بشكل نظري من خلال البدء بتأسيس عملها الحرّ كـ "مطور أعمال" لإحدى شركات الطاقة الشمسية في بداية سنة 2020 واستمرت بعملها الحرّ لمدة عام ونصف مع عملاء مختلفين من الأردن وأستراليا ودول أخرى، في مجالات وصناعات مختلفة.
وفي منتصف عام 2021، حصلت ياسمين أخيرًا على منصب مدير تطوير الأعمال في إحدى الشركات المتوسطة الحجم وفي نهاية العام قررت أن تثق بحدسها وتستقيل بدون أي خطة احتياطية، على حد قولها، ومنذ ذلك الحين كرّست نفسها بالكامل لعملي الحر "كمطوّرة أعمال وكاتبة محتوى بيعي copywriter".
بالإضافة إلى عملها الحر، قامت ياسمين بإنشاء منصة "سكن" في نهاية الربع الأول من عام 2022 وكتبت دليلا كاملا تفاعليا وواقعيا تمامًا فيه خطوات عملية بالتفصيل لتغيير المسار الوظيفي بغض النظر عن خلفية الفرد التعليمية أو عدد سنوات الخبرة، لأنها تؤمن أن هذه المعلومة يجب أن تكون متاحة للجميع، وأن الفرد حتى لو لم يختر تخصصه أو مساره الوظيفي من قبل، فإنه ما زال لديه الحرية والقرار ليتخذ مسارًا آخر. تقول "الآن القرار يبدأ بك أنت".
دراسة محمد (36 عاما) لتخصص السياحة لم تساعده في إيجاد عمل بشكل سريع، ليدرك في وقتها أن أمامه طريق طويل ليحصل على وظيفة تناسب دراسته، وبعد انتظار طال لأشهر، استطاع أن يعمل في تخصصه غير أن المردود المالي لم يكن كما توقعه.
اختار البحث بمجال بعيد عن تخصصه ليحصل على فرص أكثر ودخل أفضل، وسعى خلال سنوات عمله إلى التطور واكتساب مهارات جديدة ليصعد خطوة بخطوة في هذا العمل ويحصد خبرة سنين مكنته من نيل مناصب مهمة في عمله.
تشير اللايف كوتش والباحثة الأكاديمية فيروز مصطفى إلى أن أحد الدوافع الرئيسة لتغيير المسار الوظيفي هو عدم توفر فرص عمل في التخصص الأصلي، فبعد التخرج لا يجدون وظيفة تتناسب مع دراستهم، مما يدفعهم للبحث عن فرص في مجالات أخرى، أو انتظار فرصة في مجال آخر. وتغيير المسار الوظيفي الذي يحدث بشكل واع بحسب مصطفى، يأتي من شخص يعمل في مجاله ولديه خبرات طويلة ولكن اكتشف في نقطة معينة أن هذا المسار لا يشبهه، ويسعى لاكتشاف ذاته وقدراته ومواهبه في مكان آخر.
ووفق مصطفى فإنه بالمدرسة اليابانية هنالك طرق تساعد كل شخص على أن يكتشف الطريق الأفضل ويعني أن كل إنسان عبارة عن مجموعة من المهارات التي تظهر على الشخص من الطفولة في سمات شخصيته التي تناسب مجالا ما، وترشده للطريق الأفضل والذي سيبدع به.
وتذكر مصطفى أنه عندما يقرر الشخص تغيير المسار الوظيفي يأخذ هذه الموهبة ويصقلها، ويكتسب مهارات لها علاقة بالمهنة، مبينة أن هنالك مهارات يكتسبها بشهادة ومؤهل علمي مثل الماجستير أو الدبلوم، وكورسات وتدريبات، فالمهارات مرتبطة بالمهنة نفسها ولكن الأهم من المهارات هو الوضوح، بمعنى أن الشخص يتأكد أنه يغير مسار وظيفته لأجل مستقبل أفضل.
وتنوّه مصطفى إلى أن التغيير يأتي ليتناسب مع ميول وشغف الفرد ويؤدي إلى تحقيق عدة فوائد. فمن جهة، يساهم في زيادة الرضا. ومن جهة أخرى، يفتح فرصا جديدة للابتكار والإبداع.
وتشدد مصطفى أن تغيير المسار الوظيفي هو سلاح ذو حدين، لذلك تنصح دائما أن يكون مع الفرد مدرب "كوتش" ليعرض أمامه الأوراق وجميع الخيارات، حيث يقوم باختبارات عميقة ضمن منهجية كاملة في المناهج اليابانية وليست مجرد اختبارات سطحية، ومنها يأتي التعرف على شخصية الفرد وما يناسبه من المسار الوظيفي.
من جهته يشير الخبير الاقتصادي حسام عايش إلى أن هناك فجوة كبيرة بين الدراسة الجامعية ومتطلبات سوق العمل. فالكثير من التخصصات الجامعية، سواء كانت إنسانية أو علمية، قد لا تتناسب مع احتياجات سوق العمل المتغيرة باستمرار، ما يضاعف من صعوبة إيجاد وظيفة مناسبة.
ويوضح عايش أننا نتحدث عن تغيرات متسارعة في سوق العمل وفي إدخال التكنولوجيا الرقمية والأتمتة والذكاء الصناعي ما يهدد 60-70 % من الوظائف الحالية كما يقول خبراء.
ووفق عايش فإن سوق العمل في الأردن يتغير بشكل سريع قياسا للأوضاع الاقتصادية العامة، مما يؤثر على مستقبل الخريجين وأهمية الاتجاه لمسارات جديدة.
ويبين عايش أن الشباب ينتقلون بين الوظائف، ويحاولون أن يجدوا لأنفسهم طريقا بالبحث عن الفرصة المناسبة، لافتا الى أن كثيرين ممن تفوقوا في أعمال ووظائف وابتكارات لم تكن مرتبطة بالتخصص الذي درسوه في الجامعة، إنما تسلحوا بالمعرفة وتقنيات التفكير وأدواتها المختلفة.
واقتصاديا تغيير المسار الوظيفي هو عملية تلقيح للوظائف والمهن بتخصصات ومعارف ربما تكون جديدة، وهو نوع من أنواع التدوير الوظيفي والمعرفي من أجل بلورة طريق مهني لهؤلاء الشباب للمضي قدما فيه، وعندما ينتقل الشاب من العمل بتخصصه إلى العمل في مهن خارج نطاق تخصصه، فإنه يتطور ويتحسن وضعه الوظيفي.
وعلى الفرد أن يعزز نفسه بالمعارف الجديدة والمتغيرة، وأن يحصل على المدخلات التعليمية ذات الصلة بعمله، وكذلك عليه أن يدعم تقدمه الوظيفي بالكثير من الدورات والمعارف والتدريب والحصول على شهادات علمية تعزز المهنة الجديدة.
ووفقا لذلك يؤكد عايش أن المسار الوظيفي الجديد للشباب يثري العملية الاقتصادية، وأيضاً يقلل من معدلات البطالة. فالتنقل في الوظائف والمهن المختلفة وسيلة مهمة لأن يجد الشاب نفسه لا ينتظر وظيفة على طبق من ذهب تتناسب وتخصصه. 
المسار الوظيفي أحد عوامل النمو الاقتصادي المستدام والمتواصل، وأحد أهم موشرات التنمية البشرية الجيدة في الأردن، كما يدعم فكرة الاستقلال عن التخصص بما يؤدي إلى توسيع قاعدة المهن والوظائف المختلفة.
ويختم عايش حديثه بأن الشباب قادر على أن يسلك طريقا مختلفا وأن يقدم إنجازا متقدما يساهم في تحسين الأداء المهني والاقتصادي والاجتماعي والوظيفي وعبر توفير الإمكانية لأن يكون الشاب قادرا ومبدعا ومبتكرا في المسار الذي يسلكه.