ظواهر مُستجدَّة في مسارات الحرب!*د. أحمد بطّاح
الراي
إنّ المتابع المتأمل لمجريات الحرب الدائرة الآن بين إسرائيل وخصومها في الإقليم يلاحظ بروز عدد من الظواهر التي لا يمكن التغاضي عنها والتي تميز هذه الحرب عن غيرها من الحروب ولعلّ أهمها:
أولاً: أنّ هذه الحرب تدور بين إسرائيل ومنظمات أو جماعات مسلحة (حماس، حزب الله، أنصار الله....) وليس بين الجيش الإسرائيلي وجيوش تقليدية، وهذه الجماعات هي ما يُطلق عليها في اللغة الإنجليزية (Non-state actors) ومن الواضح أنّ هذه المنظمات أو الجماعات مسلحة جيداً، ومدربة جيدة، وذات عقيدة (أو أيديولوجية)، وهي في الواقع تخوض ما يُسّمى حروباً "غير متناظرةً" مع الجيش الإسرائيلي.
ثانياً: أن إسرائيل مارست في هذه الحرب عدداً كبيراً ومهماً من الاغتيالات، ففيما يتعلق بحماس اغتالت اثنين من رؤساء المكتب السياسي وهما: إسماعيل هنية، ويحيى السنوار مهندس السابع من أكتوبر (مع أنّ الأخير لم تتمكن من اغتياله بالطريقة المعتادة أيّ جمع المعلومات ثم مهاجمة الهدف)، وفيما يتعلق بحزب الله اغتالت إسرائيل الأمين العام للحزب الشيخ حسن نصر الله بما له من رمزية، وربما خليفته (هاشم صفي الدين) وعدد غير قليل من أركان المنظمتين: عسكريين ومدنيين، والواقع أنّ إسرائيل تتبنى سياسة ثابتة بشأن هذا الموضوع وهي اغتيال الزعامات المهمة في الحركات النضالية وكلنا يذكر اغتيالها لغسان كنفاني، وخليل الوزير، والشيخ أحمد ياسين وغيرهم وذلك اعتقاداً منها أنّ هذه الاغتيالات تُعيق مسيرة الكفاح ضدها، فضلاً عن تأثيرها المتوقع على معنويات الشعب وإشعاره بالإحباط وفقدان الأمل في الانتصار.
ثالثاً: طول مدة الحرب، فهذه الحرب التي بدأت في السابع من أكتوبر 2023 ما زالت مستمرة حتى الآن بل وأخذت أبعاداً أخرى حيث وصلت إلى اليمن والعراق فضلاً عن سوريا، ولبنان، وفلسطين، والواقع أنّ أطول حرب حصلت تاريخياً بين العرب وإسرائيل هي حرب العاشر من رمضان (أكتوبر) 1973 حيث امتدت ثلاثة أسابيع تقريباً، والطريف في الموضوع أن الدولة التي كانت تسعى دائماً لتقصير مدة الحرب وهي إسرائيل بحكم صغر مساحتها ( 21,000 كم) واعتمادها على الاحتياطي في جيشها هي التي تُصر الآن على استمرار الحرب لتحقيق أهدافها المعلنة وهي: القضاء على حماس، واسترداد "الرهائن"، وضمان عدم تشكيل قطاع غزة خطراً مستقبلياً عليها، وإعادة مُهجري الشمال الإسرائيلي إلى أماكن سكناهم.
رابعاً: انخراط إيران في الحرب ولو جزئياً: لقد كانت استراتيجية إيران دائماً دعم الحلفاء (أو الأذرع إن شئت) بكل ما يحتاجونه من سلاح، وتدريب، ومال مع عدم الانجرار إلى الحرب مباشرهً لما قد يكون لها من أثر على اقتصادها المُنهك تحت طائلة العقوبات الاقتصادية (وبالذات الأميركية)، وخوفاً من ضرب برنامجها النووي، ولكن مع تطور مجريات الحرب اضطرت إيران إلى مهاجمة إسرائيل فيما سمته الوعد الصادق 1 بسبب الاعتداء على قنصليتها في دمشق، والوعد الصادق 2 بسبب اغتيال إسماعيل هنية في طهران وحسن نصر الله في لبنان، والواقع أن إيران تلقت رداً إسرائيلياً فجر أمس تهدد بأنها سترد عليه، الأمر الذي يعني إمكانية دخولها في حرب محدودة مع إسرائيل أو حتى في حرب إقليمية لا يعرف أحد مآلاتها النهائية.
خامساً: ممارسة الإبادة الجماعية: إذْ لعلّنا لا نُبالغ إذا قلنا إنّ إسرائيل لا تشن حرباً الآن على قطاع غزة وإلى حدٍ ما في الضفة الغربية وجنوب لبنان بل إنها تمارس إبادة جماعية بكل معنى الكلمة فقد دمرت أكثر من 70% من مساكن المواطنين وقتلت أكثر من 41,000 وجرحت أكثر من 95,000 فلسطيني في القطاع المنكوب فضلاً عمّا فعلته في الضفة الغربية ولبنان، الأمر الذي دفع محكمة العدل الدولية -وهي أعلى هيئة تحكم بين الدول وتتبع للأمم المتحدة- إلى اتهامها مبدئياً بالإبادة الجماعية، بل وطالبتها باتخاذ عدد من الإجراءَات التي تخفف من شراسة حربها الهمجية في القطاع، وفي نفس السياق وجدنا أنّ مدعي عام محكمة الجنايات الدولية -وهي أعلى محكمة عالمية تحكم بين الأفراد- يتهم رئيس وزراء إسرائيل نتنياهو، ووزير دفاعه جالانت بأنهما مجرما حرب!
سادساً: اعتماد إسرائيل شبه الكلي على الولايات المتحدة والغرب: فلقد بدا واضحاً أنه لولا المساعدة الأميركية الضخمة وغير المسبوقة (أكثر من 50,000 طن من الأسلحة، وعشرات المليارات من الدولارات، وتوفير غطاء سياسي لكل ما تفعله إسرائيل) لما استطاعت إسرائيل أن تصمد طوال السنة الفائتة، ولعلّنا لا نُغالي إذا قلنا إنّ الغرب (وبالذات الولايات المتحدة) لم يكتفِ بتقديم الدعم: العسكري، والاقتصادي، والسياسي لإسرائيل بل شاركها فعلياً في مجريات الحرب، الأمر الذي بدا جلياً في التصدي للهجوم الإيراني الأول، وفي التصدي لأنصار الله الحوثيين في اليمن، وفي تزويد إسرائيل أخيراً بأفضل ما أنتجته المصانع الأميركية في مجال الدفاع الجوي وهي منظومة "ثاد" (Thaad) التي يُراد لها أن تدافع عن إسرائيل في حال ردها على الهجوم الإيراني المنتظر.
وعلى أية حال فإنّ الحرب ما زالت دائرة، وقد تكون الأيام حُبلى بكثير من الظواهر المستجدة الأخرى.