عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    15-Feb-2021

جغرافيا القهر في الأردن (بمناسبة قصة النائب والمصنع)* أحمد ابو خليل
الأول نيوز – هي قصة المركز والأطراف، ونحن نشترك بها مع دول عديدة، وفي بعض الحالات انفجرت بسببها مشكلات كبيرة.
 
لو راقبنا توزيع حدة الفقر في خارطة الأردن، لوجدنا بسهولة أنه يتوزع بعيدا عن المراكز، إذا تتنافس منطقتا الرويشد في أقصى الشمال الشرقي، ووادي عربة في أقصى الجنوب الغربي، على المركز الأول في قائمة جيوب الفقر، يليهما الأغوار الجنوبية ثم لواء مريغة والحسينية والديسة/ معان، ثم أقضية البادية الشمالية وعرجان في عجلون وام رصاص جنوب عمان ودير علا ولواء عين الباشا شمال عمان.
 
تعالوا نستدرك قليلا، لنقول إن حدة الفقر المقصودة هنا تعني نسبة الفقراء لعدد السكان وقسوة الفقر وليس العدد المطلق للفقراء. فبحكم توزيع السكان في البلد، فإن العدد الأكبر منهم يوجد حتماً في المدن والمحافظات الكبيرة، والعاصمة بالذات، لكن قسوة الفقر الحضري أخف مقارنة بفقر الريف والبادية، لأن هذه المناطق تخلو من أي منفذ يمكن للفقير أن يلجأ إليه.
 
تتوزع العديد من الاستثمارات الكبرى في مناطق الأطراف، وتتجه العيون نحوها في الصناعات الكبيرة وخاصة الملوثة للبيئة.
 
بالإجمال، حظ الأطراف من التنمية قليل وفرص التصعيد محدودة منذ التسعينات، التعليم أدنى جودة وخدمات الصحة كذلك، وصعوبات الموقع والجغرافيا والبيئة العامة. التفاصيل عندي كثيرة، هل تعلمون مثلا أن الرويشد لا يوجد في مدارسها التوجيهي العلمي، وهو ما يعني حصر الفرص امام طلابها، وهل تعلمون ان اول خريج جامعي من لواء مريغة جنوبا تخرج عام 1979 وليس قبل ذلك؟ وعندما اتحدث عن قسوة الفقر، فهي تصل إلى حد أن لا يستطيع المضيف تقديم كاس شاي مثلا، أو ان تشترك 5 بيوت في مرحاض واحد في الخلاء، رأيت ذلك بعيني في قرية في البادية الشمالية.
 
خلال العقود الأخيرة، دمرت النشاطات التقليدية للسكان في هذه المناطق، أقصد تربية الحلال والزراعة. كما تقلص بالتدريج حجم استيعاب جهاز الدولة العسكري لأبناء هذه المناطق.
 
الأصعب،انه خلال الفترة ذاتها، أنفقت موازات كبيرة باسم هذه المناطق وحصل مستثمرون على تسهيلات وإعفاءات تحت عنوان دعم الأطراف، ولكن كل مردود ذلك لم يصل إلى الفقراء إلا بشكل محدود.
 
على هذا ترافق القهر مع الفقر في هذه المناطق.
 
لقد تم تقديم المستثمرين بصفتهم “أصحاب أفضال” وذوي نفوس طيبة، همهم توفير فرص العمل، وعلينا شكرهم دوما خشية أن يغضبوا ويسحبوا فلوسهم.
 
هذه وحدة من الخرافات التنموية في بلدنا.
 
من الطبيعي أن المستثمر يهدف إلى تعظيم ثروته، وهذا حقه، وهو أيضا يعني بصورة ما تعظيم الثروة الوطنية. لكن مسؤوليته تجاه المجتمع ككل، وخاصة تجاه المجتمع المحلي، ليست حسنة او صدقة منه، وبالطبع ليست “خاوة” يدفعها رغما عنه. ففي كل انحاء الدنيا هذا هو دوره الذي من دونه لا تتطور أعماله.
 
في كثير من الحالات، تقع الاستثمارات بجوار مناطق إقامة وسكن العشائر، ويحتج كثيرون على عبارة “أراضي العشيرة” ويقولون إن هذه دولة مواطنين. وهذا صحيح لكنه مشروط بأن لا تكون السياسات منحازة ضد الفقراء.
 
تشكل علاقة العشائر مع الأراضي جزءا هاما من تاريخ الناس وتاريخ البلد أيضا، وعلى الذين يرفعون الصوت بان المستثمرين يدفعون أموالهم في هذه الأرض، ان يتذكروا أن أبناء هذه العشائر دفعوا دماءهم في هذه الأرض. العجارمة على سبيل المثال دفعوا دما منذ تأسيس الدولة وقبل ذلك، ومثلهم العشائر الأخرى التي قد تصطدم بالاستثمارات التي لا يطالها منها إلا الأذى وخاصة في الجنوب.
 
في سنوات مضت، اعتاد المستثمرون على تنظيم علاقات زبائنية مع شخصيات من المجتمع المحلي، فيعطونهم مناصب وهمية او اموال، على أن يتكفل هؤلاء بترتيب العلاقة مع المجتمع ككل.
 
كان هذا ممكنا ومقبولا في زمن كانت فيه فرص تجاوز الفقر او التحايل عليه متوفرة.
 
العاقل في الحكم، هو من يعمل على ان لا يتجاور الفقر مع القهر.