سجالات مشروع الدستور المعدل* د. سيـف الجنيـدي
الغد
ما إن فرغت الحكومة من وضع الصيغة النهائية لمشروع التعديل الدستوري للعام 2021 -الذي جاء من مخرجات عمل اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية-، حتى عدنا طواعيةً متخصصين ومثقفين وحتى نخباً إلى دائرتنا المُفرغة حول ضبابية فهم طبيعة النظام الدستوري الأردني؛ بسبب غياب الإدراك لمفهوم الملكية الدستورية، ومبدأ الفصل بين السلطات، ومن قبل هذا فقدان الإحاطة النفسية والتاريخية بالمبادئ التأسيسية للدولة الأردنية.
يكمن محل الجدال الرئيس في مشروع التعديل الدستوري باستحداث مجلس الأمن الوطني والسياسة الخارجية برئاسة الملك، وعضوية: رئيس الوزراء، وزير الدفاع، وزير الخارجية، وزير الداخلية، قائد الجيش، مدير المخابرات، وعضوين يعينهما الملك.
جاء في الآراء الأكثر رواجاً للقانونيين –ولا أقول الحقوقيين- في هذا الإطار: «التعديلات الجديدة تؤدي إلى هدم أركان النظام النيابي»، «تشكيل المجلس تفكيك لمؤسسة الدولة الدستورية»، «وجود المجلس مناورة لوضع شكل ديمقراطي غير مأمول»، «إن خلق سلطة ومؤسسة إلى جانب السلطات الثلاث الواردة في الدستور هو إنتاج لسلطة ومؤسسة دستورية رابعة، «استحداث هذا المجلس يتعارض مع مكانة الملك الدستورية»، «تحت ولاية أي سلطة دستورية يقع المجلس الوطني المُستحدث؟».
إن خطورة تلقائية تكرار هذه السجالات القانونية التي تتبنى ما هو «متداول في السوق من أفكار» عند كل واقعةٍ دستورية، تشكل محاولةً – قد تكون بريئة- لجعل الدستور «محل جدال» و»تداولا سطحيا»، وتنتج ذهنية مجتمعية قائمة على «وهم المعرفة وغياب الوعي»، وهو ما يشكل بتراكميته مساساً بمفهوم المواطنية بالعمق.
باتت «الحاجة أردنياً اليوم» ملحةً إلى تشخيصٍ عميقٍ للحالة الفكرية والثقافية حول مفهوم الدولة وطبيعة النظام الدستوري، وبالأخص مكانة الملك دستورياً.
الملك في النظام الدستوري الأردني وفقاً لدراسةٍ دستوريةٍ عميقةٍ وبمقاربةٍ مع اجتهادات راسخة عالمياً، وبموجب شرعيته الدينية والسياسية له ثلاثة أوصاف دستورية غير قابلة للتجزئة، وهي: الأمين على مستقبل الأمة بمدلولاتها التاريخية المؤسسة للدولة، والضامن لسمو الدستور، وعنصر التوزان بين السلطات الدستورية الثلاث.
هذه المكانة الدستورية تجعل الملك في النظام الدستوري أباً بالمدلول الوجداني للكلمة، ومن «المُعيب والمُخجل» تداول حديث سطحي عن صلاحيات بمفهوم النفوذ والسلطة عند الحديث عن الملك، فهو دستورياً «فوق كل الصلاحيات»، وهو «القيم على الدولة»، وعلى عاتقه تُلقى المسؤولية الأسمى «استمرارية الدولة». فهل يُقبل اجتماعياً ودينياً وأخلاقياً أن يسأل الابن أمه ما هي صلاحيات أبي في المنزل؟ وهل تستقيم الأسرة بانسياق أفرادها لتكرار السؤال ذاته؟ وقبل كل هذا، كيف أسس هذا السؤال في ذهنية ذلك الابن؟
اليوم نحتاج إلى استراتيجية وطنية تهدف إلى تعزيز مفهوم المُواطنية الفاعلة من جهة، وبناء ثقافة حقوقية تأسيسية واعية وصولاً إلى ذاكرة جماعية مستقبلية نقية ذات مناعة من جهة أخرى. وقبل هذا اليقظة لواقع الحال أن الأفكار المتداولة حول الدستور اليوم، ما هي إلا «تطريز حول ما هو متداول من شعارات وسجالات».