عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    29-Oct-2020

باحثون: التنمر الإلكتروني ازداد حدة في ظل جائحة كورونا

 الدستور– عمر أبو الهيجاء

ما زلنا منذ شهر آذار 2020، بتنا نشاهد الكثير من المظاهر السلبية التي كشفت عنها جائحة فايروس كورونا في الآونة الأخيرة، وخلال هذه الأزمة التي اجتاحت البشرية وشلّت حركة العالم اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا ونفسيا، وعملت على ازدياد الإصابات في العالمين العربي والغربي، ونتج عن هذه الجائحة حالات من التنمر على مستوى الدول والمجتمعات والأفراد من اتهامات وإساءات للأفراد والمجتمعات، هذا التنمر أصبح مقلقا وأخطر بكثير من فيروس كورونا لكثرة ضحاياه، ضحايا ما يسمى «التنمر الإلكتروني».
من هنا، يرى المفكر الدكتور زهير توفيق أنه عندما يفقد المجتمع الأمل، ويصل طريقاً مسدوداً سياسياً وثقافياً، تطفو على السطح الملوث مظاهر الاستقواء، وعلاقات القوة والتفكك؛ خاصة إذا كانت البنية المعرفية والمادية في المجتمع المعني تعزز الفردية والتنافس، الذي سرعان ما ينزلق إلى صراع واستقطاب.
ويؤكد د. توفيق في استعرضه لهذه الحالة أن «التنمر الإلكتروني» في وسائط التواصل الاجتماعي لم يعد ذلك التنمر الفردي المدرسي القائم على القوة العضلية والجسمية؛ بل اتخذ أشكالا وأساليب جديدة أهمها: ضرب قصص النجاح والانجاز، والتشكيك فيها غيرة وحسدا وشعورا بالنقص والتقصير، والهدف تعميم الفشل، وجعله مظهرا عاما لإخفاء عيوبهم (كفاشلين ومقصرين)، فنجاح البعض يعني أن الانجاز ممكن وواقعي وليس مستحيلا إن تخلينا عن الكسل والأنانية و الانتهازية وشراء النجاح، ومعالجة أمراضنا النفسية على المستوى الفردي والجماعي كالشعور بالنقص، والبارا نويا، والقلق وعدم الثقة بالنفس.
وعن مظاهر التنمر في وسائط التواصل الاجتماعي يقول: أجد مظاهر التمييز الاثني والعنصري والجندري، وتثبيط الهمم، والتشكيك والتشهير، وحرق الشخصية وعدم التسامح، والصمت المطبق أمام قصص النجاح والتجاهل ولايكات الاستهزاء والعزل والحجب كلها مظاهر تنمر جديدة في وسائط التواصل الاجتماعي والنتيجة المتوقعة على النساء والرجال المرهفين - إلا ما ندر – هو احباط المثقف والسياسي الذي لا يمتلك موارد قوة، ولا تسنده علاقات شعوبية وعشائرية تحميه، واستعمال نفس الأسلحة «ونجهل فوق جهل الجاهلينا « وهو لا يمتلك إلا كلامه وخطابه وانجازه، فيُدفع لإكراهات متعددة: كتغيير مواقفة، وإيثار الصمت والانزواء، والانسحاب من المشهد العام، والشعور بالضعف والخذلان وربما الهجرة و المرض الجسمي والنفسي، ولا يستقيم الأمر إلا باستبدال علاقات القوة في المجتمع بعلاقات ومعايير أخلاقية وديمقراطية وقانونية تجرّم التنمر وتضع له مصفوفة كاملة وواضحة أمام الجميع.
ونرى ان ظاهرة التنمر غدت نوعا من الاستقواء على القيم والمعتقدات الدينية للآخرين وعبر الرسوم الكاريكاتورية وطمس الهوية الإنسانية.
الباحث الاجتماعي الدكتور حسين محادين عن التنمر قال: التنمر علميا هو شكل من أشكال العنف، لكنه يتم تقانيا عبر وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة وفي فضاء افتراضي أشمل وأكثر سرعة في الانتشار والمحاكاة من قبل الآخرين، إذ أن التنمر يمكن أن يكون مثلا، صورة ساخرة لرجل أو امرأة أو مجموعة منهما من شأنها أن تجعلهم مادة شائعة التداول والانتقاص من هويتهم الانسانية.
أما بخصوص التنمر الالكتروني لا ننسى أن التنمر الإلكتروني يحمل أحيانا شكلا ما من معاني الاستقواء على الابتزاز للآخرين في الصور الخاصة جدا، أو حتى الوثائق وبالتالي التشهير بأصحابها علانية.
ويرى د. محادين أن التنمر الإلكتروني يمثل اعتداءً بوسيلة ما من قِبل الاقوى نحو الأضعف بصورة متعددة المواضيع والاشكال، وهو بالتالي ليس مقتصرا على مجتمع او جماعة دون أخرى، ويمكن أن يطال حتى العلاقات بين الدول المختلفة في أوقات الحروب والسلم معا، والمهدد الأكثر فتكا بالعلاقات الطبيعية بين الافراد والجموع لاعتماده على ما اسميه ب «ثقافة الصورة والفيديوهات» التي تُشكل المصدر الاساس اي ما يقارب80% من معلوماتنا التي نتلقاها عبر دكتاتورية البصر مقارنة ببقية الحواس في أجسادنا كبشر.
والتنمر عصف بكل المجتمعات على هذا الكوكب في زمن جائحة كورونا، وانتشرت أيضا ظاهرة الانتحار بين فئات المجتمع المختلفة.
اعتبرت المحامية والأديبة غصون رحّال ظاهرة التنمر بما تمثله من استقواء وتشويه وتعدّ على حقوق الغير، وانتهاك لمشاعرهم وحرمة حياتهم الشخصية بمثابة مرض اجتماعي قبيح طال حتى أكثر المجتمعات تقدما، حتى أنه يكاد لا يخلو أي مجتمع من المجتمعات من هذه الظاهرة التي تم تشخيصها قبل زمن طويل من جائحة كورونا، عانى المجتمع البريطاني من الآثار السلبية لهذه الظاهرة وشهد سلسلة من حالات الانتحار سواء في صفوف الطلبة أو المشاهير.
وبسبب وجود وسائل الاتصال الحديثة وانتشارها في المجتمعات بكثرة. رأت رحّال أن هذه الفضاءات هي الأوفر حظا للاحتكاك الاجتماعي بعد أن قيدت جائحة كورونا معظم مجالات الاحتكاك والتواصل الاجتماعي المعهودة، حيث أصبح من الصعب جدا ضبط وإحصاء جميع المواد المسيئة وملاحقة أصحابها. كما أن عدم خضوع الفضاء الالكتروني للرقابة والقيود التي تخضع لها وسائل الاعلام التقليدية - رغم وجود قوانين الجرائم الالكترونية التي لا تخلو بدورها من الغموض والضبابية- قد ساهم بدوره في اتساع ظاهرة التنمر الالكتروني وأخرج آثارها الضارة عن حدود السيطرة.
ولأن ظاهرة التنمر مرض اجتماعي تؤكد أن التشريعات الصارمة وملاحقة مرتكبي التنمر قانونيا ليست كافية لردع المتنمرين ما لم يتم تدعيم هذه الجهود والسياسات بحملات توعية مجتمعية حول هذه الظاهرة وآثارها النفسية الوخيمة ، ورفع الحسّ الأخلاقي وتعزيز الوازع الإنساني النقي والمنحاز إلى قيم التسامح والمساواة واحترام خصوصية الآخرين.
وأيضا، ولأن ظاهرة التنمر وجائحة كورونا ليست وليدة اللحظة الراهنة.
أوضحت الدكتورة التونسية آمال موسى المختصة في علم الاجتماع أن الظاهرة بدأت تعبر عن نفسها منذ سنوات طويلة، ولكن تنامي هذه الظاهرة هو الذي يتبع إيقاع التصاعد درجة درجة. فإن هذه الظاهرة تندرج ضمن الظاهرة الأكبر المؤطرة لها وهي ظاهرة العنف الرّمزي التي لا تقل حدة وتأثيرا مقارنة بالعنف المادي.
ولماذا تفاقم العنف ما يسمى التنمر على وسائل التواصل الاجتماعي؟ تقول: هناك سببان رئيسيان الأول: أن جائحة الكورونا مثلت ضغطا اقتصاديا على المجتمع حيث تراجع النشاط الاقتصادي وهناك من فقد عمله وهو وضع ينتج عنه نوعا من الاحتقان والشعور بالتعنيف الاقتصادي والضبابية في كسب الرزق وتأمينه. مشيرة إلى أن هذا الوضع يجعل الفرد الذي تضاعفت إكراهاته الاقتصادية يمارس العنف لغة وموقفا فإذا بالتنمر أداة للتنفيس والتعويض ورد الفعل ولكن يتم تصريف العنف الكامن ضد الغير من خلال سلوك التهميش والسلب والأذى والشتم.
وكما نرى أن وباء كورونا أصبح مصدر شعور بالقلق والخوف والفضاء الخاص مأمن الفرد خلافا للفضاء.
من هنا، ترى د. آمال إن حرمان الجائحة للفرد من حق التواصل الاجتماعي الطبيعي أو لنقل التقليص منه وممارسته بكثير من الحذر والانتباه ....جعل المجتمع يقضي وقتا طويلا في العالم الافتراضي مع ما يعنيه ذلك من استنزاف للأعصاب وتوتر، وأن كل أشكال العنف هي تعبير عن قلق وشكل من أشكال التعويض ورد الفعل على ظواهر أخرى مسكوت عنها عانى منها الفرد ولم يواجهها فظلت مستبطنة ثم تتمظهر في الممارسات والسلوك وخطابنا اليومي، مجتمعاتنا مُعنفة وتمارس التنمر من باب التعويض وتصريف المكبوتات الكامنة.