ربى الرياحي
عمان-الغد- قدرتها على العطاء وإسعاد الآخرين ومساندتهم، وتميزها في قهر الصعوبات وإصرارها على تلوين الحياة بألوان قوس قزح ومن خلال ابتسامتها التي لا تفارق وجهها؛ استطاعت هلا محفوظ أن تكون نموذجا ناجحا ولافتا وتضع بصمتها الخاصة في عالمها.
تحديها لإعاقتها الحركية، منحها قوة إضافية لكي تكسب الاستحقاق، وتكون على قدر التطلعات التي تطمح لها والتي تنوي تحقيقها من أجلها هي ومن أجل فئة تأبى إلا أن تكون حاضرة وبقوة في الحياة. محفوظ تؤمن بأن التغيير يبدأ بشخص واحد وأن تعبيد الطريق أمام ذوي الإعاقة ليس بالأمر السهل، لكنه أيضا يمكن تطبيقه إذا تضافرت كل الجهود وأبصرت القوانين النور فعليا، فرفضت الاستسلام بل توجهت للتطوع واختارته طريقا لها.
ضمور العضلات، هو المرض الذي أفقد محفوظ القدرة على المشي منذ الولادة، ومع ذلك لم تستسلم بل قررت أن تقاوم بكل ما لديها من إصرار، وأن تكون محاربة في مضمار الحياة باختلافها، ما جعلها أكثر وعيا وقوة وزاد من رغبتها في أن تكون ملهمة لغيرها من خلال نجاحها في إدارة حياتها وتصميمها على أن تستقل بما لديها من إمكانات.
منذ صغرها، شعرت بدعم أسرتها لها ووقوفها إلى جانبها، وذلك كان له الأثر الكبير في تكوين شخصيتها، وتحديدا والدها الذي آمن بها ومنحها كل الثقة لتجد ذاتها ويكون فخورا بها وبإنجازاتها.
تقول إنها في كل مرحلة من حياتها كانت هنالك تحديات كبيرة اختبرتها، وما تزال حتى الآن قادرة على معاندة كل الصعاب التي تقف بينها وبين طموحها وحقها في أن تنصف في كل المجالات.
وتبين محفوظ أنها تعرضت للرفض أثناء دراستها، ومورس ضدها التمييز فقط لكونها فتاة ذات إعاقة لم ينظر أبدا إلى قدراتها وما تحمله في داخلها من قوة عظيمة كفيلة بأن تعينها على كسر كل الحواجز وتجاوزها نحو الجدية والمثابرة وتحقيق الذات وخدمة من هو بحاجة للمساعدة والدعم.
وتلفت إلى أن قلة الوعي عند بعض مديري المدارس الخاصة وخوفهم من تحمل مسؤوليتها، سببان أعاقا مسيرتها الدراسية نوعا ما، وليست وحدها من جوبه بالرفض والإقصاء، فهناك أشخاص من ذوي الإعاقة لم يكملوا حلمهم بسبب ظلم المجتمع لهم، هؤلاء تنصلوا من طموحاتهم ورضخوا للواقع الصعب.
تلك المواقف تحديدا لم تستطع محفوظ نسيانها حتى اليوم. شعورها بأنها قد تحرم من إكمال دراستها آنذاك لم يضعفها أبدا بل بقيت تنتظر وكلها يقين ببزوغ الفجر الذي من شأنه أن يجدد فيها الأمل.
محفوظ نجحت في أن تنتزع حقها من أولئك الذين اعتقدوا أن الإعاقة والحلم لا يجتمعان نهائيا، وفعلا تميزت أكاديميا وحصلت على معدل 88 في الثانوية العامة، الأمر الذي أهلها لتدخل الجامعة الأردنية تخصص نظم معلومات إدارية. وبالرغم من أن الجامعة مهيأة 80 بالمائة تقريبا للأشخاص من ذوي الإعاقة، إلا أنها وجدت بعض الصعوبات كالتنقل من محاضرة لأخرى في فصل الشتاء وإمضاء أكثر من أسبوعين بداية كل فصل في فتح شعب يسهل عليها الوصول إلى قاعاتها، وأيضا قلة الوعي من بعض الكادر الوظيفي بالجامعة، إذ كانوا يتعاملون معها بسياسة التمييز سواء كانت معها أو ضدها.
تصرفهم معها بهذه الطريقة كان يزعجها جدا، لكن ما كان يخفف عليها هو وجود أساتذة جامعيين ممن آمنوا بها كشخص سوي لديه كل الإمكانات لينجح ويتفوق. دعمهم لها وثقتهم بها واحترامهم لعزيمتها الكبيرة، كل ذلك كان كافيا لكي تجتاز تلك المرحلة وتكون فخرا لكل من عرفها أو يشبهها. وتبين أنها خلال فترة دراستها الجامعية أصرت على أن تكون عضوا فعالا في المجتمع وشخصا له قيمة وليس عالة على أحد، فرأت أن تشارك بالأعمال التطوعية وتكون عونا لغيرها ممن أنهكهم العوز والحرمان ويحتاجون لمن يقف إلى جانبهم ويربت على أكتافهم ويمسك بأيديهم.
حبها للخير والعطاء حفزها لتضع بصمتها الخاصة في هذا المجال، ومنحها كل القوة لتكون طوق النجاة للكثيرين وملجأ لهمومهم، بالإضافة إلى أنها عملت أيضا في مجال التسويق.
تقول محفوظ إن التحاقها بإحدى الدورات قبل دخولها الجامعة وكانت تحمل اسم أصغر رجل أعمال، غير الكثير في شخصيتها وقواها وأعطاها فرصة التعرف على نفسها.
هذه الدورة نمت خبراتها ومهاراتها وطورت إمكاناتها في مجال الأعمال واستفادت منها كثيرا لاحقا. خدمتها في مجالات شتى وتجارب كان لها نصيبها أن تخوضها وتصقل ذاتها من خلالها، فوجدت نفسها في التطوع وتحديدا بعد أن شعرت بأنها مؤثرة لدى أحد الأطفال.
وتوضح أنها تحمست كثيرا لكل عمل فيه معنى العطاء، وباتت تمنح العمل التطوعي جل وقتها، وكانت البداية بالمشاركة في المبادرات ثم انتقالها للاشتراك بإحدى جمعيات الإغاثة وعملت فيها كمنسقة إلى أن أصبحت عضو هيئة إدارية.
وعن طبيعة عملها في مجال الإغاثة، تقول إنها كمتطوعة تتعامل مع حالات كثيرة بحاجة للمساعدة، منها طلاب العلم الذين لا يستطيعون تأمين أقساطهم الجامعية، وأشخاص من ذوي الإعاقة بحاجة لكراسٍ أو معدات طبية وأيضا مرضى لا يملكون ثمن إجراء عملياتهم.
وتلفت إلى أنه يأتي دورها هنا بإعداد دراسة عن الحالات وعرضها من خلال صفحة “فيسبوك” الخاصة بها لتأمين التبرعات، مبينة أنها بفضل الله تمكنت من مساعدة الكثيرين، فالتطوع أكسبها قاعدة علاقات كبيرة وقوى من شخصيتها وساعدها على كسر حواجز كثيرة.
محفوظ، ولأنها تمكنت من أن تحول إعاقتها إلى طاقة تنفع بها نفسها ومجتمعها، قررت أن تنقل تجربتها للعالم، وذلك من خلال الأنشطة والدورات التي تشارك بها وأيضا عبر صفحة “ناس عمان” على مواقع التواصل الاجتماعي، فوجدت في هذه الصفحة منبرا حقيقيا قادرا على احتضان الكثير من قصص النجاح الملهمة والمحفزة لأشخاص قد تكون الحياة أتعبتهم وآثروا الاستسلام وآخرين يجهلون تماما الطاقات الكامنة التي تختزنها هذه الفئة المتحدية والرافضة لأن تكون مستهدفة بل منتجة وتؤمن بالمشاركة والبناء.
المستقبل بالنسبة لمحفوظ هو تلك الأحلام الكبيرة التي تعمل على تحقيقها اليوم، وخاصة بعد التحاقها بالكثير من الدورات في مجال ريادة الأعمال والذي وجدت شغفها فيه.
هي تطمح لأن تجعل جميع الأشخاص من ذوي الإعاقة مستقلين، كما أنها تولي أهمية كبيرة للتعليم والعمل وتحصيلهما كحق مشروع بعيدا عن مشاعر المنة والشفقة، بالإضافة لمشاركتها كعضو في الائتلاف الوطني الشبابي الذي يهدف إلى تفعيل قرار 22/50، وهو عبارة عن تمكين دور الشباب والمؤسسات الحكومية في تحقيق الأمن والسلام في الأردن. وكذلك العمل على مشروعها الخاص، متمنية أن تصنع فرقا في حياة فئة تستحق أن تعيش بكرامة.