عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    15-Oct-2025

من أجل عيون ميريام*إسماعيل الشريف

 الدستور

أعطني مقابل ما أعطيك، وإلا لن تربح شيئًا ترامب.
 
ترامب هو الرئيس الوحيد في تاريخ الرؤساء الأميركيين الذي يمكن وصفه، كما نقول في لغتنا الدارجة، بأنه «الذي في قلبه على لسانه». فهو لا يختلف عن سابقيه في الدفاع عن مصالح الإمبراطورية، لكنه يفعل ذلك بجرأةٍ وفجاجةٍ نادرتين، من دون أن يتستّر خلف المصطلحات الدبلوماسية المنمّقة. يرى في الصراحة والاندفاع علامته التجارية الخاصة، ويعتمد في نجاحه على قاعدته الجماهيرية لا على مؤسسات الدولة.
 
جمهوره بدوره يراه رمزًا للتمرّد على النظام السياسي التقليدي، فيما يرى نفسه إنسانا استثنائيًا فوق الأعراف الدبلوماسية والقواعد التي تُقيّد غيره.
 
خلال ولايته الأولى عام 2016، حاول خصومه النيل منه بترويج نظرية مؤامرة تزعم أن روسيا ساعدته على الفوز عبر حملات إلكترونية وتدخلات سرّية. وقد أثارت تلك القصة ضجيجًا سياسيًا وإعلاميًا واسعًا وألقت بظلالها على رئاسته، قبل أن يتبيّن بعد تحقيقاتٍ مطوّلة أجرتها أجهزة الاستخبارات الأميركية أنها لم تكن سوى واحدة من أكبر الأكاذيب السياسية في التاريخ الأميركي الحديث.
 
في خطابه أمام الكنيست قبل أول أمس، اعترف الرئيس ترامب على مرأى من ملايين الأميركيين ومليارات البشر بأنه يتّبع سياسة داعمة للكيان بطلبٍ مباشر من المليارديرة الأميركية الصهيونية ميريام أديلسون وزوجها الراحل شِيلدون. وقالها بصراحةٍ غير معهودة: إن هذه المواطِنة الأميركية تفضل «إسرائيل» على الولايات المتحدة نفسها.
 
قال في خطابه: «بصفتي رئيسًا للولايات المتحدة، أنهيتُ الاتفاق النووي الكارثي مع إيران، وفي نهاية المطاف أوقفتُ البرنامج النووي الإيراني باستخدام ما يُعرف بقاذفات الـB2 كانت عمليةً سريعةً ودقيقة، تحفةً عسكرية بكل المقاييس. لقد سمحتُ بإنفاق مليارات الدولارات، ذهبت كما تعلمون لدعم منظومة الدفاع الإسرائيلية.
 
وبعد سنواتٍ من الوعود الكاذبة التي أطلقها رؤساء أميركيون كُثر كما تعلمون جميعًا لم أفهم حقيقة الأمر إلا حين وصلت إلى البيت الأبيض. فقد وُضِعَ ضغطٌ هائل على أولئك الرؤساء، كما وُضِعَ عليّ أنا أيضًا، لكنني لم أستسلم لذلك الضغط. فكل رئيسٍ، على مدى عقود، كان يقول: «سوف نفعلها»، لكن الفرق أنني أنا من أوفى بوعده، واعترفتُ رسميًا بالقدس عاصمةً لإسرائيل، ونقلتُ السفارة الأميركية إليها».
 
ثم التفت إلى ميريام أديلسون قائلًا: «أليس كذلك يا مِريام؟ انظروا إليها هناك قفي، مِريام. كانت مِريام وزوجها الراحل شِيلدون أديلسون يزوران مكتبي باستمرار ويتصلان بي دون توقف. أظن أنه لم يزر البيت الأبيض أحدٌ أكثر منهما. انظروا إليها الآن، تجلس ببساطة، ومع ذلك تملك ستين مليار دولار في البنك! ستين مليارًا! وهي لا تحب إسرائيل فحسب، بل تعشقها عشقًا.
 
كان زوجها رجلًا قويًّا وحادّ الطباع، لكنني أحببته؛ فقد كان من أكثر الداعمين لي. كان يتصل بي قائلًا: «هل يمكنني أن أراك؟» فأجيبه: «شِيلدون، أنا رئيس الولايات المتحدة، الأمور لا تُدار بهذه الطريقة.» لكنه كان يأتي على أي حال!
 
لقد كانا مسؤولَين عن كثيرٍ من الأمور، ومنها أنهما جعلاي أفكّر في موضوع مرتفعات الجولان، الذي ربما كان من أعظم القرارات التي اتُخذت.
 
قفي مِريام، من فضلك. إنها حقًا وأعني ما أقول تحب هذا البلد، تحب الولايات المتحدة. لقد كانت هي وزوجها رائعَين بحق، ونحن نفتقده كثيرًا.
 
لكنني سأقول شيئًا قد يُحرجها قليلًا: سألتها ذات مرة، فقلت: «مِريام، أعلم أنك تحبين إسرائيل، لكن أيّهما تحبين أكثر؟ الولايات المتحدة أم إسرائيل؟» فرفضت أن تجيب!
 
وهذا يعني على الأرجح إسرائيل. عليّ أن أقول ذلك. نحن نحبك يا عزيزتي، شكرًا لوجودك هنا. إنه لشرفٌ كبير، شرفٌ كبير فعلًا. إنها امرأة رائعة امرأة عظيمة».
 
قدّم الزوجان أديلسون لترامب وللحزب الجمهوري أكثر من 424 مليون دولار لتمويل حملته الأولى، ثم واصلت الأرملة ميريام أديلسون دعمه بعد وفاة زوجها، فساهمت في حملته الثانية بمبلغ مئة مليون دولار.
 
وخلال حملته لعام 2024، اعترف ترامب بنفوذها عليه قائلًا:
 
«كما وعدتُ، اعترفتُ بالقدس عاصمةً أبدية لإسرائيل، وافتتحتُ السفارة الأميركية فيها. أصبحت القدس العاصمة. كما اعترفتُ بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان.
 
وكما تعلمون، كانت ميريام وشِيلدون يدخلان البيت الأبيض أكثر من أي شخصٍ آخر، باستثناء العاملين فيه، وكانا دائمًا يسعيان وحينما أمنحهما شيئًا فدائمًا من أجل إسرائيل. فحالما أقدّم لهما شيئًا، يطلبان شيئًا آخر! كنت أقول: (أعطياني أسبوعين فقط، من فضلكما). لكنني منحتُهما مرتفعات الجولان، رغم أنهما لم يطلباها أصلًا.
 
أنتم تعلمون، منذ اثنين وسبعين عامًا وهم يحاولون السيطرة على مرتفعات الجولان، أليس كذلك؟ وحتى شِيلدون نفسه لم تكن لديه الجرأة على ذلك. لكنني قلت: (أتعلمون ماذا؟) قلتُ لديفيد فريدمان: (أعطني درسًا سريعًا، خمس دقائق أو أقل، عن مرتفعات الجولان). ففعل، فقلتُ: (هيا بنا). وقد أنجزنا ذلك في نحو خمس عشرة دقيقة، أليس كذلك؟»
 
بسبب أموال ميريام أديلسون، ضرب ترامب خلال ولايته الأولى عرض الحائط بالقانون الدولي، ومنح الكيان شرعيةً زائفة لضمّ مرتفعات الجولان السورية المحتلّة، ونقل سفارة بلاده إلى القدس المحتلّة. 
 
ولعلّها همست في أذنه هذه المرة قائلةً: «دونالد أوقِف الحرب!»
 
لنتخيّل سيناريو آخر: تظهر وثائق سرّية مسرَّبة تكشف أن الرئيس ترامب تلقّى أموالًا من دولٍ عربية، أو من روسيا، أو حتى من جزر الواق واق، مقابل خدماتٍ سياسية. حينها لكانت أكبر فضيحةٍ سياسيةٍ في القرن العشرين، وربما اختفى ترامب وراء الشمس وسُوِّيت تلك الدولة بالأرض!
 
لكن حين تأتي الأموال من الصهاينة، فإنه يعترف بها مبتسمًا، وبكل عرفان، من دون أن يرفّ له جفن!