الدستور -
اقترحتُ بعد أن فازت 5 نساء بالتنافس الحرِّ في انتخابات المجلس النيابي السابق، أن يلغى نظام الكوتا لأن المرأة أثبتت قدرتها على الوصول دون الحاجة إلى من يأخذ بيدها. وكان الأمل أن يتضاعف العدد في انتخابات المجلس 19 إلا أن خيبة الأمل جاءت كبيرة بعدم نجاح أية سيدة خارج هذا النظام.
قبل أزيد من شهرين لمعت فكرة عجيبة لبعض الحالمين مفادها سؤال افتراضي يقول: ماذا لو أن المرأة صوّتت للمرأة فقط، وحجبت صوتها عن كل المترشحين من الذكور؟. ويومها قلتُ إن النتيجة ستكون مجلساً نيابيا زهريا بالكامل، كل أعضائه من الإناث، دون أية توشيحات زرقاء.
لا أريد أن أدخل في متاهة تحليل أسباب تراجع نسب تصويت النساء في هذه الانتخابات، سيما في ظل جائحة كورونا وتزامنها مع موسم الزيتون. ولكني أرى أن المرأة ما زالت رهينة قبضة الرجال من آباء وإخوة وأزواج وأبناء، وأنه يُملى عليها لمن تمنح صوتها أو تحجبه. هي قوة انتخابية كبيرة مسيطر عليها تماماً.
والثابت أكثر أن المرأة لا تدعم المرأة. ليس في الانتخابات فقط، بل في عموم مفاصل الحياة، وكأن ثمة تحاسد بغيض يسود أجواءهن، وثمة رغبة لا محدودة في إقصاء بعضهن. كما أن نساء كثيرات يعشن بعقلية ذكورية أشد تعنتاً من عقلية آبائهن أو إخونهن أو أزواجهن، تستصغر دورها وتعمل على قطع الطريق عليه.
في سياق مجتمعنا الذكوري وعقليته المناطقية والقبلية فإن المرأة المترشحة وقعت تحت قيد صارم في هذه الانتخابات. فهي تركت وشأنها في انتخابات المجلس 18، وتلقت دعما دون ضوابط، الأمر الذي أسفر عنه نجاح البعض منهن بالتنافس الحر، أي أنهن أخذن مقاعد من المفترض أنها حصة الرجال في القائمة.
وهذا لم يحدث في هذه الانتخابات. فقد تعلم أصحاب القوائم وصاروا أكثر حنكة أو خبثاً، فعملوا على ضبط التصويت والحجب المنظم؛ لضمان عدم حصول أية سيدة على المركز الأول في القائمة. وهذا ما حدث.
المرأة ما زالت ترزح في قيود عديدة أقواها قيد نفسها لنفسها، وقيد المجتمع والعشيرة والعائلة والأسرة والزوج. فهي لا تملك في الغالب قرارها ترشحاً أو اقتراعاً، ولهذا أحجمت كثير من النساء اللواتي يمتلكن ما يؤهلهن للوصول إلى البرلمان عن الترشح، أو أنهن ترشحن وخسرن بكل قسوة.
المأساة الكبرى أن مجتمعنا لم يرَ في هذا الترجع خطرا أو نكوصا أو تقهقراً اجتماعيا. وكيف سيتألم على هذا الوضع من ما زال مقتنعاً أن المكان الأمثل للمرأة مطبخُ بيتها؟