عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    29-Dec-2025

إعادة صياغة العلاقة*إسماعيل الشريف

 الدستور

اللوبي المؤيد «لإسرائيل» قوي إلى درجة أنه يعمل في واشنطن كغوريلا تزن 700 باوند- بول فندلي ، سيناتور أمريكي.
تُعدّ مجلة Foreign Affairs إحدى أهم المنابر الفكرية في السياسة الدولية، وينشرها مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، وهو مركز بحثي مرموق وغير حزبي. في عدد يناير/فبراير 2026 ستنشر المجلة مقالًا لآندرو بي. ميلر، نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي الأسبق لشؤون الصراع الفلسطيني في إدارة بايدن، ومدير ملف مصر وإسرائيل في مجلس الأمن القومي خلال إدارة أوباما. أهمية المقال أنه يتناول بجرأة ضرورة إعادة تشكيل العلاقة الأمريكية–الإسرائيلية، ويكشف أن تحوّلًا جوهريًا في التفكير السياسي الأمريكي بدأ بالفعل.
ولأهمية المقالة قمت بترجمته واختصاره بتصرف:
طوال العقود الثلاثة الماضية قدّمت واشنطن «لإسرائيل» دعمًا استثنائيًا شبه غير مشروط، تجلّى في دعم حروبها في غزة ولبنان والانتفاضة الثانية، لكن حرب غزة بعد 7 أكتوبر كشفت عجز الولايات المتحدة عن التأثير الفعلي في سلوك «إسرائيل».
قامت العلاقة على افتراضات خاطئة بتطابق المصالح وإمكانية إدارة الخلاف سرًّا، فتحولت إلى حالة «مخاطر أخلاقية» شجّعت تل أبيب على مزيد من التطرّف، خصوصًا في عهد نتن ياهو وائتلافه اليميني الرافض لحل الدولتين. خلال الحرب، اكتفت إدارة بايدن بضغط خجول وقنوات مغلقة، بينما استخدمت الفيتو لحماية «إسرائيل»، ولم تضغط جديًا إلا في ملف المساعدات الإنسانية، في حين ذهب ترامب أبعد في التفويض عبر تأييد خرق الهدنة، والحصار، والحرب على إيران. جاء التحول الوحيد الجدي بعد محاولة اغتيال قادة حماس في قطر، حين اضطرت واشنطن لفرض وقف إطلاق النار في أكتوبر 2025، لكنه ظلّ استثناءً وليس تغييرًا بنيويًا في نمط العلاقة.
 ونتيجة هذا «الاستثناء» دفع الجميع الثمن: كارثة إنسانية ودمار شبه شامل في غزة، عزلة دولية متصاعدة «لإسرائيل» وتراجع شعبيتها في أمريكا، وتآكل مكانة الولايات المتحدة عالميًا مع تصاعد الاستقطاب الداخلي ومعاداة السامية ورهاب الإسلام.
الخلاصة التي يصل إليها ميلر واضحة: إذا استمرت السياسة الأمريكية على النحو القائم ـ انصياع، فيتو، دعم مفتوح ـ فسيزداد النزاع تعقيدًا وتتحول العلاقة نفسها إلى عبء استراتيجي. أما الطريق البديل فهو تطبيع العلاقة: أي معاملتها كعلاقة بين دولتين متقاربتين لا استثناء بينهما. يشمل ذلك تفاهمات واضحة حول ما هو مسموح ومرفوض، تطبيق قوانين حقوق الإنسان على الجيش الصهيوني كما تُطبق على غيره، استخدام الدعم العسكري كورقة مشروطة عند الحاجة، ومنع التدخل الحزبي في سياسة الطرفين.
علاقة طبيعية ستُمكّن واشنطن من ردع ضم الضفة، وإلزام محاسبة المستوطنين العنيفين، وربط استمرار الدعم بوقف توسيع الاستيطان. كما تفسح مجالًا لتفاهم مشترك ومستقر حول البرنامج النووي الإيراني، وتمنح الولايات المتحدة قدرة حقيقية على المبادرة بدل رد الفعل. ولن تُنهي التطبيع التعاون التكنولوجي والعسكري، لكنها ستجعله أكثر اتزانًا وأقل كلفة على المصالح الأخلاقية والاستراتيجية للولايات المتحدة.
لقد أمضت واشنطن عقودًا في حماية «إسرائيل» بلا شروط، لكن النتائج جاءت عكس المرجو: نزاع مستمر، مأساة إنسانية، عزلة دولية متصاعدة، وتآكل لموضع القيادة الأمريكية عالميًا. وإذا كان لهذه العلاقة أن تستمر، فلا بد أن تتحول من استثناء مُنهِك إلى شراكة طبيعية قابلة للاستدامة. فرصة إعادة الضبط لا تزال ممكنة وإضاعتها ستكون خسارة مشتركة للأمريكيين «والإسرائيليين» والفلسطينيين جميعًا.