الدستور
لا تدع أبدًا أزمة جيدة تذهب سدى – تشرشل.
قررت الولايات المتحدة إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية والتوقف عن دعم أوكرانيا، والاستحواذ على نصف ثرواتها المعدنية. ولتنفيذ هذا القرار، شرعت في سلسلة من الإجراءات، كان أبرزها «حرق» الرئيس الأوكراني سياسيًا ومعنويا، للضغط عليه حتى يقبل جميع الشروط الأمريكية، أو التمهيد لإحلال رئيس آخر يكون أكثر طواعية.
فبدأت الحملة !
كتب الرئيس الأمريكي على منصته الاجتماعية «ترو سوشال» أن شعبية الرئيس الأوكراني زيلينسكي منخفضة للغاية، حيث لا تتجاوز 4% وفقًا لاستطلاعات الرأي، ولذلك فهو لا يجرؤ على إجراء انتخابات. وأضاف أن الشيء الوحيد الذي يجيده زيلينسكي هو التلاعب بالرئيس السابق بايدن «كالكمان»، قبل أن يتهمه بسرقة أموال دافعي الضرائب، ما أثار غضبًا واسعًا في الولايات المتحدة. ومع ذلك، لم يتحدث أحد عن الخمسة مليارات دولار التي أنفقتها واشنطن في أوكرانيا لتمويل الإعلام، ورجاله، ومنظمات المجتمع المدني، بهدف حشد الرأي العام لصالح الحرب.
وفي المقابل، وبخ نائب الرئيس، جيه دي فانس، زيلينسكي خلال مؤتمر ميونيخ، بعد أن وصف الأخير ترامب بأنه «يعيش في فقاعة». كما صرّح وزيرا الخارجية ومستشار الأمن القومي بأنهما لن يسامحا زيلينسكي على تجاوزاته اللفظية، واتّهماه بالاستفادة الشخصية خلال الحرب التي استمرت ثلاث سنوات.
وتزامن هذا الهجوم السياسي مع حملة إعلامية أمريكية ركزت على ممتلكاته، حيث كشفت التقارير عن امتلاكه قصرًا اشتراه من الأمير تشارلز، ملك بريطانيا الحالي، عندما كان لا يزال أميرًا، وهو ذات القصر الذي أقام فيه مع زوجته السابقة ديانا. كما تبين أنه اشترى شقة في لندن من أحد ضباط وكالة الاستخبارات البريطانية، بالإضافة إلى امتلاكه عقارات في قبرص وميامي، وأخرى في توسكاني بإيطاليا، اشتراها عبر شركة «سانتوماسو» الإيطالية المملوكة لعائلته.
وكتبت صحيفة واشنطن بوست أن أفضل ما يمكن لزيلينسكي فعله الآن هو حزم أمتعته والتوجه إلى فرنسا. فيما كتب الصحفي الشهير وريك غليون، المقرب من ترامب، أن زيلينسكي ينضم إلى قائمة الرؤساء الذين وضعوا رفاهيتهم الشخصية فوق مصالح شعوبهم، حتى لو كان الثمن حياة الأطفال والنساء.
ولم تقتصر الحملة ضده على اتهامات الفساد أو الديكتاتورية، بل توسعت لتشمل ماضيه، حيث أُعيد تسليط الضوء على بداياته كممثل هزلي ومغنٍ، في محاولة لاغتياله معنويًا وتشويه صورته أمام الرأي العام. وبين عشية وضحاها، تحوّل في الإعلام الأمريكي من «تشرشل» إلى «صدام حسين» و»موغابي»، ليصبح كبش الفداء الذي يُحمَّل وحده مسؤولية الحرب بين أوكرانيا وروسيا.
نتعلم من قصة زيلنسكي هذه عدة أمور منها:
1-ليس زيلينسكي وحده من استغل الحرب لتعزيز سلطته أو زيادة ثروته الشخصية، فالتاريخ حافل بأمثلة مشابهة. مجرم الحرب نتن ياهو، على سبيل المثال، يرفض إنهاء الإبادة في غزة لضمان بقائه في الحكم، بينما استغل بشار الأسد الحرب الأهلية السورية لترسيخ نفوذه وثروته، من خلال شبكات اقتصادية معقدة لتهريب النفط والأسلحة والمخدرات. والقائمة تطول.
2-قرأتُ تقريرًا موثوقًا يفيد بأنه عندما تقدم الولايات المتحدة مساعدات لحكومات فاسدة، فإنها تدرك جيدًا أن جزءًا منها سيتم اختلاسه من قبل النخب الحاكمة. بل إنها أحيانًا تشجع ذلك لأسباب عدة، منها إبقاء الرئيس أو النظام تحت السيطرة، وإضعاف العلاقة بين الحاكم وشعبه، ثم استغلال هذا الفساد كورقة ضغط عندما يحين وقت التخلص منه.
3-لطالما حركت الولايات المتحدة مصالحها دون اكتراث بحلفائها، فهي دعمت صدام حسين في حربه مع إيران، ثم حاربته. تخلت عن شاه إيران عام 1979، وعن حسني مبارك بعد عقود من الدعم، وقائمة الخذلان طويلة.
وهكذا، يجد زيلينسكي نفسه اليوم في مواجهة المصير ذاته الذي لاقاه كثيرون قبله، أولئك الذين خُدعوا ببريق الدعم الغربي قبل أن يُلقى بهم عند أول منعطف. لكنه، إن لم يكن قد تعلّم الدرس من مصي ر غيره، فربما يدرك الحقيقة لكنه لا يكترث، فقد فرّ بالإبل بعد أن أوسعوه شتمًا، كما في قصة الأعرابي. وبعد خروجه، قد لا يكون أمامه سوى تمثيل مسرحية عن قصته، تُصنَّف ضمن الكوميديا السوداء!