سموه يترأس الاجتماعات المشتركة الرابعة للمبادرة في بيروت
الغد- إيمان الفارس
بيروت - عكست الاجتماعات المشتركة الرابعة للجنة الاستشارية للسياسات واللجنة الإدارية لمبادرة السلام الأزرق في الشرق الأوسط، بما حملته من رسائل سياسية وفنية، توجها إقليميا متناميا لتبني المياه كأداة للتقارب وبناء الثقة، وهو نهج لطالما دعا إليه الأردن، ويزداد أهمية مع توسع المبادرة، وانضمام أعضاء جدد إليها.
ومن الزاوية الأردنية، شكّلت الاجتماعات المنعقدة برئاسةِ سمو الأمير الحسن بن طلال، وبرعايةِ رئيسِ مجلسِ الوزراء اللبناني د. نواف سلام اليومين الماضيين، تأكيدا على دور الأردن المحوري بترسيخ دبلوماسية المياه كخيار إستراتيجي، وسط تشديد المشاركين على أن تدار المياه كوسيلة للتعاون والعدالة والكرامة الإنسانية، مع ضرورة تطوير نماذج حوكمة تشاركية، تراعي شح الموارد وتأثيرات التغير المناخي، وتربط بين قطاعات المياه والطاقة والغذاء.
ففي بيروت قلب العاصمة اللبنانية، اجتمع ممثلو 5 دول عربية وإقليمية حول طاولة واحدة، للتفاوض على المياه ورسم خريطة تعاون جديدة، يمكن أن تغيّر موازين الاستقرار في المنطقة، مؤكدين أن الأمن المائي، يمثل تحديا أساسيا للقرن الـ21، وأن الحلول ممكنة وواقعية، إذا ما اجتمعت الإرادة السياسية والإقليمية والعلمية على قاعدة التعاون والمسؤولية المشتركة.
وقال سمو الأمير الحسن في الاجتماع مع المشاركين من عمّان وعن بعد عبر “زوم”، إن “هذا المشروع الإنساني وهذه الرؤية الجامعة، هي التي جعلته يتذكر كل ما يمثله لبنان من ريادة وتاريخ، منذ أيام السراي الأولى في عهد الاستقلال”. معربا عن شكره لرئيس الوزراء اللبناني د. نواف سلام على استضافة لبنان للمؤتمر.
وقدم سموه نبذة مفصلة عن تأسيس مبادرة السلام الأزرق، مشيدا بانضمام سورية إليها عبر عضويتها في كل من اللجنة الاستشارية للسياسات واللجنة الإدارية، لتصبح بذلك الدولة الخامسة الأساسية ضمن المبادرة. موضحا بأن المبادرة تشجع على إنشاء لجان ثنائية وطنية، كالتعاون بين العراق وتركيا، والأردن وسورية، والعراق وإيران، لتعزيز تطبيق رؤية المبادرة بالمنطقة.
وأشار سمو الأمير إلى أن المبادرة، تمثل وعاء للتعاون والتنمية المستدامة والاستقرار الإقليمي، مؤكدا أنها منصة محايدة وموثوقة للدبلوماسية الفريدة غير الرسمية، تجمع الحكومات والباحثين والشباب والإعلام والمجتمع المدني تحت سقف واحد.
كما شدد الأمير الحسن، على أهمية وجود قاعدة معلوماتية موثوقة يشارك فيها الجميع، تشمل المعلومات المساحية والخرائطية والجيولوجية، باعتبارها ضرورة حيوية لإدارة الموارد المائية المشتركة.
من جانبه، أكد سلام، أنّ لبنان لعب دورا رائدا بتعزيز الدبلوماسية المائية، مسلطا الضوء على التزامه طويل الأمد بتطبيق المعايير الدولية في هذا المجال. مشيرا إلى أنّ لبنان كان أول دولة عربية تصادق على اتفاقية الأمم المتحدة للمياه العابرة للحدود العام 1997، ما يعكس حرصه على تحويل الموارد المائية المشتركة إلى عنصر تعزيز للتعاون الإقليمي والاستقرار.
وأكد الأمين العام لوزارة المياه والري د. جهاد المحاميد في تصريحات لـ”الغد”، أهمية دعم الفئات الأكثر حاجة والحفاظ على استمرارية المشاريع برغم التحديات القائمة. مشددا على ضرورة توافر البنية التحتية الجاهزة باعتبارها عاملا أساسيا لضمان نجاح المشاريع، محذرا من أن غيابها قد يؤدي إلى صعوبات كبيرة في التطبيق على أرض الواقع.
ولفت المحاميد لأهمية إشراك القطاع الخارجي والخاص في التخطيط والإدارة والتنفيذ، مبينا أن من أبرز ما يواجه المبادرات المائية من تحديات، تواضع السياسات الوطنية، ما يستلزم تنسيقا مستمرا بين الجميع لضمان نجاحها. مشددا على ضرورة تقديم الرسائل بوضوح للأمم المتحدة والمؤسسات الدولية.
ودعا الأمين العام لـ”المياه والري” لأهمية تعزيز القدرات الوطنية والإقليمية، عبر التعاون المفتوح بين الحكومات والمجتمع المدني والقطاع الخاص، بما يضمن تحويل الموارد المائية من مصدر تحديات إلى فرصة للتنمية والاستقرار الإقليمي، مشددا على أن الأمن المائي يمثل أحد أهم تحديات القرن الـ21، وأن الحلول المستدامة ممكنة وقابلة للتطبيق إذا توافرت الإرادة والتنسيق المشترك.
الخبيرة الأردنية في دبلوماسية المياه ميسون الزعبي أكدت لـ”الغد”، أن وجود سورية كمشارك نشط يمثل خطوة محورية بالنسبة للأردن، مشيرة إلى أن التعاون مع سورية، يسهم بتجاوز الصعوبات السابقة كصعوبة عقد اللقاءات المشتركة أو إجراء الدراسات المشتركة، ويتيح الاطلاع على النتائج بشكل مباشر.
وأشارت الزعبي إلى أن موضوع تبادل المعلومات بين الدول الأعضاء كان من البداية محل تخوف، خصوصا لدى دول المنبع، لكنها أوضحت بأن الهدف من مشاركة المعلومات ليس التحكم أو الحجز، بل تمكين الدول الأعضاء من اتخاذ القرارات الصحيحة وفهم التحديات القائمة والاستفادة من تجارب بعضهم البعض لتعزيز التعاون المستدام.
وجددت الزعبي التأكيد على أن هذه المشاركة السورية، تمثل خطوة إستراتيجية لتعزيز التكامل الإقليمي، مشيرة إلى أن العمل المشترك على تبادل المعلومات وإدارة المخاطر يمهّد الطريق لمستقبل أكثر استقراراً وأماناً في مجال الموارد المائية العابرة للحدود.
وأكدت الزعبي أن الاجتماع الأخير أبرز أهمية انضمام سورية إلى مبادرة السلام الأزرق، مشيرة إلى أن تمثيل سورية بعضوين في كل من اللجنة الاستشارية واللجنة الإدارية، يعكس إرادة سياسية قوية وحبّا للتعاون، وهو ما اعتبرته إنجازا كبيرا على صعيد المبادرة.
وشددت الزعبي على أن الورشات المقبلة ستشارك فيها الدول الأعضاء ضمن إطار الأمم المتحدة للمياه، بحيث تقدم المبادرة باسم الإقليم وليس باسم دولة بعينها، ما يتيح للمبادرة، تعزيز مكانتها كمبادرة إقليمية مميزة.
من ناحيته، شدد مدير مركز أبحاث الطاقة والبيئة والمياه د. فادي قمير ونيابة عن الوفد اللبناني، وفي تصريحات لـ”الغد”، على أهمية الاجتماع باعتباره محطة إستراتيجية لتعزيز التعاون في مجال المياه العابرة للحدود، مستعرضا خطوات عملية تشمل إنشاء منظمات إقليمية لإدارة الأحواض المشتركة، وتأسيس قاعدة بيانات لتبادل المعلومات بين الدول، والتشاور لتنفيذ مشاريع مشتركة، ومنع التلوث بين الأحواض وفق مبدأ “الملوث يدفع”، والتدريب على الإدارة المتكاملة للأحواض والموارد المائية، واعتماد أساليب ري حديثة لتقليل الهدر.
وأشار قمير لأن الدبلوماسية المائية، المدعومة بالاتفاقيات الدولية، تشكل مفتاحا لمنع النزاعات المرتبطة بتقاسم المياه، مؤكدا أن تغير المناخ يمثل مسؤولية جماعية يجب التعامل معها بفاعلية.
وقال إن عدم تطبيق نصوص التعاون الدولية يعزز الإدارة الأحادية للأحواض العابرة للحدود، لافتا لأن السؤال الأساسي هو كيفية جعل المياه وسيطا للسلام.
كما دعا لأهمية دعم المبادرات المجتمعية والابتكار في إدارة المياه، ودمج الدبلوماسية المائية في إستراتيجيات التنمية وربط الماء بالطاقة والغذاء، وتطبيق الدبلوماسية المائية على الصراعات الوطنية عبر نهج متكامل.
وشدد قمير على أهمية إدارة المياه التشاركية التي تشمل جميع المستخدمين من مزارعين وصناعيين ومجتمعات وجمعيات بيئية، وتهيئة آليات وساطة لتخفيف التوترات وتحقيق توازن بين الاستخدامات المختلفة، مع الحفاظ على صحة النظم البيئية.
وأوضح المشاركون بأن المياه لم تعد قضية فنية محضة، بل مسألة أمن واستقرار وتنمية، مؤكدين أن الحلول المستدامة، تتطلب إدارة مشتركة ومشاريع عملية تراعي شح الموارد وتأثيرات التغير المناخي، مشيرين لأهمية تعزيز الثقة بين الدول، وتبادل المعلومات والبيانات، وتطبيق اتفاقيات دولية لضمان الاستخدام العادل والمستدام للمياه العابرة للحدود.
وشكّل انضمام سورية مؤخرا خطوة نوعية نحو استكمال عضوية المبادرة، لتصبح المنصة أكثر شمولاً وقادرة على جمع صناع القرار والخبراء والأكاديميين للعمل معا في إيجاد حلول مستدامة.
كما أكد المؤتمرون أهمية دور الدبلوماسية المائية كأداة للسلام، وإبراز أهمية بناء القدرات الوطنية والإقليمية، وتطبيق نماذج إدارة حديثة ترتكز على الترابط بين المياه والطاقة والغذاء والبيئة.
وأكد رئيس اللجنة الإدارية للمبادرة محمد أمين فارس أمين، أن المياه في المنطقة، ليست مجرد ملف فني، بل ترتبط مباشرة بالسياسة والاقتصاد والأمن، وأن تغير المناخ يضاعف الضغوط على الأنظمة القائمة. مبينا بأن المبادرة، هي المنصة الإقليمية الوحيدة المستدامة لتعزيز التعاون في قطاع المياه، حيث تجمع صناع القرار والخبراء والمؤسسات في إطار مؤسسي، يحمي الحوار ويعزز الحلول المشتركة.
من جانبه، أكد نائب رئيس البعثة السويسرية في لبنان فنسنت باسكييه، أن الاجتماع في بيروت، يعكس التزام لبنان بالحوار والتعاون الإقليمي في مجال المياه، مثمنا قيادة سمو الأمير الحسن بن طلال ودوره بتطوير المبادرة، معربا عن عن فخر سويسرا بدعم المبادرة التي تحوّل المياه من مصدر للنزاعات إلى أداة للحوار والتعاون والاستقرار والازدهار في المنطقة.