عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    19-Jan-2019

المتحف العراقي.. تاریخ عریق وحاضر حزین
عمان – الغد – في منطقة العلاوي بقلب العاصمة بغداد، یبدو المتحف العراقي وكأنھ في غیر محلھ بالنظر إلى مشھد عام یتمازج فیھ صخب السیارات وعوادمھا، وأصوات الباعة المتجولین، أما مبنى المتحف، بحسب (الجزیرة. نت)، فلا تمیزه سوى أناقتھ وبساطتھ وحدیقة، وفي الجانب الآخر مكتبة المتحف، وكل ھذا خلف سیاج ذي قضبان حدیدیة سود.
ویعود تاریخ المتحف لبدایات نشوء الدولة العراقیة الحدیثة إبان الانتداب البریطاني، فمع إقبال بعثات التنقیب وتزاید القطع الأثریة المكتشفة، تولدت عند مستشارة الحاكم البریطاني السیدة دونت بیل فكرة إنشاء متحف یعرض ھذه القطع النفیسة، وطبقت فكرتھا سنة 1923 ،وعرضت في أحد جوانب بنایة القشلة في السراي (شارع المتنبي حالیا) مجموعة من القطع الأثریة، وتولّت بنفسھا الإشراف على المتحف لتكون أول مدیرة لھ.
لكن ومع ارتفاع عدد القطع المكتشفة، ضاق المكان بمقتنیاتھ، فنُقل سنة 1927 إلى بنایة أكبر سعة في شارع المأمون، ومع استمرار علماء الآثار في كشف المواقع الأثریة وتكاثر مقتنیاتھ، صارت الحاجة ماسة لإنشاء متحف وفق المقاییس المعمول بھا في المتاحف العالمیة.
بدأ العمل في المتحف المصمم من قبل مھندس ألماني العام 1957 وانتھى بناؤه العام 1963، تحولت محتویات المتحف إلى البنایة الجدیدة وتم افتتاحھ في موقعھ الحالي العام 1966 ،ومنذ ذلك الحین شھد المتحف أكثر من توسعة، ففي العام 1983 أضیفت بنایة أخرى للمتحف لتضم الكمیات المتضاعفة من القطع الأثریة، وافتتحت قاعات جدیدة على مر ھذه السنوات، كانت آخرھا العام 2017.
تتوزع معروضات المتحف العراقي على 25 قاعة عرض، روعي فیھا التسلسل الزمني للحضارات والحقب التاریخیة التي شھدتھا أرض الرافدین، ویبدأ الزائر جولتھ من أولى القاعات في الطابق العلوي التي تعرض فیھا آثار عصور ما قبل التاریخ، وتحتوي على أقدم القطع الأثریة الموجودة في المتحف، والتي یعود عمرھا إلى 65 ألف سنة قبل المیلاد، ثم تتعاقب العصور بمعروضاتھا مع تعاقب قاعات العرض.
ووفق المدیر العام لدائرة المتاحف العراقیة لمى یاس الدوري، فإن عدد القطع المعروضة في المتحف العراقي تبلغ عشرة آلاف قطعة تغطي جمیع الحقب التاریخیة، بدایةً من العصورً الحجریة الأولى وانتھاء بالحضارة الإسلامیة، مع وجود أضعاف ھذا العدد في مخازن المتحف.
وفي تصریح للجزیرة نت قالت الدوري إن المتحف الحالي لم یعد یسع الأعداد الكبیرة للآثار التي یمتلكھا، ولم یعد أیضا یلیق بتاریخ البلاد.
وعن الحلول الممكنة لھذه المشكلة، أضافت أنھ تم تخصیص قطعة أرض في مطار المثنى ببغداد تبلغ مساحتھا 50 دونما لبناء متحف جدید، لكن عوائق التخصیصات المالیة تحول دون تنفیذ المشروع، إلا أنھم ما زالوا یأملون أن ینفذ بأسرع وقت ممكن.
وكغیره من مؤسسات الدولة، تعرض المتحف مع الغزو الأمیركي عام 2003 لسرقة وتخریب كبیرین، فَقَد على أثرھا نحو 15 ألف قطعة، اُعید منھا 4300 فقط، وما زالت الجھات المعنیة تعمل على استعادة القطع المتبقیة.
وأشارت الدوري إلى أن وزارة الثقافة تواصل العمل بالتعاون مع جھات حكومیة أخرى على إعادة الإرث المنھوب جراء تلك الفوضى، وقد تكللت الكثیر من مساعیھا بالنجاح.
یبدي الكثیر من المھتمین بالآثار أسفھم على ضیاع ھذه القطع النفیسة، ویقول خبیر الآثار عامر عبد الرزاق إن فقدان ھذا الإرث ”یعتصر قلبھ“، فھم یشاھدون بعض ھذه القطع معروضة في متاحف دول أخرى ولا یعلمون مصیر البقیة.
وینظم المتحف جولات منتظمة لطلبة المدارس، یرافقھم دلیل یشرح لھم قصة كل قطعة یقفون عندھا وأھمیتھا التاریخیة، فینصتون للقصص ویلتقطون الصور مع القطع والتماثیل.
یأخذ المتحف زائریھ في رحلة إلى الماضي، تبدأ مع إنسان عصور ما قبل التأریخ وأدواتھ التي كان یستخدمھا للصید، وتمر بالحضارة السومریة وأساطیرھا عن الآلھة القدیمة، ثم البابلیة والآشوریة فالأكادیة، وصولا للحضارة الإسلامیة بمراحلھا المتعددة، وتمنح ھذه الرحلة الزائرین فرصة التعرف على شكل الحیاة في كل حقبة من ھذه الحقب.
وتتولد لدى الزائرین عاطفة تدفعھم لتكرار التجربة، كما یقول أحمد ناصر وھو یتأمل إحدى القطع الأثریة بالمتحف ”لا أتذكر كم مرة زرت المتحف لكنني في كل مرة أزوره لا أكتفي بمتعة للتجول في التاریخ“.
أما أنوار كامل فقد ذھبت أبعد من ذلك بوصفھا شعورھا وھي تتجول في المتحف بالقول إنھا تشعر في كل مرة أنھا تزور ”إینانا“ -آلھة في الأساطیر السومریة- وتشاطرھا الحدیث عن الحیاة وعن أرض العراق الثریة وما الذي أصابھا، بحسب تعبیرھا.