عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    29-Nov-2019

احذر.. هذا ما تفعله وسائل التواصل في الصحة الذهنية - عمر الصمادي

 

الجزيرة- لقد أصبح بعض الناس مدركون تماماً لحقيقة أن وسائل التواصل الاجتماعي ليست مفيدة للصحة الذهنية. بينما يأمل البعض الآخر أن استعمال تلك الوسائل سوف يعطيهم دفعة ذهنية، لكن ذلك ليس بالضرورة صحيح لأنه يعتمد على كيفية قضاء ذلك الوقت الذي من الممكن أن يعكر صفو مزاجك بعد الاستخدام. الكثير من الدراسات قد وجدت ترابط بين الاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي وبين صحة ذهنية متدنية والتي تشمل الاكتئاب، القلق، الشعور بالوحدة والانعزال، الشعور بفقدان الثقة بالنفس وحتى يصل الأمر إلى الأفكار الإنتحارية.
 
ولكن هناك دِراستان حديثتان تؤكدان على تلك الحقائق، تلك الدراسات ذهبت إلى ما هو أبعد من الربط إلى أن هنالك علاقة سببية بين الاستخدام المفرط والأمراض الذهنية، وأن هذه التأثيرات من الممكن قياس تأثيرها على الصحة الذهنية.
 
الدراسة الأولى:
تم عملها في جامعة بنسلفانيا وتم نشرها في مجلة علم النفس السريري والاجتماعي، قامت الدراسة على تقسيم 143 طالب جامعي في مرحلة البكالوريوس إلى مجموعتين. المجموعة الأولى طلب منها الاستمرار باستخدام مواقع التواصل الاجتماعي (الفيس بوك، السناب شات، الإنستغرام) على الوجه المعتاد دون تغيير، أما المجموعة الثانية فقد وضع حد أقصى لها للاستخدام مدته 10 دقائق يوميا لكل تطبيق أي ما مجموعة 30 دقيقة في اليوم. قام المشاركون بتزويد الباحثين بمعلومات الاستخدام الدقيقة من هواتفهم لمعرفة الوقت الدقيق الذي تم صرفه على كل تطبيق، بدل من الاعتماد على ذاكرة المشارك فقط والتي من الممكن أن تكون غير موثوقة.   
 
الأن اس الذين قللوا من استخدامهم لوسائل التواصل الاجتماعي إلى 30 دقيقة فقط في اليوم شعروا بتحسن بعد مرور ثلاثة أسابيع، ولقد أبلغوا عن نقصان الشعور بالاكتئاب والوحدة
لقد طلب من المشاركين أن يقوموا بتعبئة استبيان قبل الإجراء وبعد الإجراء وذلك لتمكين الباحثين من تقييم الوضع النفسي، بالأخص مسائل القلق، الاكتئاب، الشعور بالوحدة وكذلك المقياس الأشهر "الخوف من الفقدان" أو ما يعرف بالإنجليزي the Fear Of Missing Out “وهو ذلك الشعور أن الأخرين من الممكن أن يعرفوا أو يمروا بتجربة قيمة من دونك فيصبح المستخدم في قلق دائم. ولمدة ثلاثة أسابيع قام المشاركون بالدراسة بأخذ صورة لشاشات هواتفهم تبين ساعات الاستخدام لكل تطبيق. ومن ثم قام الباحثون بمقارنة الاستبيان قبل التجربة والاستبيان بعد التجربة ومن ثم تمت إجراء التحاليل الإحصائية للربط مع عدد ساعات الاستخدام.
 
الذي يميز هذه التجربة أن الباحثين قد تتبعوا معلومات أجهزة الأيفون عن مدد استخدام برامج وسائل التواصل الاجتماعي، تلك المعلومات المأخوذة من الهواتف هي معلومات دقيقة جداّ لمدد الاستخدام التي كانت بالسابق ما تعتمد فقط على تقدير المستخدم لتلك المدد والتي من الممكن أن يشوبها بعض الخلل وعدم الدقة بالتقدير. وهذا ما قالته الباحثة هانت مساعدة مدير دائرة التدريب السيكولوجي السريري في جامعة بنسلفانيا "لقد صممنا الدراسة لتكون شاملة ومحكمة وكذلك سهلة التنفيذ (وذلك بأخذ معلومات الاستخدام من الأجهزة) حتى تعطي نتيجة صالحة".
 
وكما توقع الباحثون، فإن الأناس الذين قللوا من استخدامهم لوسائل التواصل الاجتماعي إلى 30 دقيقة فقط في اليوم شعروا بتحسن بعد مرور ثلاثة أسابيع، لقد أبلغوا عن نقصان الشعور بالاكتئاب والوحدة، خاصةً أولئك الأشخاص الذين يعانون من مستويات اكتئاب عالية قبل الدراسة. ومن المثير بالاهتمام فإن المجموعتين قد أبلغوا عن نقصانٍ في شعور "الخوف من الفقدان" وبالتالي نقصان التوتر والذي يعزيه الباحثون الى أن المشاركين في المجموعتين قد أصبح عندهم وعياً أكثر ومراقبة ذاتية بعد الاستبيان الاول.
 
تقول ناشرة البحث ميليسا هانت "إن الاستخدام الأقل لوسائل التواصل الاجتماعي يؤدي إلى نقصان كبير في الشعور بالاكتئاب والوحدة، وبالأخص للأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب قبل الدراسة". إن هذه النتيجة تتفق مع ما تم طرحة مسبقاً عن العلاقة بين الاكتئاب والشعور بالوحدة واستخدام الكبير لوسائل التواصل الاجتماعي. لكن هذه الدراسة استخدمت معلومات استخدام دقيقة جداً مما يتيح الفرصة للباحثين لفرض نظرية السببية.
 
وكما تضيف الباحثة "إنه لمن المثير للسخرية أن تقليل استخدام وسائل التواصل الاجتماعي تجعلك تشعر أقل بالوحدة" وتضيف الباحثة "إن الكثير من الأدبيات المنتشرة في هذا الموضوع تقترح أن استخدام مواقع التواصل الاجتماعي يؤدي إلى المقارنات الاجتماعية. وهذا جلي في استخدام برنامج الإنستغرام، حيث أن المستخدم ينظر دائماً إلى حياة الأخرين فإنه من السهولة بمكان أن تستنتج أن حياة الأخرين دائما هي أفضل وأجمل من حياتك". وما هذا إلا وهم قد يقع في شَركه المستخدم. يضيف البحث أن النتائج لا تقترح على الفئة العمرية 18 -22 سنة أن تتوقف عن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بالكامل. في الحقيقة تم تصميم الدراسة على اعتبار أن لا يكون هناك أهداف غير واقعية. ولكن فقط التقليل من مدة الاستخدام على الشاشات لهذه التطبيقات.
 
إلا أن الباحثين قد قرروا أن هذه الدراسة شملت ثلاثة برامج فقط، ألا وهي الفيسبوك والانستغرام والسناب شات، ومن غير الواضح إذا كانت النتائج تنسحب على منصات التواصل الاجتماعي الأخرى. كما أنهم أوضحوا أنه من غير المعروف عن طبيعة النتائج إذا تم تغيير الفئة العمرية وتغيير بيئة الدراسة. لكنهم يأملون أن يستطيعوا الإجابة عليها في الدراسات القادمة. ولم تخبرنا هذه الدراسة عن أفضل مدة يمكن أن نقضيها على منصات التواصل والتي من الممكن أن تخفف من آثار الاكتئاب والشعور بالوحدة ولكنها اكتفت بالقول بأنه كلما قل الاستخدام كانت النتائج أفضل للصحة الذهنية.
 
ولكن الباحثة تقول عن المقارنة الاجتماعية التي تحصل لمستخدم منصات التواصل "حينما لا تكون مشغولا في ملاحقة حياة الأخرين، فأنك حتماً سوف تصرف وقتك على أشياء من الممكن أن تحسن من حياتك" وأضافت “ولأن تلك المنصات هنا لتبقى فانه على المجتمعات أن تجد طريقة عن كيفية الاستخدام الأفضل لتلك الوسائل للحد من التأثير التدميري لها" وبشكل عام فإن الباحثة تقترح "ضع هاتفك جانباُ واصرف وقتاً حقيقياً مع الناس المتواجدين في حياتك على أرض الواقع".
  
ربما لا يجب علينا أن نتوقف عن استخدام مواقع التواصل ولكن علينا الحد من المدة المقضية على تلك الوسائل، وأن نتواصل حالاً مع أصدقاء وأفراد العائلة في الواقع الحقيقي
 
مواقع التواصل 
   
أما الدراسة الأخرى:
فهي من جامعة نيويورك في كندا، والتي وجدت أن النساء الصغيرات اللواتي طلب منهن أن يتفاعلن مع منشور لشخص من المتعارف عليه أنه ذو جاذبية، قد شعرن بشعور سيئ تجاه أنفسهن بعد فترة. لقد تقسيم المشاركين في الدراسة والبالغ عددهم 120 إلى مجموعتين عشوائياً. المجموعة الأولى عليها اختيار صديق أو صديقة على الفيس بوك أو الإنستغرام يشعرون أنه أو أنها أكثر جاذبية وأن تترك تعليقاً على منشور ذلك الشخص الجذاب. وأما المجموعة الثانية، فقط طلب منها أن تختار عضو من العائلة لا يشعرون أنه أكثر جاذبية منهم أو منهن. لقد قيّم المشاركون في المجموعة الأولى أنهم شعروا شعوراً سيئا تجاه مظهرهم الخارجي عندما قارنوها بزملائهم الذين اعتقدوا أنهم أكثر جاذبية. بينما في حالة المجموعة الثانية فلم يحدث ذلك.
   
تقول الباحثة جينيفر ميليز "لقد أظهرت الدراسة أن تلك النساء اليافعات قد شعرن بعدم الرضا عن مظهر أجسادهن". "لقد شعرن بالسوء تجاه مظهرهن بعدما اطلعن على صفحة أحد من الأصدقاء اعتقدن أنه أو أنها أكثر جذبا منهن". ومن الجدير بالذكر ها هنا ولم تذكره الدراسة هو أن التأثير السلبي ليس فقط مع عمل مقارنة مع أشخاص يعتقد أنهم أكثر جذبا أو ذكاءً، ولكن أيضاً، عمل مقارنة مع أشخاص يعتقد أنهم أقل جذبا أو ذكاءاً فانه مضر جداّ بالصحة النفسية والذهنية. وهذا ما أثبته دراسة أجريت قبل أعوام حيث أظهرت تلك الدراسة أن العلاقة بين وسائل التواصل الاجتماعي وازدياد حالات الاكتئاب مرده إلى عامل "المقارنة الاجتماعية". وهو بالمناسبة صحيح في الاتجاهين سواء كانت المقارنة بمن تعتقد أنك أفضل منهم أو من تعتقد أنهم أفضل منك.
 
إن الاستنتاج الذي نستنتجه من هذه الدراسات هو أن صرف كثير من الوقت على تلك الوسائل ليس بالشيء المفيد لصحتنا الذهنية. ربما لا يجب علينا أن نتوقف عن استخدامها ولكن الحد من المدة المقضية على تلك الوسائل، وأن نتواصل حالاً مع أصدقاء وأفراد العائلة في الواقع الحقيقي فهو الطريق الصحيح.