عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    23-Mar-2025

عودة الإبادة*إسماعيل الشريف

 الدستور

«تهجير الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة يهدد بتوسع الصراع»- الملك عبد الله الثاني ابن الحسين.
خلال فترة وقف إطلاق النار المؤقت بين الكيان المجرم وحماس، واصلت قوات الاحتلال ارتكاب المجازر، فقتلت 150 ضحية من المدنيين، كما فرضت حصارًا منع وصول المساعدات الإنسانية إلى غزة. وبعد انهيار الهدنة، تصاعدت حدة العمليات العسكرية في ظروف أكثر قسوة؛ حيث يعاني القطاع من تدمير واسع النطاق للبنية التحتية ودخل مرحلة المجاعة وفقًا للتصنيفات الرسمية. كما نفذ الكيان المجرم سلسلة اغتيالات استهدفت مسؤولين إداريين وأمنيين في حركة حماس، مما فاقم الوضع المتأزِّم.
إن استئناف الحرب في هذه المرحلة يحمل في طياته مخاطر تفوق بمراحل ما شهدته المواجهة الأولى، وتنذر بتداعيات كارثية متشعبة تُلقي بظلالها على المشهد الإقليمي والدولي:
تجتاح قطاع غزة أزمة إنسانية غير مسبوقة في تاريخه المعاصر؛ حيث يعاني أكثر من مليون فلسطيني من تشرد قسري وفقدان المأوى، وسط منظومة صحية متهاوية وانتشار وبائي مقلق، ونقص حاد في مصادر المياه النقية. تقف غزة اليوم على شفا مجاعة حقيقية تهدد حياة مئات الآلاف من المدنيين المحاصَرين تحت وطأة الحرب.
توقف الملاحة التجارية في البحر الأحمر يؤدي إلى اضطراب سلاسل الإمداد العالمية، مما ينذر بارتفاع متسارع في أسعار النفط وتضخم تكاليف الشحن الدولية، ويلوح في الأفق شبح انكماش اقتصادي عالمي جديد يضاف إلى الآثار المستمرة لجائحة كورونا التي لم يتعاف منها الاقتصاد العالمي بعد.
تنظر الدول العربية إلى عودة العمليات العسكرية باعتبارها نكثًا للوعود الدبلوماسية وإخلالاً بالاتفاقيات المبرمة، وتجاهلاً صارخًا للنظام العربي الذي بذل جهودًا مضنية في تقديم مبادرة متكاملة لمعالجة أزمة ما بعد الحرب في غزة، لتُقابَل هذه المساعي بتجاهل مطلق يزيد من تعقيد المشهد الإقليمي.
تشهد العلاقات بين الكيان المحتل من جانب والأردن ومصر من جانب آخر توترًا متصاعدًا ينذر باحتمالية امتداد دائرة المواجهة إلى هاتين الجبهتين الاستراتيجيتين، مما قد يؤدي إلى زعزعة استقرار المنطقة بأكملها.
تتسارع وتيرة العزلة الدولية التي يواجهها الكيان الصهيوني على الساحة العالمية، في ظل تصاعد الإدانات الصريحة والمباشرة من قبل كبار صناع القرار السياسي وممثلي المنظمات الدولية المؤثرة.
يشهد الموقف الأوروبي انقسامًا عميقًا حيال دعم الكيان؛ حيث تقف دول مثل ألمانيا وإيطاليا وبريطانيا في صف الداعمين لسياساتها، بينما تتخذ غالبية الدول الأوروبية موقفًا معارضًا وناقدًا لهذه السياسات. هذا الانقسام الداخلي يُضعف بشكل ملحوظ الثقل السياسي للقارة العجوز على المسرح العالمي، ويقلص من فاعلية دورها في التأثير على مسار الأزمة في غزة.
تتصاعد بوتيرة متسارعة الضغوط المفروضة على المؤسسات الدولية لفتح تحقيقات شاملة ومستقلة في جرائم الحرب التي ارتكبها الاحتلال في غزة، مما يطرح إشكاليات جوهرية حول فاعلية المنظومة الدولية وقدرتها الحقيقية على التصدي للأزمات الإنسانية المعقدة في عالم اليوم، ويضع مصداقية هذه المؤسسات على المحك أمام الرأي العام العالمي.
تتنامى بشكل لافت التساؤلات العميقة حول جدوى المواثيق والقوانين الدولية التي تم انتهاكها بصورة فجة وممنهجة تحت مظلة الدعم الأمريكي غير المشروط، مما يميط اللثام عن الوجه الحقيقي للنظام القانوني الدولي والمنظمات الأممية كأدوات طيعة بيد القوى الغربية، يتم توظيفها بانتقائية صارخة لإخضاع الدول المناوئة للهيمنة الغربية على النظام العالمي.
سيؤدي الانخراط العميق للولايات المتحدة في أتون الصراعات الإقليمية، ودعمها اللامحدود للكيان الصهيوني، إلى تآكل نفوذها الاستراتيجي لصالح القوى الصاعدة، روسيا والصين، كما سيقلص بشكل جوهري من قدرتها على مواجهة «منافسها الاستراتيجي الأول»، الصين، التي تشهد صعودًا متسارعًا في قوتها ونفوذها على الساحة الدولية، وتحقق اختراقات متتالية في مناطق النفوذ الأمريكي التقليدية.
أضحى تحالف نتن ياهو الوثيق مع التيارات اليمينية المتطرفة واستحواذه على مفاصل صنع القرار يمثل تهديدًا وجوديًا للكيان المحتل، إذ يعمق من عزلته الدولية ويؤجج نيران الانقسام المجتمعي الداخلي، مما قد يفضي في نهاية المطاف إلى مواجهة داخلية وربما حرب أهلية.
مع استمرار تدفق المشاهد المروعة والصور المفجعة من غزة المحاصرة، تشهد الساحة العالمية تصاعدًا غير مسبوق في موجات الغضب والاحتجاجات المناهضة للكيان المحتل، في ظاهرة تتجاوز حدود التضامن التقليدي لتصبح حراكًا شعبيًّا عالميًّا يضغط على صناع القرار في مختلف أنحاء العالم.
تواجه منظومة إمدادات الغاز الإسرائيلية المتجهة إلى القارة الأوروبية تهديدات متزايدة، مما يُلقي بظلال قاتمة على أزمة أمن الطاقة الأوروبي المتفاقمة أصلًا، خاصةً في ظل اضطراب الملاحة في البحر الأحمر وتداعياته الاقتصادية الخطيرة على سلاسل الإمداد العالمية.
تشهد العلاقة بين المؤسسة العسكرية والقيادة السياسية داخل الكيان المحتل توترًا متصاعدًا نتيجة العجز البيِّن عن تحقيق الأهداف المعلَنة للحرب، مما قد يُعَجِّل بانهيار الائتلاف الحكومي الهش، ويفتح الباب أمام اضطرابات سياسية داخلية غير مسبوقة.
تتزايد بشكل ملحوظ احتمالات اندلاع مواجهات واسعة النطاق في الضفة الغربية، مما سيضيف جبهة جديدة للصراع المحتدم، ويزيد من تعقيد المشهد الإقليمي المتأزم، ويهدد بتوسيع رقعة المواجهة لتشمل مناطق كانت بمنأى نسبي عن التصعيد العسكري المباشر.
تشهد الأوساط الأكاديمية والنقابية في الغرب نموًّا متسارعًا للدعوات المطالبة بفرض مقاطعة اقتصادية وأكاديمية شاملة على الكيان المحتل، وهو ما قد يتسبب في أضرار اقتصادية هيكلية طويلة المدى، تمتد تداعياتها لسنوات قادمة، وتؤثر على مجمل العلاقات الاقتصادية والثقافية مع الغرب.
يقف العالم اليوم على مفترق طرق تاريخي حاسم: إما المبادرة الجادة لوقف آلة الحرب المدمِّرة، أو الاستعداد لمواجهة صراع متفجِّر يتجاوز حدود السيطرة والاحتواء، مّهدِّدًا بزعزعة أركان النظام العالمي برُمّته، وإعادة تشكيل خارطة التحالفات والقوى الدولية بصورة جذرية.