عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    16-Mar-2020

الكورونا، أوروبا ونحن - ايال زيسر

 

إسرائيل هيوم
 
مدير عام منظمة الصحة العالمية يؤكد بأن اوروبا اصبحت بؤرة لانتشار الكورونا في العالم، وهكذا ورثت مكان الصين، التي تنتعش رويدا رويدا من الوباء. الحقيقة، في اوروبا الشفافية أكبر بكثير، وخدمات الصحة المتطورة قادرة على أن توفر صورة وضع دقيقة نسبيا. وما يزال، وفقا لما هو معروف حتى الآن، في الشرق الاوسط معدلات العدوى والوفيات، بقدر ما يمكن الثقة بها، ما تزال متدنية، باستثناء إيران، التي وصل إليها المرض على ما يبدو مباشرة من الصين.
عاملان جعلا اوروبا هشة على نحو خاص. أولا، السكان فيها كبار السن اكبر نسبيا من معظم العالم، وبالتالي فهي عرضة اكثر للمرض. هكذا مثلا في ايطاليا يبلغ معدل السكان ابناء اكثر من 65 نحو 23 %، ومعدلات مشابهة ايضا في اسبانيا وفي المانيا. اما في اسرائيل، بالمقابل، فيبلغ معدل كبار السن ابناء 65 فأكثر نحو 12 % – نصف ما هو في اوروبا. السكان في اسرائيل أكثر شبابا بكثير، وبالتالي يمكن الافتراض بأن ضرر المرض في اسرائيل كفيل بان يكون اقل خطورة. وبالمناسبة، في الدول العربية المحيطة بنا، بسبب التكاثر الطبيعي العالي، فان معدل كبار السن يبلغ 6 – 7 %.
ثانيا، ردت اوروبا بتأخير وبتردد نسبيين على انتشار الوباء. في معظم القارة كانت الخطوات جزئية ومحدودة. رد الفعل المتأخر والمتردد هذا يكمن في عادة الالتزام بالروح الاوروبية الراهنة، التي تضع في المركز الحرية والانفتاح، ولكن ايضا وبالاساس المصلحة الانانية للانسان الفرد، وتمنح هذه الامور اولوية على مصلحة العموم والمجتمع.
توجد بين الامرين صلة واضحة، القت بظلالها على اوروبا حتى قبل اندلاع الوباء. المثال الاوروبي لعيش اليوم وتفضيل جودة الحياة ومستوى الحياة على انجاب الاطفال والعناية بهم، هو الذي يقبع في اساس معدلات الانجاب المتدنية في القارة. وقد أدى هذا منذ زمن بعيد الى نقص خطير في الايدي العاملة والى اغراق القارة بمهاجري العمل من كل ارجاء العالم، ولا سيما من افريقيا ومن العالم العربي.
في 1960 كان عدد سكان اوروبا يبلغ 400 مليون نسمة، بينما كان يعيش في الشرق الاوسط في ذاك الوقت 100 مليون فقط. اما اليوم فيعيش في اوروبا 500 مليون نسمة – ارتفاع ينبع في معظمه من الهجرة – بينما يعيش في الشرق الاوسط الاوسط نحو 400 مليون نسمة. في العام 2050 سيبلغ عدد السكان في الشرق الاوسط 750 مليون نسمة، بينما في اوروبا لن يطرأ اي تغيير على عدد السكان.
ولكن التحدي الذي تقف امامه اوروبا كان يمكن تشخيصه منذ قبل عقد من السنين، حين ارتفع تهديد الارهاب الاسلامي درجة. وكان مصدر هذا التهديد غير مرة يعود الى المهاجرين المسلمين في ارجاء القارة ممن لم يستوعبوا فيها. غير أن الرد الاوروبي على التحدث كان النفي، وبدلا من ابادة التهديد، مال الاوروبيون الى ابداء التفهم لدوافع الارهاب وامتنعوا عن اتخاذ خطوات الامان، مثل تلك التي تتخذها اسرائيل. وكل ذلك باسم الحفاظ على حقوق الفرد والخوف من المس بجودة الحياة.
وبالتالي فإن انتشار الكورونا هو مثابة نداء تحذير لأوروبا، عنوان آخر على الحائط لأزمة تعيشها القارة منذ زمن بعيد. لقد اعتاد الاوروبيون انتقاد دولة اليهود والمزاودة عليها، ولكن يخيل أن اسرائيل الصغيرة يمكنها هذه المرة أن تعلم اوروبا شيئا ما: سواء في كل ما يتعلق بإيجاد التوازن بين حريات الانسان الفرد وبين مصلحة العموم، وبالاساس في تبني الروح الاسرائيلية التي تسمح لها بان نقيم دولة غربية متطورة، في ظل القدرة على تجنيد المجتمع ومؤسسات الدولة، وفي ظل الحفاظ على الدينامية، النمو والتطور وكذا – ايضا في ظل التكاثر الطبيعي.