عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    11-Jul-2025

وقفة مع كتاب العرب ومستقبل الصين

 الدستور-خلود الواكد

 
الكاتب الصحفي والمحلل السياسي «سامر خير أحمد»، كاتب أردنيّ من مواليد عام 1974، حاصل على بكالوريوس الهندسة الكيميائية من الجامعة الأردنية، لكنه رغب عن ممارسة الهندسة إلى العمل في الكتابة والتأليف والإدارة الثقافية، كتب في الصحف التالية: «الرأي»، «الغد» و»العربي الجديد». حصل على جوائز عدة على مؤلفاته المتميزة، اختص بموضوعات النقد الحضاري لأزمة النهضة العربية، من زواياها الفكرية والسياسية والتنموية. له مجموعة من المؤلفات القيّمة منها: الجوهر والتجليات: نقد ثقافي لأزمة النهضة العربية (2024)، نهضة الشرق (2019)، العرب ومستقبل الصين، وقد صدر بالعربية في دبي وعمّان وبالصينية في بكين وبالإنجليزية في لندن. العلمانية المؤمنة (2012). الماضوية: الخلل الحضاري في علاقة المسلمين بالإسلام (2007). الحركة الطلابية الأردنية (2000).
 
في وقفتنا مع كتاب العرب ومستقبل الصين، الذي قدمه الكاتب بأسلوبه الخاص المتفرد، وعمق رؤيته، واتساع فكره، وبلاغة لغته، وصدر بثلاث لغات هي العربية والإنجليزية والصينية، فقد فاز هذا الكتاب بجائزة المساهمات المتميزة في التأليف من بكين وهي أرفع جائزة حكومية ثقافية، وفاز بجائزة جامعة فيلادلفيا الأردنية لأحسن كتاب.
 
يبدأ الكتاب بنقد تعطل المشروع النهضوي العربي من خلال مقارنته بالنجاح النهضوي الكبير الذي حققته الصين في العقود الأخيرة، إذ استطاعت الصين استخدام التنمية لنهوضها وازدهارها، ووصولها إلى ما وصلت إليه الآن. وهكذا يستعرض الكتاب التأسيس البرغماتي للمشروع النهضوي العربي قبل نحوي مئتي عام، وذلك عندما وضع رفاعة الطهطاوي كتابه (تخليص الابريز في تلخيص باريز) عام 1834 في ظل دولة محمد علي التي حرص فيها على بناء دولة حديثة، من خلال الاهتمام بالمؤسسات التعليمية، وكان لكتاب الطهطاوي أثراً كبيراً على المشروع النهضوي العربي، من خلال الاعتبار بما رآه في باريس على مستوى المجتمع والحياة اليومية.
 
لقد كان التأسيس البراغماتي لمشروع النهضوي العربي، كما يقول كتاب «العرب ومستقبل الصين»، علامة مميزة في الفكر العربي في تلك المرحلة. غير أن ذلك التوجه البرغماتي عانى من ردة كبيرة بعد وصول الاستعمار العسكري إلى البلاد العربية، في النصف الثاني من القرن التاسع عشرـ إذ تمثل رد العرب على وصول الاستعمار الأوروبي بالتخلي عما قدمه رفاعي الطهطاوي في كتابه. لقد ظهرت مدرستان تبنتا استكمال مشروع النهضة لكن عبر ارتدادهما عن فكر الطهطاوي.
 
الأولى هي المغرقة في التراثية انطلقت مع جمال الدين الأفغاني وتلميذه الشيخ محمد عبده، وسيطرت على كل التيارات الفكرية الإسلامية، حتى اليوم. أما المدرسة الثانية فهي التي نظرت للنهضة الأوروبية كأيديولوجيا، واعتبرت أن أوروبا تملك الحقيقة المطلقة بسبب ما حققته من نهوض، وأن على العرب من ثم أن يقلدوا أوروبا بأفكارها ونجاحاتها.
 
ويستعرض كتاب «العرب ومستقبل الصين» انتقال المشروع النهضوي العربي من البراغماتية التي لا تنطلق من الحاجة الداخلية للتطور والنهوض، إلى ردود المؤدلجة دفعتنا لأن نكون أمام أحد خيارين: إما الارتداد نحو الماضي أو التوجه نحو الغرب، هذا مقابل صورة المشروع الصيني في التقدم والنمو والنهوض الذي حدث في العقود الأخيرة التي اعتمدت البرغماتية. وهكذا ينطلق الكتاب بعد هذا المدخل التاريخي ليدرس الفلسفة التي قام عليها النهوض الصيني والطريقة التي استطاع من خلالها الصينيون إحراز كل ما أحرزوه من تقدم اقتصادي وحضور سياسي في العالم.
 
يبدأ هذا الجزء الحديث عن الصين، ومراجعة تاريخها وصولاً إلى تأسيس جمهورية الصين الشعبية هام 1949، ثم التركيز على نقطة التحول الأساسية في التاريخ الصيني المعاصر وهي وصول الزعيم دينغ شياو بينغ إلى السلطة في منتصف السبعينيات، وإطلاقه خطة الإصلاح والانفتاح عام 1978. كذلك يفرد الكتاب مساحات لاستعراض واقع العلاقات العربية الصينية وآفاق تمتينها خصوصاً مع الدول النفطية. كذلك محاولة لتوسيع علاقاتها ونفوذها في العالم.
 
ويوضح الكتاب أن العلاقة العربية مع الصين لم تكن ذات طابع استراتيجي لسنوات طويلة، بل انحصرت في الجانب التجاري، إذ لم تتطور إلى محاولة الاستفادة من الفلسفة الصينية في النهوض. ويطرح الكتاب فكرة «المصاحبة الحضارية» التي مفادها أن الإمكانية المعقولة الوحيدة بالنسبة للأمم المتأخرة للحاق بركب الحضارة والدخول في مجال التأثير الإنساني، تتمثل في إقامة تحالفات حضارية مع الأمم التي تفوقها تحضّراً، كي تستفيد مما لديها من منجزات، من موقع الشريك لا من موقع المستهلك، فتتمكن من هضم تلك المنجزات ضمن مساعيها التحضّرية، على أن يكون ثمة لديها بالمقابل ما تقدمه لحليفتها الناهضة، مما يفيد تلك الحليفة في ما هي عليه من تقدم، أو تستعمله في إدامة وتطوير تقدمها. داعياً إلى تطبيق فكرة «المصاحبة الحضارية» على علاقة العرب مع الصين؛ كي يستفيد العرب من مستقبل الصين المفتوح على مزيد من النهوض والتأثير الدولي.