الدستور - الحروب الداخلية في الحكومة، والشكل الذي أديرت فيه الدولة في الأشهر الأخيرة، ينهشان بشدة الجيش، ويمسان مباشرة بالأمن الجسدي لكل مواطن. فجل اهتمام الجمهور يتركز، حقا، على التقصيرات في ادارة أزمة كورونا، التي تمس جداً الأمن الغذائي والاقتصادي. لا يتصور أحد أن تمس هذه الادارة الفاشلة بالجيش ايضا، إذ إن هذا جهاز قوي، غني بالميزانيات، مراتبي، وفي قلب الاجماع. ولكن أزمة القيادة هذه لا تلمس فقط اهداب البزة الخاكي، بل تتسبب منذ الآن بضرر حقيقي.
إذا لم يُتخذ قرار يسمح للجيش بأن يدير نفسه بشكل مرتب ومنطقي فإنه ببساطة سيقف. وسبق لهذا أن حصل في العام 2014، قبل شهر من «الجرف الصامد». فعشية الحرب لم يتدرب سلاح الجو على مدى شهر، إذ نفد المال لدى الجيش. من المعقول الافتراض بأنه في كل تحقيق حقيقي أجراه الجيش بعد الحرب تبين أن قسما من المشاكل المهنية التي برزت، ولا سيما في الخطوات البرية، كان وليد وقف التدريبات والتسليحات خلال تلك السنة، نتيجة لقرارات سياسية – اقتصادية للحكومة، عملت على طريقة «الجيش سيتدبر امره».
اصبح شبه رياضة وطنية الوصف التهكمي لمطالب الجيش المالية كمبالغ فيها ومسنودة بتهديدات من الصعب فحص وزنها الحقيقي. فعلى مدى سنوات طويلة جرت المداولات حول مبنى القوة العسكرية في الملعب الذي يدور فيه اللعب بين وزارتي المالية والدفاع. وفي النهاية، كان هذا ينتهي دوما بعناوين في الصحف عن تقاعد رجال الجيش، وفي أن الحكومة تجاوزت موظفي الدولة وقررت حجم ميزانية الدفاع. وكان موظفو المالية والدفاع يسدون انوفهم، وينفذون، بينما يكيف الجيش مخططاته مع الميزانية. نعم أحب أم لم يحب، فهذا هو الموجود.
في العام 2020 لا يوجد صراع حقا بين موظفي وزارتي المالية والدفاع – كلهم في القارب ذاته. هذه هي السنة الثانية التي تسير فيها الدولة دون قانون ميزانية. معظم الوقت تحت حكومة انتقالية، وفي الاشهر الاخيرة تحت حكومة متنازعة. الجيش، مثل كل الوزارات الحكومية، يدير ذاته من شهر الى شهر على أساس 1/12 من الميزانية التي اقرت له في العام 2018. وفي كل شهر يقف على عتبة باب وزارة المالية كي يطلب الاذن لنفقات استثنائية. اضافة الى ذلك: في السنتين الاخيرتين، وكنتيجة لتقليصات عرضية وتجميد لميزانية الدولة، فقد الجيش بالتقدير السريع نحو ثلاثة مليارات شيكل من ميزانيته السنوية. واذا كان بنى ونفذ حتى الآن خططا مقرة من المشتريات، التدريبات، والاستعدادات على أساس ميزانية سنوية من 32 مليار شيكل، فليس لديه في 2020 الا 29 مليار شيكل كي ينفذها. ومنذ الآن، تمدد بعض المشاريع على سنوات أطول، وتؤجل مشتريات، وبناء على ذلك تخفض تدريبات الاحتياط وتتضرر شروط الخدمة النظامية. هكذا، مثلا، اذا أوقف الجيش عملية الانتقال الى النقب بسبب نقص المال، فسيتعين عليه ان يدفع مئات الملايين، كتعويضات على خرق العقود وفي الوقت ذاته على ترميم المعسكرات القائمة المرشحة للنقل، والتي في بعضها متهالكة تماما.
وعندما يؤتى بهذا الاخفاق الى عتبة وزراء الحكومة و»الكابينت»، يتجادل فيما بينهما رئيس الوزراء ووزير الدفاع في مسألة هل قانون الميزانية سيكون لخمسة أرباع السنة أم لربع واحد. هذا الجدال يجعل القرار في ميزانية الدولة عالقا، وهي التي يفترض بها أن تحرك المنظومة العسكرية وان تخرجها من انعدام اليقين في الوقت ذاته. وهكذا بات الجيش للسنة الثانية على التوالي يعمل دون ان تكون له خطة عمل جديدة متعددة السنين، مقرة وممولة، إذ ليس لـ»الكابينت» الوقت او الرغبة في الانشغال في هذا. لا يوقعون عقودا لشراء طائرات جديدة في الولايات المتحدة؛ لأن اللجنة الوزارية لشؤون التسلح لم تجتمع بعد.
من الواضح لجهاز الأمن ان أزمة كورونا خلقت واقعا اقتصاديا يتعين على الجيش أن يراعيه، ولكن من هنا وحتى تجاهل احتياجات الأمن العاجلة – على ما يبدو انتظارا لمعجزة بأن تتدبر الامور بعد كل شيء من تلقاء ذاتها – فإن المسافة طويلة. تفهم قيادة الجيش بأن المواطن الذي تكون ثلاجته فارغة لا يشغل باله بجهاز الأمن، ولكنه سيقلق حين سيجلس في الغرفة الأمنية.
«يديعوت احرونوت»