الغد-عزيزة علي
إربد – رأى متحدثون في ندوة "الشعر والتصوّف"، التي نظمتها جمعية النقاد الأردنيين بالتعاون مع مديرية ثقافة إربد، أن الكتابة الشعرية للشاعر زهير توفيق تُعدُّ نموذجًا يجسد عمق الفكر وتجربة الذات في مجتمعاتنا المعاصرة.
ويُعدّ ديوانه "سماء أوديتي رؤاي" شهادة على التفاعل بين الشعر والفلسفة، إذ يدمج فيه تصورات عن الوجود والإنسانية، متخطيًا الحدود التقليدية للأدب.
وأشار المشاركون في الندوة، وهم د. عبد الرحيم مراشدة، والشاعر نضال القاسم، والناقد عبد الرحيم جداية، وأدارها الدكتور سلطان الخضور، وذلك أول من أمس في مركز إربد الثقافي، إلى أن قصائد الشاعر مزجت بين أسلوب التفعيلة والنثر، وتستفيد من التناص مع النصوص الدينية والتاريخية والفلسفية، مما يعكس تأثيره العميق بالفكر الصوفي والميثولوجي.
الناقد عبد الرحيم جداية رأى أن الجدلية بين الشعر والفلسفة والسلطة تأخذ مخاضها الخاص في فكر وديوان "سماء أوديتي رؤاي"، الذي استبطن الفلسفة في نصه الشعري، فغلب الباطن على الظاهر في قصائد ديوانه. حيث نجد التأويل راسخًا في عنوان الديوان وعتباته.
بين جداية أن القصيدة عند الشاعر هي قصيدة محمّلة بثمار الفلسفة والميثولوجيا، لينطلق بالدهشة من ألغاز الوجود. ويؤكد على قيمة الموضوع السياسي في الشعر، وقيمة الفكر والفلسفة، والمعاناة الإنسانية، واللجوء والنزوح والتأمل. حيث يفتتح الشاعر ديوانه: "أبطأت في حلم الخطى حتى أرى سقف الوجود" (ص 23). فهل يقصد بسقف الوجود ما يراه بعض الوجوديين من عدم وفناء، أم يرى في سقف الوجود غاية المعرفة والفلسفة والفكر؟ وربما يرى في سقف الوجود الحقيقة الغائبة، أو الغيب بكليته، وهذا ما ذهب إليه المتصوف فريد الدين العطار في كتابه "منطق الطير".
من جانبه، رأى الناقد نضال قاسم أن كتابة زهير توفيق هي كتابة تفاعلية؛ إذ تجدد تكويناتها الفنية باستمرار من خلال تلاحق الإيماءات التصويرية الاستعارية، والنصوص الوليدة، والهوامش المكملة، والحكايات، والأسئلة، والالتحام مع بعض النصوص الدينية، والتاريخية، والأسطورية، والصوفية من خلال التناص. كما يبحث الشاعر عن شكل متناغم ومتناسق جديد للنص يقوم على التفاعل الجمالي بين الحركات النصية المتوازية، والمعاني، والإيقاعات، والأصوات التي تؤكد الاختلاف والتجدد. إنها كتابة ذات خصوصية تجريبية تقوم على التداعي، والانفتاح الدلالي والجمالي بين الفنون، والأنواع، والأصوات الممتدة من المعارف، والذاكرة الجمعية، ودوال الكتابة نفسها في صيرورتها المستقبلية.
وأضاف قاسم، لقد هيمنت على قصائد ديوانه المفردات المعجمية التي يحتاج القارئ للاستدلال عليها في أغلب الأحيان، وقد لا تكون بسيطة أو مألوفة. ولعل في نفس الشاعر هدفًا أدبيًا يبتغي من خلاله الارتقاء بالقارئ من جهة، ومن جهة أخرى تقديس اللغة الأدبية بفخامتها وأبّهتها. ومن جهة ثالثة، يتراءى للقارئ وقع الكلمات وكأنّه على مسرح الشعر التاريخي، يستحضر اللغة بمكنوناتها الفخمة والجليلة لتترسخ في ذهنه ونفسه، فيحافظ على تراثها وكنوزها الإبداعية.
وبين قاسم أن قصائد هذا الديوان قد راوحت بين قصيدة التفعيلة وقصيدة النثر، وتنمّ مجملها عن حس شعري مرهف مسكون بحزن عميق. ويدفع الشاعر بها مغامرته الشعرية نحو مشارف جديدة تضاعف من تميز صوته وتضيف إلى تجربته شعراً يستلهم الواقع الإنساني المعاصر بخصوصياته العديدة. ويتجلى فيها المكان في تشكيلات حلمية وغرائبية يضيئها برق هنا وإشارة هناك في عالم متشابك من الظلال والأنوار، وفي أمكنة مسماة تستعيدها المخيلة لتكون لها كما يمكن أن تكون لغيرها. والديوان بشكل عام لوحة تشكيلية رائعة من الأشكال والألوان والمضامين، وهو زاخر بالعديد من الصور الموحية
وخلص قاسم إلى أن الشاعر رسّخ في قصائده عذوبة اللغة وحيويتها وبساطتها المباشرة. ومما يحسب للشاعر في هذا الديوان جرأته على المغايرة والتجريب وتجاوز المألوف. وقد نجح الشاعر على مستوى الشكل والمضمون في توظيف الأسطورة والميثولوجيا والفلسفة في نسيج قصائده، وفق رؤية فنية رصينة ومتماسكة.
فيما قدّم الدكتور عبد الرحيم مراشدة تعريفا للصوفية وعلاقتها بالفلسفتين الوجودية والصوفية، بالإضافة إلى كونهما عابرتين للشعر العربي المعاصر، من خلال استثمارهما في حركية التحولات الموضوعية والأسلوبية في الشعر المعاصر. ثم تناول عبور هذه الاتجاهات الفلسفية وأثرها في المناهج والتيارات النقدية الحديثة مثل السوريالية والعبثية، وأثرها اللافت في حركية الشعر الحديث والنقد الحديث. لم يكتفِ مراشدة بالتنظير عبر السياق التاريخي وظروف النشأة، بل قام أيضًا بالتطبيق على نماذج من شعر أدونيس في قصيدته "زهرة الكيمياء" ونزار قباني في قصيدته "نظرية جديدة في تكوين العالم".
وتتبّع مراشدة في هذين النموذجين تمثيلات الصوفية والوجودية فيهما، ومدى استثمار هذه المرجعيات لإثراء الشعر العربي المعاصر من حيث المضامين والأساليب الفنية واللغوية والمجتمعية. بحيث أصبح التوظيف لهاتين الفلسفتين بخاصة إضافة نوعية لما جاءت به مرحلة السياب ومعاصريه، عندما قاموا بتوظيف الأسطورة، بحيث شكلت تحولًا مهمًا وإضافة نوعية لتجديد القصيدة العربية، التي راحت تتبوأ مكانة متقدّمة في الشعر العربي المعاصر والشعر العالمي.
وفي الختام، أشار رئيس جمعية النقاد الأردنيين، الشاعر زهير توفيق، إلى أن الشاعر المعاصر معني بتطوير تقنياته ومضامينه الشعرية، وهذا لا يتم إلا بالانفتاح على الفلسفة التي تمنحه فرصة التأمل والتعمق في الوجود ومعناه البعيد. لافتا إلى أن القصيدة الغنائية والوطنية نادراً ما تتقدم بسبب انخراطها في الحدث المباشر والاستغراق في الهم الذاتي.
أما عن النص والديوان، فقد أشار الشاعر إلى التركيب والتغيير الذي أجراه، فمزج بين الأسطورة السومرية والمعراج الصوفي، وحوّل جلجامش من باحث عن الخلود في الأرض إلى مريد يبحث في المعراج الصوفي عن الحقيقة، معتمدًا على فريد الدين الرومي، والبسطامي، وابن عربي، واستند في تصوره على المعطى الفلسفي.
يُذكر أن ديوان "سماء أوديتي رؤاي"، الذي صدر عن دار أزمنة للنشر والتوزيع في عمان، هو الديوان الثاني للأكاديمي الدكتور زهير توفيق.